ياسر الزعاترة
تصدير المادة
المشاهدات : 2924
شـــــارك المادة
مع أطفاله الأربعة وزوجته، كان ينتقل من عمارة برسم الإنشاء إلى أخرى في ضواحي عمّان، حيث يعمل كحارس. يسكن أول الأمر في غرفة صغيرة من الطوب مسقوفة بالحديد، وأحيانا في «كارافان» صغير؛ حسب كرم صاحب الورشة، وبعد أن ينتهي الطابق الأرضي من البناية «عظم» يسكن داخلها بلا شبابيك ولا أبواب، ويتقي البرد والحر بطرق شتى. قبل شهرين أحس ببعض الأوجاع. ذهب إلى طبيب عام، فأحاله إلى مستشفى حكومي، فتبين أنه مُصاب بسرطان لم يمهله سوى شهرين اثنين توفي إثرهما. كان حساب المستشفى 4 آلاف دينار. رفض تسليم الجثة حتى يتم تسوية المبلغ. تدخلت مفوضية اللاجئين فدفعت ألفين، ولم تسلم الجثة، وفي النهاية تمت تسوية الأمر من خلال بعض الخيّرين. صاحبنا سوري فقير هرب من جحيم بشار وقنابل الموت إلى مخيم الزعتري في الأردن، ومن هناك انتقل إلى داخل البلد حيث بدأ يبحث عن قوت يومه، وشخصيا لا أعرف اسمه، ومن حدثني لا يعرف اسمه أيضا، لكنه كان يراه قريبا من سكنه، كما كان يراه في المسجد في كل الصلوات التي يحضرها. تذكرت هذه الدراما الإنسانية وسط هذا الضجيج حول قضية اللاجئين، والتي باتت محصورة في بضع عشرات من الآلاف ممن ركبوا البحر إلى أوروبا، وهؤلاء في غالبيتهم من متوسطي الحال الذين يمكنهم بكل بساطة تأمين مصاريف الرحلة التي تبلغ آلاف الدولارات. من بين ثمانية ملايين لاجئ داخل سوريا وخارجها، هناك بضع عشرات من الآلاف ركبوا البحر، وقد يلتحق بهم آخرون، وقد يزداد العدد، لكنه لن يصل الربع مليون بحال، لكن الملايين الآخرين لن يركبوا البحر، ولن يغامروا، وسيظلون على مقربة من الوطن ينتظرون رحيل الطاغية كي يعودوا إلى ديارهم وبيوتهم، وربما يبقى قلة منهم في دول قريبة كالأردن وتركيا إذا وجدوا حياة معقولة وارتاحوا إليها. هؤلاء جميعا ليسوا في انتظار حنان المستشارة ميركيل «أم اللاجئين»، ولا كرم كاميرون الذي بشّر باستقبال بريطانيا لـ20 ألف لاجئ حتى العام 2020، ولا سخاء السيد أوباما الذي أعلن استقبال 80 ألفا آخرين، وليسوا معنيين أيضا بعنصرية رئيس الوزراء المجري، ولا بكل الجدل الدائر حول قضية اللاجئين سوى من باب التعاطف مع إخوان لهم ركبوا البحر أملا في حياة آمنة. هؤلاء جميعا يتابعون بقلق يومي مسيرة الموت التي تحيط ببلدهم. يتابعون أخبار براميل الموت المتفجرة، ويتابعون أخبار تقدم الثوار، وكذلك صراعاتهم. يبحثون بين طيات الأخبار عن أمل بحسم عسكري، ويصغون حين يأتي الحديث عن تسوية سياسية، لكنهم يُصابون بالإحباط حين يستمعون لمن يريد منهم بعد كل الذي جرى أن يتعايشوا مع الطاغية ومَن حوله مِن القتلة، وأن يتعايشوا من جديد مع حكم أقلية طائفية تتصدرها عائلة فاسدة. هؤلاء لا يلتفت إليهم العالم، فهو يعيش أكثر هواجس الكيان الصهيوني الذي يفضِّل بشار ضعيفا منهكا، وبمرجعية إيرانية جديدة متصالحة مع الغرب، على أي خيار آخر، كما أن بعض الدول تعيش هاجس مصالحها، ولدى إيران الكثير من الصفقات التي تغري بها زعماءها بعد رفع العقوبات إثر اتفاق النووي. هؤلاء الذي نتحدث عنهم، أعني ملايين المهجرين، ومن تبقى من الشعب داخل سوريا هم أصل المشكلة، وهؤلاء لا حل لهم إلا برحيل القتلة، وفي المقدمة كبيرهم الذي يعلن أن سوريا ليست للسوريين، وإنما لمن يدافعون عنها، أي أنها لإيران ولمليشياتها القادمة من أصقاع الأرض، أما من يرفضون النظام الذي أصبح هو سوريا عند إيران وشبيحتها، فليس لهم إلا التشرد والمنافي واللجوء!!
العرب القطرية
بولنت أرانديتش
محمد أبو رمان
حمد الماجد
بيار عقيقي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة