عباس شريفة
تصدير المادة
المشاهدات : 3808
شـــــارك المادة
التيار الإسلامي عموماً يقيسون درجة الغلو والتميع بمساطرهم الحزبية وفق منهج الجماعة التي ينتمون إليها، دون إحياء الفريضة الغائبة بتدبر نصوص الكتاب والسنة على طريقة العلماء، فهم يبحثون عن الاعتدال بين مناهج الجماعات وليس بين النصوص. يتعامل التيار الإسلامي مع ظاهرة الغلو على أنها ظاهرة تختص بجانب الاعتقاد كما هو حال الخوارج فهناك الغلو في السلوك، والغلو في التعبد، والغلو في الأشخاص والمذاهب والأفكار والعلوم والجماعات والأقوام، لذلك كانت شخصية الصحابة شخصية متوازنة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رباهم على إعطاء كل ذي حق حقه. يهتم قادة الجماعات الإسلامية بتحقيق الاجتماع المادي؛ ولكنه مع التنافر العاطفي وغياب الألفة والود يشابه حال أهل الكتاب من اليهود (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى) غدت الحركات الإسلامية أشبه بمقطع جيولوجي في تكوين ترسباتها في كل مرحلة تاريخية مختلفة، ولابد عند دراستها من سبر مقطع عرضاني لكل المراحل، ولا نحكم من مقطع طولي واحد.
لمرحلة واحدة تعميم التجارب الحزبية للجماعات الإسلامية على كل الساحات وإنزال القوالب الحزبية الجامدة على الواقع المتغير سيودي بلا شك إلى تكسير هذه القوالب والبوء بالفشل. تستعيض كثير من التنظيمات الإسلامية عن نقص الروابط العاطفية والأخوة الإيمانية والتوادد والتراحم بين أفرادها بإحكام الرقابة والقبضة الأمنية الصارمة داخل التنظيم؛ فيغدو هو الأسلوب المتبع في توجيه التنظيم. فشل الجماعات الإسلامية في المسار الدعوي أثناء قيادتهم للمجتمع يؤدي إلى تضخم عمل الحسبة لديها، كحال الأسرة الفاشلة تختصر كل الوسائل التربوية بالعنف. مشكلة مراجعات الإخوة الإصلاحيين في التيارات الإسلامية أنهم يعودون للبحث عن التصحيح من أدبيات التيار نفسه حتى يقنعوا الأتباع، الأمر الذي يجعل من هذه المراجعات ضعيفة الأثر كونها ترجح بين اجتهادات داخل التيار الواحد، لذا فالأمر يحتاج إلى عمق يعود لمراجعة أصول الجماعة وعرضه على المقاصد الكلية والأدلة الشرعية على طريقة الفقهاء. لا تلازم بين أن نكون كحركات إسلامية في السلطة فيكون المشروع الإسلامي في عافية ونجاح، وبين أن نكون خارجها فيكون المشروع الإسلامي في فشل واعتلال، المهم أن يسود الإسلام ولا يهم أن يسود الإسلاميون. المصيبة عندما تتعامل الجماعة مع البلاء التأديبي على أنه بلاء لرفع الدرجات وتمحيص ما قبل التمكين، هنا بدلاً من مراجعة المسار يزداد تمسكها بالخطأ. في فلسفة بعض الجماعات الشعوب المسلمة مهيأة لإقامة الحدود ولكنها غير مهيأة للشورى، يعني رؤوسنا تصلح للقطع فقط ولا تصلح لإصدار الرأي!. كثير من التجارب الجهادية التي خاضها أصحابها بصدق اكتشفوا أن ثمار جهدهم كان يصب غالباً في جيوب الغرب لصالح استنزاف خصومه الكبار بخصومه الصغار. في فقه الدعوة هناك من قلب الآية فجعل من الجهاد غاية بحد ذاته ثم اختزله بالقتال، وجعل من الدعوة وسيلة له، والأصل أن الجهاد وسيلة لغائية الدعوة. في الأجواء الحزبية ينحرف معنى الجهاد الرباني ليصير قتالاً في سبيل حماية وتمكين الجماعة، وتنحرف الدعوة الربانية فتغدوا دعوة إلى أدبيات ومنهج الجماعة. لم يعد كثير من أفراد الجماعات يعدون ويربون في محاضن العلماء الربانين وتحقيق أمهات الكتاب، وإنما بتربية الإصدارات والأناشيد والمطويات والمعسكرات البسكوتية. فشلت بعض الجماعات الإسلامية باستقطاب الكفاءات العلمية والفكرية، ونجحت في استقطاب المراهقين؛ الأمر الذي انعكس على سلوكها العام في المراهقة. التيار الإسلامي عامة لا يحسن الحرب، ولا يحسن السياسة، يحارب بعاطفة فيعلن الحرب على العالم، ويمارس السياسة بعاطفة فنسرف بالتنازلات والانبطاح. السير في العمل الحركي الأصل فيه أن يكون على سير الأضعف مراعاة للقدرة، ولكن بعض الحركات الإسلامية جعلت السير على سير الأجهل حتى لا يخسره التنظيم. مشكلة الجماعات الإسلامية أنهم يريدون بناء الدولة بعقلية بناء التنظيم (النخبوية، السرية، الإقصاء، التغلب، الأمنيات، تعطيل الشورى، جمع السلطات). حالة التنافس وشبق السلطة والدنيا يظهر لدى بعض هذه الجماعات عند اقتراب الحصاد، تحملهم على حرق بيدرهم فقط لكي لا يذهب الحصاد لغيرهم. كثير من الجماعات الإسلامية يرفع شعار حرب المبادئ في الوقت الذي تخوض فيه الأمة حرب الوجود؛ فتحصل منه المزايدات التي تنتهي بالطلاق بينه وبين الأمة، ثم التصارع معها.
بعض الجماعات الجهادية تقفز على قرار الأمة في تأقيت خوض المعركة وتطلب من الأمة الالتحاق بها، فإن وقعت لهم الهزائم المفجعة يعودون على الأمة باللوم لأنها خذلتهم بدلاً من مراجعة أخطاء التجربة. المزايدات بين أبناء التيار الإسلامي في تحديد السقوف يشبه حال من يرفع طوابق البناء على شفا جرف هار كلما ارتفع بالبناء سيكون السقوط محتماً ومفجعاً. غالبا ما يظهر الخلاف العقدي بين الجماعات الإسلامية بعد الخلاف السياسي، إما أنه خلاف سياسي لبس لباس العقيدة وإما أنه خلاف عقدي سكت عنه لأغراض سياسية. غدا تعامل التيار الإسلامي مع نصيحة السر هو صم الأذنين، ومع نصيحة العلن تسقيط الناصح لأنه يشهر بالمجاهدين والطليعة المؤمنة ويتتبع عورات المسلمين. التيار الإسلامي عموماً يتعامل مع العالم المادح (عالمنا وابن عالمنا)، ومع العالم الناقد الذي كان من قبل مادحا (جاهلنا وابن جاهلنا) يتعامل المتحزبون الإسلاميون مع الخطأ السلوكي الصادر من أفرادهم بالإخفاء والإنكار، فإن ظهر بدؤوا التبرير ثم الشرعنة ثم يتحول إلى منهج للجماعة، ثم يوالى ويعادى عليه. المتحزبون الإسلاميون يصفون الأخطاء الصادرة من أفرادهم على أنها أخطاء فردية، والأخطاء الصادرة من غيرهم أخطاء ممنهجة توجب المنابذة والمفاصلة. لا يمكن لحركة إصلاح فكرية أن تنتهي من دون انشقاق في التيار الذي يراد إصلاحه، فالانشقاق هو ما يولد الجدل بين الأقطاب ويدفع حركة الإصلاح. ذلك لأنه بالغالب تكون حركة الإصلاح حركة تمرد لا تصدر من رأس الهرم الذي ينفق همه في فض الاشتباك بين الأقطاب المتنافرة داخل التيار للحفاظ على الوحدة التنظيمية.
مشاركات نور سورية
عابدة فضيل المؤيد العظم
عبد الحكيم الأنيس
محمود صالح
صادق أبو حامد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة