عباس شريفة
المرفقـــات
تصدير المادة
المشاهدات : 4855
شـــــارك المادة
من أخطر الأزمات التي تعاني منها الثورة السورية هي الأزمة الفكرية المتمثلة بجرثومة الغلو التي أدرك الطغاة مفعولها العجيب في إجهاض الثورات فبدأوا بتغذيتها واستثمارها. كثير ممن يحاربون الغلو يرفضون تفكيك معادلته إلى عواملها الأولية لأن ذلك سيلزمهم بإسقاط رموز ومدارس ومناهج صنمية طالما عنت الوجوه لها من دون هدي السلف، والكثير منها يتجه لإبطال المخرجات والنتائج دون المساس بالمقدمات والقواعد، وينشغل بتحليل المفرزات دون توقيف آلة الإنتاج. عندما تظهر المفاصلة العقدية بين الجماعات الاسلامية بعد الخلاف السياسي، فإنك تدرك أن الخلاف فيما بينها خلاف سياسي لبس لباس العقيدة أو أنه خلاف عقدي أخفي لمقاصد سياسية. تنبه النخبة من الجماعات الإسلامية لخطورة الفكر الخارجي من بعد دخوله في حيز الإنحراف السلوكي يدل على أنهم يفكرون بطريقة متخلفة حتى عن العوام من أهل الفطرة السليمة الذين يدركون فساد المنهج ببساطة الفطرة فما يميز أهل العلم عن غيرهم إدراك الفتنة قبل وقوعها فإذا وقعت عرفها العالم والجاهل.
لا ننكر أن للغلو أسباب نفسية في صناعته فقد كان لسجون الطغاة وظلم العتاة وقهر الجبابرة ومشايخ التمييع والانبطاح الكيل الأوفى في ترويج بضاعة الغلو، فكثير من المظلومين قد يتحولون لظالمين عندما يعز الإنصاف. الإرهاب الفكري الذي يمارسه عبيد الليبرالية وعبيد الجامية التي ينتعلها الطغاة سيقسم المجتمع إلى فئة مغرقة في الإلحاد والبغض للدين، وفئة مغرقة باللغو والتكفير كردة فعل على محاربة الدين الحق، وعلى من يريد أن يفرض لونا من التدين على الناس كافة، فالكبت الفكري والتربية القمعية تجعلنا نحمل عقد الغلو من طفولتنا فقد رأينا كثيرا من هواة الإجرام التحق بالمارقة لتنفيس رغبة مكبوتة في ممارسة الإجرام باسم الدين والجهاد. وبذلك يغيب تيار الاعتدال ويتفجر الصراع الذاتي في داخل المجتمع حتى في الأسرة الواحدة تبعا لتعدد أسباب نشوء الغلو تعددت وسائل العلاج الناجع القاطع، والاقتصار على وسيلة علاج واحدة ستزيد من استفحاله لذلك كان الجمع بين مناظرات ابن عباس –رضي الله عنهما– لدحض شبهات من التاث بفكرهم وهو يبتغي الحق، وبين سيف علي –رضي الله عنه– ليحصد رؤوس من لم تبرأ بالحجة فكان السيف لهذه الرؤوس شافياً حيث لم تجدي معه الحجة. كما أن لكل فعل ردة فعل مساوية له بالقوة ومعاكسة له بالاتجاه، فمن المعلوم أن أول الفرق المبتدعة التي ظهرت في صدر الإسلام هم الخوارج فكان الإرجاء من آثارها وعوارضها.
إذا علمنا أن الخوارج والغلاة أصل الداء والإرجاء من عوارض العلة فإن الاتجاه لعلاج العرض دون المرض كمن يضع العربة أمام الحصان ويقلب المعادلة، لذلك تجد هؤلاء الغلاة يرفعون عقيرتهم دائما بخطر الإرجاء وضرورة محاربة الإرجاء ولا ينبسون ببنت شفة في محاربة الغلو إلا على استحياء. فمثل الغلو والمارقة كشجرة خبيثة كلما زدت في تقليم أغصانها لتزين طلعها الشيطاني اشتدت جذورها فلا غنى عن اجتثاث أصلها من الجذور حينذاك لن يكون لها قرار (قتل عاد وإرم) هو العلاج النبوي فلا نسرح بدعوى إصلاحهم والتحلي بالحكمة والروية. يكاد يكون التلازم مطرد بين افتراق الأمة وتشرذمها وظهور المارقة واستفحالها وبين اجتماعها وانجحارها، فكما أخبر الصادق المصدوق أنهم يخرجون على حين فرقة من الناس لأن الميكروبات الطفيلية لا تتكاثر إلا في الفراغات ولا تتغذى إلا على جسد ميت والمادة لا تقبل الفراغ بحال. من الخطوات الضرورية لمحاربة التيار الخارجي المتنامي في الأمة أن يقوم مشروع الأمة الشعبي والرسمي بتبني قضايا الأمة بقوة فالشباب المراهق المتحمس أمام العجز الرسمي يرى في تيار الغلو البديل وبارقة الأمل نحو الحلم الاسلامي الذي يصبو إليه.
وهو يرى الأمة في مأزق الغياب الحضاري لمشروع جامع ومقنع للأمة فالمشروع الإسلامي الرشيد هو من يردم الهوة والشقق والافتراق بين مكوناتها التي تنموا بينها جراثيم الغلو والتكفير ينبني الفكر الغالي على منظومة فكرية تتعامل تعاملا ظاهريا مع النصوص بإطلاقات وعموميات وهو عمدة ما يعتمدون عليه من الأدلة والنصوص العامة والمطلقة والمتشابهة والمجملة وعلاجهم القاتل لشبهاتهم بتخصيص العام، وتقييد المطلق، وإحكام المتشابه، وتفصيل المجمل. في معسكرات الغلاة يغيب علم السيرة النبوية فيخرج أقوام جاهلون بالفقه الحركي، ويغيب علم أصول الفقه فيخرج من يتعامل مع النص بظاهرية، وبتغييب السياسة الشرعية تكون النتيجة = غلو وتكفير. إن تحكم العقلية الحزبية بالنص يحرف الفهم عن مقصد الشارع إلى تبرير سياسة الحزب، فالغلاة يقتطعون أحداث المعارك والاغتيالات من السيرة، والمرجئة يقتطعون أحداث الرحمة والعفو، وكذلك التعامل مع النصوص فبينما يقف الغلاة مع نصوص الوعيد وينسون نصوص الوعد يتوقف المرجئة مع نصوص الوعد. وينسون نصوص الوعيد. لست مع الذين يشخصون ويفسرون علة الغلو بمؤامرة مخابراتية لأن الفكر الخارجي ذاتي التدمير يتشكل من تنازع الشهوات والشبهات وقصار ما يفعله الأعداء هو القدرة الفائقة في استخدام هذه التشوهات الفكرية واستثمارها في ضرب مشروعنا الحضاري وإبقاء مسافة أمان بينها وبيننا من خلال إشغالنا بهذه الصراعات وجعلها تتحرك بتحكم عجيب من خلال إدخالها في مسارات حرب الموارد لتسمن ومن ثمة لتستعمل في حرب وكالة يحصد ثمارها الأعداء، فكان نصب الفخ على الموارد بما يشبه طعم الصياد ومن خلال الآلة الإعلامية الهائلة في استقطاب الجنود وترويج الفكر، وتأجيج عواطف الأغرار وعند الحاجة لتشذيب المشهد تشن عليهم حروب استعراضية تزيد من التعاطف الشعبي معها بدلا من إضعافها. كما كان للمجاملة والمخادعات الإعلامية التي تصور هؤلاء المجرمين بما يشبه حال الصحابة الفاتحين أثرا مدمراً على عقول الشباب بحيث صنعت منهم رموزاً يقتدى بها من شباب الأمة، فالإعلام الجهادي لم يكن يشكل أكثر من20% من الحقيقة وكانت تسيره التنظيمات بما يخدم دعايتها، فتضخم من خسائر العدو وتقلل من خسائرها بل إنها تقلب كثيرا من الهزائم إلى فتح مبين. فمن ظن أن المارقة كانت في التجربة العراقية قائمة بالقسط وطرأ عليها الانحراف في التجربة الشامية فقد أبعد النجعة، فجرائمها في الشام لا تعدل عشر ما ارتكبته في العراق، ولكن كانت بعيدا عن الإعلام، وبنصح الخفاء والتكتم حتى لا تتهم أنك تطعن في المجاهدين، أسدل ستار سميك على جرائم مفجعة. الخلاصة: لا ينبغي لنا الاقتصار على علاج واحد في مواجهة الغلو وتبعا لتعدد أسباب تشكل الظاهرة وإلا فإن الحرب خاسرة، فبتفكيك المنظومة الفكرية بدحض شبهاتهم وإدارة الحرب الإعلامية وكشف إجرامهم والقيام بمشروع حضاري يكون مقصداً لتفريغ طاقات شباب الأمة، وإعادة النظر في وسائلنا التربوية، ومقاومة الطغيان (المنتج الأكبر للغلو)، ومن خلال العمل الأمني الذي يحصد رؤوس أكابر مجرميها هنا يأتي العمل العسكري ناجعا في اجتثاث شجرتها الملعونة الخبيثة.
والله أعلم،،
مشاركات نور سورية
رابطة خطباء الشام
حسن الأشرف
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة