مهنا الحبيل
تصدير المادة
المشاهدات : 3020
شـــــارك المادة
قبيل إعلان موسكو خطتها الحربية للتدخل العسكري في سوريا، استقبلت روسيا وفداً إسرائيلياً أمنياً وعسكرياً عالي المستوى، في 25 سبتمبر/أيلول الماضي، شمل رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي غادي آيزنكوت، ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية هرتسي هاليفي، ورئيس "هيئة الأمن القومي" يوسي كوهين، والسكرتير العسكري للحكومة إليعازر طوليدانو، والتقى قادة الروس السياسيين والعسكريين.
لم يكن هذا اللقاء سرياً حيث شُكلت لجنة مشتركة معنية بتطورات الأوضاع في سوريا، لكنه أيضاً ليس علنياً ولم يُكشف النقاب عن تفصيلاته المهمة للغاية في هذه المرحلة من تاريخ المشرق العربي وانعطافاته الاستراتيجية، والدور الذي تلعبه هذه الترويكا العجيبة بين موسكو وطهران وتل أبيب بموافقة ضمنية وغض طرف من الغرب وواشنطن، لا علاقة له بالضجيج الإعلامي المعارض لهجوم الروس على الثوار والمدنيين السوريين. ومن دون أدنى شك كانت طهران حاضرة في طاولة المفاوضات، بمشروعها العسكري السياسي المشترك مع الروس لصناعة سوريا الجديدة.
وتدخل الروس يؤكد عجز الإيرانيين عن تثبيت صمود النظام الذي أُعطي فرصاً عديدة خلقتها له تدخلات أضعفت الثورة ومزقت ميدانها وغرست فيها داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) كحربة تطاردها، وتُثخن جراحها التي تفاقمت بتشرذم الثوار خاصة بعد مشروع إسقاط الجيش السوري الحر، الذي نُفذ بنيران صديقة غبية، سقطت رهاناتها اليوم أمام حصيلة الميدان المفتت الذي يسعى قادة الثورة الأصليون إلى إعادة لحمته من جديد بصعوبة بالغة.
لكن مجمل هذا التحالف والترويكا الجديدة لا يمكن أن يؤخذ من خلال واقع هذه الصورة، وهو عجز النظام، فهو بحد ذاته تحرك مركزي جديد في خريطة التحالفات، وسيؤدي إلى نتائج خطيرة على الشعب السوري والثورة، حتى لو فشل فسيأتي فشله بعد مسيرة دماء نازفة إضافية، يعطيها الشعب السوري، وكل المشرق العربي بكل طوائفه، وليس فقط العرب السنة المستهدفين اليوم، لمنع تغيير معادلة دول الأقليات إلى دول المواطنة وحضور الغالبية الإسلامية.
ورغم سقوط الاتحاد السوفياتي كان الروس يكررون، خاصة في عهد الرئيس بوتين، مقولة العودة لتحقيق التوازن مع الناتو الذي كان يخلقه العالم اليساري الذي تقوده موسكو، ومع أن الأيديولوجية الماركسية للحزب الشيوعي ليست حاضرة في القيادة، لا تزال أطقم المرحلة الثقافية والسياسية بمشروعها المزعوم، كركن لليسار العالمي، موجودة في الواجهة الروسية بل وفاعلة مع الوطن العربي والشرق الإسلامي.
لكنها مفارقة معاكسة غريبة، ففي حين لعب حزب تودة الشيوعي الإيراني دور المعارضة بعد شراكته للخميني في الثورة، بعد أن رأى استفراد الطائفية الدينية بالحكم، وتغييب العقل المدني، فأجهز النظام الطائفي على قيادات كبيرة منهم، والمعارضة اليوم لا تزال في اليسار من منظمة خلق إلى اليسار الشيعي، إلا أن الروس باتوا حلفاء العمائم، بل إن حديث لافروف الشهير عن حق الشيعة والأقليات أمام الغالبية الأممية للسنة يثير سخرية تاريخية.
ولكن بالجملة فهذه السخرية لن تغير قواعد اللعبة التي باتت فيها موسكو حليفاً سياسياً ثم عسكرياً لإيران، ومليشياتها الطائفية المتعددة، التي تحاصر الخليج العربي وتمتد إلى حواضره من خلال شبكة التنظيمات الحركية، التي كرست فصل المجتمعات العربية الشيعية عن إطارها الطبيعي مع الأمة وحولها للدعم الإيراني، إلى قوة نفوذ تَنتزع قرار الطائفة في كثير من النواحي.
ومن المفارقات أيضاً أن هذه البنية خلقها الأميركيون بعد احتلال العراق، واليوم تستخدمها موسكو الخصم التاريخي السياسي في الحرب الباردة، لكن الأهم أنها تزحف من جديد إلى مياه الخليج الدافئة، تحت عمائم طهران وخطوط تل أبيب.
ولقد جهد الأميركيون كثيراً في ضجيجهم الإعلامي، حين غزت موسكو الشيوعية أفغانستان، باعتبار أنها مجرد خطوة للوصول إلى الخليج العربي، وهو ما أدى إلى توظيف دول المنطقة توظيفاً مرحلياً لكسر الروس، لكن تُركت أفغانستان لوحل دماء لم يجف، واستخدم الشباب العرب في تفجير العلاقات بين الفصائل الجهادية الأفغانية، ثم لخلق قاعدة تحرك عسكري لهم خارج أفغانستان، وخسرت أفغانستان كثيراً بهذه التدخلات، التي كان يُغني عنها الدعم المادي لوحدتهم ولحل سياسي بين المجاهدين، بعد هزيمة الروس في كابل.
وكل مراقب يدرك أن واشنطن والآلة الغربية ضخمتا من مخاطر زحف الروس للخليج العربي، لتأمين أكبر استنزاف من دول الخليج العربي، ثم عززت صراعات الأفغان وأسقطت مشاريع دعم مركزية لهم بعد سقوط الروس، وإن كانت سياسات بعض قادة الجهاد الأفغاني قد تبرعت بمواقف حمقاء عديدة، ساعدت العدو ونكبت شعبهم، وهو ما يُخشى على الثورة السورية من تكراره، وخاصة بعض التدخل الشعبي الخليجي في هوية الفصائل، ودعم بعضها ضد بعض، وهو أمر لا تنفع معه صدق النية في التخفيف من مآلات الأفعال التي هيئت الأرضية لداعش.
اليوم يعود الروس لأقرب نقطة من الخليج في الشام وفي العراق بعد دعوة العبادي الرسمية لهم، والأهم من ذلك الخطوط التي ستفتح أمامهم من خلال تنظيمات إيران الحركية، ودعم موقفها في توازنات الاضطراب الكبيرة التي يعيشها الخليج العربي، صحيح أن عاصفة الحزم غيرت المعادلة لكنها لم تحسم، وهي تحتاج إلى بناء سياسي وتحالفات إقليمية شجاعة، وغير مترددة مع تركيا على الخصوص لتغيير قواعد اللعبة في المنطقة.
إن من أخطر الأجواء المساعدة لزحف المعسكر الجديد، نجاح الدبلوماسية الإيرانية في اختراق الموقف الخليجي، والتعامل مع دوله بصورة منفردة، وهو عمل شجع بل حرض عليه الأميركيون منذ بدايات التوافق في الصفقة النووية، التي شملت ملفات سياسية أكثر أهمية للخليج العربي من المفاعل النووي، ووبخوا علناً موقف التحفظ الخليجي ثم استرضوه بثمن بخس، دقائق معدودة من هذر أوباما الذي لا ينتهي.
والحوار مع إيران ممكن بصورة جماعية، لكن مع تحقيق توازنات قوية على الأرض، والبقاء في دائرة التفاعل في الميدان الصراعي معها، عبر دعم المشاريع التحررية المركزية، أو سياسات التحالفات الإقليمية وانتزاع المواقف من الغرب اضطراراً، أما عواصف الصراع الطائفي ضد المدنيين الشيعة، فهي أرضية تحصد منها داعش مزيداً من الثغرات، وتهدم حصون الخليج من الداخل، جنباً إلى جنب مع فصائل إيران.
ليس توافقاً ولكن تقاطعاً لمصالح إيران وفوضى التوحش، وحينها وسواء تَصارعت حسابات الروس بعمائمها الإيرانية وحسابات واشنطن، أو أكملت توافقها لصناعة خليج جديد، بحسب موازين لافروف للأقليات، فالضمانة هي استمرار تدفق ما تبقى من نفط الخليج، وتأمين تل أبيب.. هذه هي القواعد الرئيسية، أما شكل دول ومستقبل الخليج العربي فلا يهمهم، أن يكون خليجاً إيرانياً أو خليجاً للخنازير.
الجزيرة
أحمد أبو دقة
عمار ديوب
عبد الوهاب بدرخان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة