فيصل القاسم
تصدير المادة
المشاهدات : 2853
شـــــارك المادة
لا بأس أن يرفع الثوار في أي بلد عربي أو إسلامي في العالم شعارات إسلامية. ولا عيب أبداً في أن يستلهموا التاريخ لإسلامي وأبطاله وغزواته وفتوحاته في انتفاضاتهم ضد الظلم والطغيان. فمن المعروف أن الكثير من الثورات ضد الاستعمار ارتدت لباساً دينياً، وقادها شخصيات ذات صبغة إسلامية في بلدان عربية كثيرة. لكن الزمن الأول تحوّل، لا بل إن النظرة العالمية للإسلام والمسلمين قد تغيرت كثيراً في العقود القليلة الماضية، بحيث بات كل من ينتسب للدين الإسلامي مشبوهاً حتى تثبت براءته، وخاصة بعد أحداث الحادي من سبتمبر، إن لم نقل بعد انتهاء الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفياتي سابقاً.
لقد أصبح الإسلام البعبع الجديد في الخطاب الغربي، فراحوا يستخدمونه فزاعة لتخويف الشعوب بها عوضاً عن الخطر الشيوعي. بعبارة أخرى، حل الخطر الأخضر محل الأحمر، ناهيك عن أن الغرب أصلاً لا يستسيغ أي تحولات ولا حركات ولا نهضات بنكهة إسلامية، فالأوربيون مازالوا يتذكرون كيف وصلت جحافل المسلمين إلى تخوم النمسا ذات يوم، وكيف بات يحتفل الأوربيون بصد الغزو الإسلامي. وبالتالي، أصبحت أي حركة تحمل طابعاً إسلامياً نهضوياً أو تحررياً تشكل هاجساً لا بل خطراً على الغرب، بالرغم من أن الخطر الإسلامي الحديث مجرد أسطورة وخرافة لا يمكن أن تضاهي بخطورتها الخطر الشيوعي السوفياتي بأي حال من الأحوال، فالمسلمون لا يمتلكون أياً من أدوات وأسلحة الامبراطورية السوفياتية التي كانت تهدد الغرب، والتي كان يستخدمها الإعلام الغربي فزاعة لتخويف الشعوب الغربية بها.
وقد استخف البروفسور البريطاني الراحل فريد هاليدي ذات يوم بالخوف الغربي من الإسلام والمسلمين، واعتبره ليس مبالغاً به فقط، بل لا أساس له من الصحة. مع ذلك ظل الخوف من الإسلام والمسلمين يتنامى في الغرب في العقود الثلاثة الماضية، بحيث باتت الحركات الإسلامية بكل أنواعها محل شك وريبة، لا بل مبعث خطر وتهديد بالنسبة لسادة العالم في الشرق والغرب على حد سواء.
والسؤال إذاً، على ضوء التوجس الغربي المتصاعد من الخطر الإسلامي، لماذا عمد كل من زعم مناصرة الثورة السورية إلى إلباسها رداء دينياً إسلامياً، إذا كانوا يعرفون أن الغرب لم يعد يقبل بظهور أي حكومات أو أنظمة إسلامية حقيقية؟
لقد لاحظنا كيف بارك الغرب وحشية جنرالات الجزائر في تسعينات القرن الماضي ضد الصعود الإسلامي في البلاد. لم يحتج الغرب أبداً وقتها على الانقلاب على نتائج الانتخابات التي فازت بها وقتها الجبهة الإسلامية للإنقاذ. لا بل إن الغرب دعم المؤسسة العسكرية لسحق الإسلاميين رغم شعبيتهم الكبيرة في الجزائر. وانتهى الأمر بمباركة غربية للجنرالات كي يعودوا إلى السلطة بعد أن نجحوا في شيطنة الإسلاميين وتصويرهم على أنهم رمز للإرهاب. فإذا كان الكثيرون يعلمون هذه الحقائق التاريخية البسيطة من التاريخ القريب جداً، فلماذا عملوا على أسلمة الثورة السورية؟
كثيرون يتهمون النظام السوري مثلاً بأنه لجأ إلى العامل الإسلامي لتخريب الثورة وتشويهها عندما قام بإطلاق الألوف من المتطرفين الإسلاميين من سجونه كي يلتحقوا بالثورة، لا بل كي يشكلوا تنظيمات وفصائل إسلامية كي تحاربه، وكي يكون بإمكانه عندئذ أن يقول للداخل والخارج على حد سواء إن البديل إسلامي إرهابي متطرف. وقد لاحظنا فعلاً أن الكثير ممن كانوا يقبعون في سجون النظام أصبحوا قادة لفصائل إسلامية قوية في سوريا حلت محل الجيش الحر الذي كان معظم منتسبيه من العلمانيين البعثيين القدامى. لا بل إن البعض اتهم النظام بفتح حدوده أمام الجهاديين القادمين من كل أنحاء العالم لقتاله كي يشوه الثورة، لأنه يعرف تمام المعرفة أن العالم لن يسمح بانتصار أي ثورة ذات طابع إسلامي.
لو افترضنا أن النظام نجح في تشويه الثورة وحرفها عن مسارها بإلباسها ثوباً دينياً يخوّف به الداخل والخارج، فلماذا راح الكثير من خصوم النظام في الخارج بإرسال ودعم جماعات إسلامية تحديداً لمواجهته ومحاربته؟ إذا كان النظام قد تآمر على الثورة من خلال أسلمتها، فلماذا راح من كان يدعي معارضة النظام يمعن في أسلمة الثورة وتجنيد الجهاديين وإرسالهم إلى سوريا لقتال الأسد؟
لا شك أن الذين كانوا يرسلون ويدعمون المقاتلين الإسلاميين في سوريا كانوا يعرفون أيضاً أن القوى الكبرى لا يمكن أن تسمح بانتصار ثورات ذات طابع إسلامي؟ فلماذا إذاً دعموا الإسلاميين دون غيرهم؟ لماذا غضت أمريكا التي تعادي الإسلاميين، وانقلبت عليهم في مصر وغيرها بعد الثورة، لماذا غضت الطرف عن تدفق الجهاديين والمقاتلين الإسلاميين عموماً إلى سوريا لمحاربة نظام الأسد؟ لا نعتقد أن أمريكا كانت تريد استبدال النظام السوري بنظام إسلامي أبداً، بل ربما كان السبب الرئيسي وراء مباركتها لتدفق الإسلاميين على سوريا تجميعهم هناك للقضاء عليهم، بحيث تكون سوريا محرقة للإسلاميين.
وقد لاحظنا كيف عملت أجهزة مخابرات عربية وأجنبية كثيرة على إطلاق المئات من سجونها وإرسالهم إلى سوريا كي يحترقوا هناك. باختصار، فإن الذين أرسلوا الإسلاميين إلى سوريا كانوا، بطريقة أو بأخرى، يساعدون النظام السوري لتدمير الثورة، وليس لمساعدة السوريين في الانتصار على النظام.
قد يقول البعض إن الثورة السورية ذات طابع إسلامي محلي سوري، وإن البعض بالغ في تصوير عدد الإسلاميين الأجانب الذين يقاتلون في صفوفها لتشويهها. وقد يكون ذلك صحيحاً، لكن العالم القذر لم ولن يناصر ثورة ذات صبغة إسلامية، مهما كانت مشروعة ومحقة وداخلية مائة بالمائة. وقد قلنا على سبيل التهكم من قبل: أيها الثوار: اخرجوا في الشوارع عراة كي يساندكم هذا العالم الحقير.
أورينت نت
ياسر الزعاترة
راميا محجازي
سمير الحجاوي
عزت صافي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة