..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

«وحدةُ» السوريين «مُعادِلاً» موضوعياً للوجود الروسي

وائل مرزا

١٨ أكتوبر ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3015

«وحدةُ» السوريين «مُعادِلاً» موضوعياً للوجود الروسي
مرزا09.jpg

شـــــارك المادة

بقراءةٍ عاجلة، تحمل العبارة أعلاه بعضَ مبالغة. لكن التاريخ معرضُ المستحيلات، كما يقولون. وهناك، دائماً، مقاربةً «ثقافية» أكثر شمولاً، تعطي مثل هذه المواضيع أفقاً يتجاوز السائد في طرق التحليل. ليست هذه دراسةً «كمية» في مسائل العتاد والعديد العسكري الروسي، وحسابات ما يجب أن يتوافر للسوريين لمواجهته من صواريخ مضادة للدروع والطائرات. هذا أمرٌ مهم، لاشك في ذلك. لكنه، في رؤية المقال هنا، لا هو «المدخل» ولا العامل الرئيس في حسم المعركة. هو في الحقيقة «عنصرٌ» من المعادلة، لكنه ليس عنصراً حراً في ما يتعلق بقيمته ودوره وتأثيره في نتيجتها.

ثمة عناصر أخرى، كثيرة، يمكن لها ألا تجعل ذلك العنصر هامشياً فقط، بل وتُحوّله سبب هزيمةٍ كبرى لروسيا بوتين، ليس كثيراً على الاجتماع البشري وتاريخه أن يجعلها نسخةً أخرى من هزيمة روسيا بريجينيف في أفغانستان.

المفارقة هنا أن الزعيم السوفياتي المخضرم كان يُدرك خطورة التدخل وآثاره الممكنة، ما جعله يرفض ثمانية عشرة طلباً للتدخل، قبل أن يعود، مريضاً ومُتعباً، للرضوخ وإصدار قرار التدخل، بسبب ضغوط قادةٍ مهووسين بمنطق القوة.

تماماً كما هي حالُ بوتين الذي كان يومها ضابطاً شاباً في جهاز أمن الدولة، ليُتابع بعد ذلك مسيرةً مِهَنية تغرس كل مرحلةٍ منها في أعماق تكوينه ذلك الهوَس.

بِفهمٍ أكبر للتاريخ والاجتماع البشري، فيما نحسب، حاول بريجينيف تجنيب بلاده مصيراً كان يرى ملامحه، رغم أن التدخل كان في خاصرة الاتحاد السوفياتي الحساسة، ورغم الضغط الذي غالباً ما تُشكلُه حسابات «جيوبوليتيكس»، كثيراً ما تُخيف صانعي القرار لدرجة الغفلة عن كل كل مُعطىً آخر.

في المقابل، يقفز بوتين إلى بقعة نارٍ ملتهبة، بعيداً من مجاله الحيوي المباشر، في خطوةٍ صارخة المعاني، من الواضح أنه يراهن فيها باسمه ودوره ومستقبله السياسي، لكيلا نتحدث عن أمرٍ هو في آخر اهتماماته، يتعلق باسم روسيا ومصالحها القومية الحقيقية كدولةٍ وأمة.

من «الهزل» في مقام الجد هنا الحديثُ عن مكاسب روسية تتعلقُ بالوصول، أخيراً، إلى المياه الدافئة. وكذلك الوهمُ بأن روسيا تملأ، بتدخلها، فراغاً خلقه عجزُ أميركا و»تردّد» أوباما. فبحسبةٍ معقولة، يمكن التأكيد بأن «فيتو» حقيقية من واشنطن تجاه الخطوة الروسية كانت قمينةً بقتلها في مَهدها.

لا ينبع هذا من قناعةٍ (اختزالية) تفترض سيطرةً كونيةً مُطلقةً لأميركا على قرارات روسيا وغيرها، وإنما يتعلق باستشراف طريقةٍ ومستوى من الفكر السياسي في أميركا، فريدٍ من نوعه، تتعايش فيه الأخطاء والخطايا بالتناوب مع عمليات الاستدراك والاستيعاب والتوظيف، آنياً أو لاحقاً، للأخطاء نفسها، في كسب أوراق تكتيكية أو استراتيجية.

من دون كثير تفصيل، لا يبدو «التغاضي» عن التدخل الروسي، مع استطلاعات رأي تُظهر أن غالبية الروس ضدّ التدخل، وبتوظيفٍ كاريكاتوري للكنيسة الأرثوذوكسية، في مُحيطٍ «جيوبولوتيكي» هائج من الفوضى العسكرية والأمنية، والتناقضات السياسية، والكراهية الثقافية والاجتماعية، إلا دعوةً لحفلٍ للانتحار بشكلٍ مهيبٍ واستعراضي مُغرٍ، لا يشتري تذاكره عادةً إلا أمثال بوتين. مشهدٌ يدعو الأميركان إلى أن يضحكوا في أعماقهم سراً، إلى أن يكشفه، كعادته... «توماس فريدمان».

يطولُ التحليل عن الملابسات «الروسية» في القضية في شكلٍ لا يحتمله المقام. نُركز، لذلك، من هنا، على عنصر يهمنا أكثر في إطار البحث، يتعلق بالسوريين، وما يمكن أن يقوموا به، هم من دون غيرهم، لدعم احتمالات «الإمكان» الوارد في عنوان المقال.

والحقيقة أن الوضع السوري الراهن يحمل في طياته مفارقةً غريبة. فعلى مدى قرابة خمس سنوات، كان السوريون، من أهل الثورة، يصبون جام غضبهم، وكل ما في طاقتهم من استنكارٍ وانتقاد على معارضةٍ سورية، سياسية وعسكرية، كان عنوانُ ممارساتها الأبرز الخصام والتشرذم والخلاف بكل أنواعه ودرجاته وخلفياته.

لهذا، كانت الدعوة إلى تجاوز ذلك الواقع قضيةً أساسية بين النشطاء والمثقفين والإعلاميين. بل إنه كان «الثيمة» الأبرز في أحاديث وكتابات و»تغريدات» مئات الآلاف من السوريين.

لكن تطوّر الأحداث، وضغطها، يبدو وكأنه دفعَ شرائح المعارضة، السياسية والعسكرية، لتدرك «عبثية» الممارسات السابقة. ورغم كل الملاحظات الممكنة على طُرُق عملها وتفكيرها، في السياسة تحديداً، تَظهر في أوساطها، اليوم، ملامحُ وعيٍ سياسي متقدم، نسبياً، لا ينبغي أن يُصرﱠ بعضهم على إنكاره، لأسباب شخصية أو أيديولوجية، وربما البناء عليه.

نعم. شرائح المعارضة تتقاربُ اليوم، تحت ضغط الواقع وإكراهاته، أكثر من أي وقتٍ آخر. اجتمع الائتلافُ الوطني مع الفصائل مرات عدة، واتفقوا على لقاءات دورية ومزيد من التنسيق. وهناك إرهاصات لإعادة هيكلة الائتلاف نفسه في شكلٍ يجمعُ المزيد من أطياف المعارضة. والرسالة التي أرسلها مُعارضون إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة جاءت بتوقيع أسماء، بعضُها لم يكن يقبل مجرد الاجتماع مع الآخرين. وثمة حديثٌ متصاعد عن تشكيل رؤيةٍ سياسية موحّدة، يُشارك فيها خبراء ومثقفون وساسة لم يتفقوا من قبل على وثيقة.

لكن الملاحظَ، بغرابة، أن ثمة سلبيةً مُطلقةً بين السوريين اليوم في ما يتعلق بهذا الحراك. يسودُ هذا بين النُشطاء والمثقفين والكتاب والإعلاميين، وبين عامة السوريين، ممن لا يزالون يكتبون ويتحدّثون في ألف موضوعٍ وموضوعٍ آخر، وكأن ما يجري في أوساط المعارضة، في موضوع الوحدة تحديداً، يأتي في آخر جدول اهتماماتهم!

لا تَضارُب، في فكرٍ سياسي محترف، يحمل أيضاً روح الثورة، بين استثمار الواقع الراهن، والإقرار بكل ما حصل في المراحل السابقة من اختلافات، وخلافات، عميقة وجذرية بين «حاملي» لواء الثورة في كل مجال، شخصياً، ومصلحياً، ومبدئياً، وأيديولوجياً، وحزبياً، ومناطقياً. ولا مع إمكانية استمرارها في المستقبل.

لكن «كل» ما حصل لا يمثل «لعنةً» تاريخيةً نهائيةً أصابت سورية وشعبها وثورتها، كأنها قدرٌ لا فكاك من آثاره التدميرية، بالطريقة التي يفكر بها سوريون كُثُر. فتلك طريقةٌ في التفكير ليست، فقط، مدعاةً لليأس والإحباط والسلبية في أعلى درجاتها، وإنما هي أيضاً، مع الاعتذار، نوعٌ من التفكير الطفولي، لا يليق بشعبٍ بدأ ثورةً من أعظم ثورات التاريخ.

شعبُ سورية يعيش، في نهاية المطاف، «نصيبه» من قصة البشرية على هذه الأرض. بكل ما فيها من صراعٍ وطموحات وتضحيات وآلام عاشت المجتمعات مثلها، وستعيش، في يومٍ من الأيام.

وما يجري في أوساط المعارضة جيد، إذا كان السوريون واقعيين، وحاولوا فهم منطق التاريخ وآليات التطور الثقافي لدى الشعوب. من هنا، يمكن السوريين أن يلتقطوا خيط الأمل هذا، وينسجوا منه، تدريجياً، ثوب الوحدة. وسيكون بمثابة الانتحار أن يزهدوا بالممارسات السابق ذكرُها، ودلالاتها، مهما كانت ملاحظاتهم مشروعةً على المعارضة، ومهما كان عتبهم كبيراً عليها.

مجمل الكلام أعلاه يحمل مؤشرات ولادة ثقافةٍ سياسية جديدة يحتاجُ إليها السوريون، وثورتهم وبلادهم، اليـــــوم أكثر من أي وقتٍ آخر.

وثـــمة حـــاجةٌ كبيرةٌ الآن لتشكيل رأيٍ عامٍ سوريٍ ضاغط على المعارضة لتستمر في طريق وحــــدةٍ ستكون شرطاً لازماً، تُبنى عليه أي قرارات إقليمية توفر لهم الدعم الحقيقي. رأيٌ يكون رافداً وطنياً جامعاً لتلك الوحدة في أنظار العالم، وسابقةً لظهور روح «رقابةٍ» شعبية تكون، بـــدورها، ذُروةً لتلك الثقافة الجديدة.

بقراءةٍ ثقافية «أوسعَ صدراً»، ليس بعيداً أن تصبح هذه المعاني مجتمعةً، وما يتولد عنها من حراك عملي، العنصر الرئيس والأكثر تأثيراً في المعادلة المذكورة أعلاه في المقال، وأن تُثبت صدقية عنوانه العتيد.

 

 

الحياة اللندنية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع