..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

آفاق سورية بين روسيا والغرب

عفيف رزق

٤ ٢٠١٦ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2617

آفاق سورية بين روسيا والغرب
00 هولاند.jpg

شـــــارك المادة

بعد خمس سنوات على الحرب المستمرة في سورية، قررت الإدارة الروسية التدخل بقوة في هذه الحرب، مع الأخذ في الاعتبار الملاحظتين التاليتين:-

أولاً، تميزت العلاقات بين روسيا وسورية بالحيوية وبالجدية. صحيح انها ضعفت وأصيبت بالركود بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لكنها سرعان ما استعادت حيويتها بعد تسوية الديون المترتبة على سورية لروسيا، إذ قررت موسكو في كانون الثاني (يناير) 2005 شطب 80 في المئة من هذه الديون البالغة عشرة بلايين ونصف البليون يورو.

ثانياً، لاقى توجه الرئيس فلاديمير بوتين الدعم في بلاده، فتمت الموافقة على منحه تفويضاً بنشر قوات عسكرية في سورية بناء لطلب الرئيس السوري بشار الأسد المساعدة العاجلة من موسكو. هكذا أصبح الطرف الروسي موجوداً على الأرض بالقوة العسكرية والتقنية وحاضراً في المشهد السياسي.

أصبحت سورية ساحة صراع دولي قبل ان تكون ساحة عراك سياسي لإرساء حلول سياسية لأزمتها. وفي مقال نشرته «نيويورك تايمز» في 29/9/2015 عن الانتهازية الأميركية في التعامل مع تدخل بوتين، كتب توماس فريدمان: «سيواجه بوتين غضب العالم الإسلامي بأسره، بما فيه المسلمون الروس»، وسيجد نفسه في وضع «من تسلق شجرة لا يستطيع النزول عنها»، مضيفاً أن تسرع بوتين في التورط بسورية ربما كان ما سيرغمه في النهاية على البحث عن حل سياسي هناك.

وفي دراسة تحليلية معمقة نشرتها مسؤولة القضايا الديبلوماسية والاستراتيجية في صحيفة «الفيغارو» الفرنسية، إيزابيل لاسيري، اعتبرت أن هناك أسباباً عدة للتدخل أهمها رغبة الروس في عودة مركز بلادهم إلى ما كان عليه أيام السوفيات، وعودة العالم المتعدد الأقطاب.

وأضافت المحللة أن كثيرين من المهتمين بالشأن الروسي يعتقدون القادة الروس لم يقتنعوا مطلقاً بخسارتهم الحرب الباردة، وأنهم يعملون على إلغاء العقوبات الدولية التي فُرضت على بلدهم بعد أحداث القرم وأوكرانيا، ويرغبون في تعزيز نفوذهم في الشرق الأوسط بعد تعزيزهم السيطرة على قاعدة طرطوس، المدخل الروسي البحري الوحيد على البحر المتوسط، إلى جانب تأمينهم مقعداً على طاولة المفاوضات التي ستجرى لحل الأزمة السورية.

ولدى التساؤل عن النتائج بعد شهرين ونصف الشهر من القصف الروسي لسورية، تُجيب المحللة بأنه تم تعزيز النظام السوري الذي كان قد ضعف كثيراً أواخر الصيف الماضي.

عزز هذا التحليل السفير الفرنسي في الولايات المتحدة الأميركية، جيرارآروو، بقوله: «إن دعم النظام السوري هو الهدف الوحيد من التدخل الروسي»، وليس ضرب «الدولة الاسلامية»، ويضيف أن الضربات الروسية هدفها المعارضون وليس المجاهدين، وتدمير المعارضة باعتبارها القوة الثالثة، وفرض النظام السوري كبديل وحيد لـ«الدولة الاسلامية».

وعلى رغم أن بوتين كان قد وعد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لدى زيارته موسكو عشية تفجيرات باريس، بالتوقف عن ضرب المجموعات التي تقاتل «داعش»، فإن أحد المسؤولين الفرنسيين ممن يتابعون هذا الملف يعبر عن أسفه، قائلاً: لم يُساعد التدخل الروسي في تقدم المعركة ضد الإرهابيين.

أما جان بيار فيلييو، أحد الاختصاصيين في الشرق الأوسط، فيقول: «المعركة في سورية تُغذي انتشار داعش، تماماً كغزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003 الذي غذى الخطر الجديد للجهاديين».

وهكذا يبدو أن الدعم الروسي للنظام السوري بالأسلحة والعتاد والتأييد السياسي لم يعد كافياً، فانتقل إلى دائرة المشاركة الفعلية، وتم التمهيد لذلك في الخطاب السياسي والإعلامي الروسي بالتركيز أخيراً على نقص الطاقة البشرية لدى النظام.

ويبدو أن موسكو وصلت إلى قناعة بأن تزويد النظام بالمزيد من الأسلحة الحديثة سيكون من دون جدوى، وأن على روسيا أن تقدم إسناداً عسكرياً مباشراً للنظام لتمكينه من الدفاع عن المواقع والمناطق التي ما زالت تحت سيطرته.

وتعود المحــــللة إيزابيل لاسيري إلى طرح التساؤل التــــالي: هل غيرالانتشار العسكري الروسي التوازن الاستراتيجي في المنطقة؟، فتقول انه منذ تولــــي بوتيـــن السلطة في روسيا عادت الآلة العسكرية إلى قلـــب السياسة الخارجية الروسية، فحصلت زيادة كبيرة في موازنة الدفاع، إلى جانب خفض عتبة استخدام القنبلة الذرية وغيرها من ترتيبات أمر بها بـــوتـــين، جميعها تُعطي التدخل الروسي ميزة خاصة وواضحــــة. في الأساس جرى تبني عقيدة الاستخدام المبكـــر للذرة، أي، حسب الخبراء، التعويض عن ضعف القوات التقليدية الروسية، واليوم تُستخدم أيضاً لطمأنة الجيوش البرية في أوكرانيا كما في سورية، حيث تدفع موسكو بالقوات في ظل المظلة النووية.

وفي شأن التقارب بين روسيا والغرب حول سورية، يبدو ذلك ممكناً نظرياً. فتدمير الطائرة الروسية فوق سيناء ذكّر بأن الغرب والكرملين لهما على الأقل مصلحة مشتركة في منطقة الشرق الأوسط: القتال ضد الإرهابيين.

إلى جانب ذلك ومن الناحية الواقعية، هناك ما بين 5000 و7000 مقاتل أجنبي يتحدرون من الاتحاد السوفياتي السابق، انضموا إلى صفوف «داعش» وغيره، تخشى السلطات الروسية عودتهم التي تشكل خطراً على الأمن، ليس على روسيا فقط، بل على بقية الدول المجاورة التي سيكون عليها التعاطي مع هذه القضية أو الهمّ بالتعاون مع باقي الدول المعنية.

لكنْ هناك من الاختلاف ما يجعل التعاون صعباً. فعلى المستوى العسكري، موسكو تقصف الحلفاء المحليين للغرب، والقصف العشوائي للطائرات الروسية يترافق مع تدمير إضافي لا يُفرق بين مواطن وآخر، وبين مدني ومقاتل.

وهناك قضية جوهرية أخرى هي محل خلاف حاد بين الغرب وروسيا، تتمثل بمصير أو دور الرئيس السوري بشار الأسد في الحل السياسي للنزاع المسلح: فالغرب يقول إن الأسد يجب أن يخرج من الحكم، على أبعد تقدير في المرحلة الإنتقالية، بسبب ما حل بالبلد أثناء حكمه، وروسيا ترى أن مصير الأسد مرتبط، إلى حد ما، بالشعب السوري؟!... وهكذا تبقى سورية ساحة عراك دولي أكثر من كونه عراكاً سياسياً.

 

 

الحياة اللندنية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع