مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 3728
شـــــارك المادة
-1-
هذا هو أقرب توصيف لعلاقة الولايات المتحدة بأعدائنا الثلاثة الكبار، نظام الاحتلال الأسدي وإيران وداعش، فمَن أدرك هذه العلاقةَ لم تشغله التفصيلات ولم تضلّله التمثيليات ولم تخدعه الشعارات، سواء شعارات الممانعة والمقاومة الأسدية والإيرانية أو الشعارات الإسلامة والجهادية الداعشية.
-2-
لكل راع من الرعاة غنم، وغنم أمريكا هي مصالحها، وكما يتخذ الراعي كلباً لحراسة غنمه تتخذ أمريكاً كلاباً لحراسة مصالحها. ولكن الكلب في عالم الحيوان يبقى كلباً وفياً أميناً ولو طال الزمن، أما في عالم السياسة فإن الكلب كثيراً ما يتمرد ويحاول أن يتطور إلى نمر مفترس، فماذا يصنع الراعي عندئذ؟ لو تُرك النمرُ فسوف يأتي وقتٌ يفترس فيه الغنمَ والراعي معاً. لذلك لن تسمح أمريكا لكلابها بأن تتنمّر وتتوحش، وستحرص على انتزاع أنيابها وتقليم مخالبها كلما طالت لها مخالب ونَمَتْ لها أنياب، ولكنها لن تقتلها ما بقيت بحاجة إليها في رعاية الغنم، سوف تقتلها فقط عندما تنتهي مهمةُ الحراسة أو تجد كلاباً أفضل منها للقيام بالمهمة.
-3-
لقد حظي النظام السوري بالرعاية الأمريكية دهراً طويلاً وكان على الدوام الخادمَ المطيع وكلبَ الحراسة الأمين، منذ أن احتل هذا النظامُ سوريا بقيادة الأسد الأب الذي أدرك اللعبة وأتقن تمثيل دور الكلب الوفيّ. ثم جاء وريثه الجديد، الأسد الابن، ولعله لم يدرك القوانينَ التي تحكم علاقته بسيّده الراعي، فحاول التمرد عليها وهَمَّ بتغيير قواعد اللعبة في لبنان، فلما صنع ذلك وضعته أمريكا في مواجهة مع النظام الدولي كله عبر اختراعٍ اخترعته لهذا الغرض خاصةً اسمُه "المحكمة الدولية لمحاكمة قَتَلة الحريري"، فلم يلبث نظام الأسد الابن أن عاد إلى بيت الطاعة ورجع كلباً مطيعاً كما كان.
-4-
وكذلك إيران. لقد كانت كلبَ الحراسة الأمريكي المتميز في الإقليم منذ أيام الشاه البائد، وبقيت كلبَ الحراسة الأميركي المتميز في الإقليم بعد وصول الملالي إلى الحكم. ولكن إيران دولة استعمارية توسعية يدفعها طموحُها وجموحها إلى التمرد، لذلك فإنها ما تزال تتعرض لضغط مستمر من الراعي الأمريكي، فتارةً تُورَّط في حرب مدمرة مع العراق، وتارةً تُستنزَف في حرب طويلة في سوريا، وبينهما تخضع للحصار والعقوبات المتعاقبة، حتى لَيَظنّ الساذج من الناس أن العلاقة بين إيران وأمريكا هي علاقة حرب وخصام، وإنما هي علاقة تنسيق وانسجام مَشوبةٌ بتنافس شرس حادّ كثيراً ما يقود إلى التوتر والصدام.
-5-
وماذا عن داعش؟ إنها كلب الحراسة الجديد الذي صُمِّم خاصةً لضرب الثورتين العراقية والسورية ولحفظ المصالح الأمريكية في سوريا والعراق. لقد قدمت داعش (يوم كان اسمها دولة العراق الإسلامية) أعظمَ خدمة للأمريكيين في العراق عندما فتكت بالجهاد السنّي العراقي بعد الاحتلال، وهي خدمة عجزت أمريكا عن تحقيقها بنفسها ولم تستطع إنجازَها بواسطة حلفائها الطائفيين في العراق، ثم نفّذتها داعش بأهون سبيل لأنها مثلت دور "حصان طروادة"، فاخترقت الجسمَ الجهادي السنّي بالمكر والخداع، ثم فتكت بالفصائل الجهادية كلها وأخْلَت الميدانَ للأعداء فعاثوا في العراق الفساد.
-6-
كانت الثورة السورية مفاجأةً غيرَ سارّة لأمريكا بالتأكيد، وعندما فشل نظام الأسد بالقضاء عليها رغم التواطؤ الدولي والضوء الأخضر الذي قُدِّم له ليفعل ما يشاء، وعندما عجز الحصارُ والضغط عن وقف تمدّد الثورة وإعاقة انتصاراتها، وعندما سَرَت عَدْواها من سوريا إلى العراق فعادت الحياةُ إلى الثورة الشعبية العراقية، عندها لم يعد لأعداء ثورتَي الشام والعراق بديلٌ عن تحريك حصان طروادة مرة أخرى. وسرعان ما بدأ فصل جديد في المأساة، ترسمه الأيادي الخفية من وراء الستار وينفذه على المسرح كلبُ الحراسة الأمريكي القديم الجديد: داعش.
-7-
دعونا من الجدل النظري الذي لا يفيد: هل داعش كيان مصنوع أم أنه كيان مخترَق؟ وإذا كان مصنوعاً فمَن صنعه وإذا كان مخترَقاً فمَن اخترقه؟ وهل هو متواطئ مع النظام السوري أو مع غيره من القوى الإقليمية والعالمية؟ إلى آخر هذه الأسئلة التي لا يكاد يمكن إقامةُ الدليل القاطع على صوابها أو خطئها (وإن تكن الشواهدُ والأدلة التي تؤيّد إحدى الرؤيتين أكثرَ من أن تُحصى). دعونا من ذلك كله ولننظر فيما جرى في الواقع: لقد تمتع تنظيم داعش المشبوه برعاية أمريكية أبوية استثنائية، ولولا تلك الرعاية المتميزة لما كانت داعش على ما هي عليه اليوم.
-8-
سيطرت داعش على مساحات واسعة متصلة من الأرض في سوريا والعراق تحت نظر أمريكا ومراقبتها، وكانت قادرة على التدخل والضرب في كل لحظة من التمدد الداعشي من أوائل آب 2013، ولكنها لم تفعل. اكتفت لمدة سنة كاملة بكثير من الجعجعة، ولكن بلا طَحْن ولا طحين! ويا ليت أنها اكتفت بالكلام الفارغ فحسب، فإنها صنعت ما هو أسوأ: ضغطت على المجاهدين في سوريا ضغطاً شديداً لمنعهم من قتال داعش، وكل فصيل جازف بقتالها انتهى إلى حصار وحرمان من الذخيرة والسلاح.
-9-
لقد تمّت تهيئة المسرح لولادة وتمدد داعش بمشاركةٍ وتواطؤ من كل الأطراف: قصفَ نظام المالكي اعتصامات الثوار السلمية في الساحات العراقية بالمدافع والطائرات، ولكنه أخلى لداعش المعسكرات وسلّمها المدن َبلا قتال. وقاتل النظامُ السوري المجاهدين في سوريا قتال اليائس المستميت، وكلما حرروا موقعاً عسكرياً طار صوابه فقصفهم قصفاً محموماً مجنوناً ليحرمهم من الاستفادة من الأسلحة المغتنَمة، ولكنه سلّم داعش مطارات ومستودعات وتركها تنقل منها ما تشاء من أسلحة وذخائر إلى حيث تشاء! وهكذا تمددت داعش في البلدين لتنفّذ الدور المرسوم.
-10-
صارت داعش هي "الكلب الذهبي" في قطيع كلاب الحراسة التي يرعى بها الراعي الأمريكي غنمَه في المنطقة، لذلك بقيت وتمددت. "باقية وتتمدد" كما يقول المغفلون من أتباعها وأنصارها، ولكنهم من غفلتهم وحمقهم لا يعلمون سر هذا البقاء، لا يعلمون أنها بقيت لأنها كلب حراسة له مهمة عليه تنفيذها. سوف يُساق هذا الكلب إلى صدامات يريدها سيّده لخدمة أهدافه وتحقيق مصالحه، وسوف يُضرَب هذا الكلب كلما تجاوز الحدودَ المسموح له بها؛ ستُقتلَع أنيابه وتُقلَّم مخالبه باستمرار، وعندما تنتهي المهمة التي وُجد من أجلها سوف تقضي أمريكا عليه وتلقي به -غيرَ مأسوف عليه- في مزبلة التاريخ. وما تدرون يا عبيد داعش: لعلّ هذا اليوم بات أقربَ مما تتصوّرون!
الزلزال السوري
محمد حسن العلي
يوسف بزي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة