سامر كعكرلي
تصدير المادة
المشاهدات : 3134
شـــــارك المادة
تعودت الحكومات المتعاقبة في ظل نظام الأسد على تمرير سياساتها الإقتصادية و التي هي فاشلة بالغالب - لا سيما في العشر سنوات الأخيرة - باستخدام عبارات جديدة تكون لها مدلولات واسعة أو غير مفهومة، وهذا بالضبط ما كانت تلك الحكومات تقصده أن لا يفهم حتى المواطن المتابع للحركة الاقتصادية ماذا ترمي الحكومة من وراء هذه العبارات. ولتسهيل مرور تلك العبارات تبدأ الحكومة بالطلب من موظفيها من مدراء عامين ومدراء مركزيين في وزارات الدولة بالإكثار من ترديد هذه العبارات بمناسبة أو من دون مناسبة، أي تكرير ببغاوي للعبارة التي أطلقتها الحكومة لتمرير شيء ما وهو على الأغلب لا يصب في مصلحة المواطن. فبدءاً من عبارة سوق الاقتصاد الاجتماعي الذي تبنته حكومة محمد ناجي العطري ونائبه للشؤون الاقتصادية عبد الله الدردري والتي كانت تهدف للبدء بتحويل الاقتصاد السوري من اقتصاد موجه إلى اقتصاد حر أي اقتصاد السوق، ولكن لتجميل هذا المصطلح أي اقتصاد السوق تمت إضافة كلمة الاجتماعي له حتى يظن المواطن بأن حكومته لم تنساه وأن هناك ترتيبات في هذا المصطلح غير المفهوم بالنسبة له ستصب في صالحه، ليفاجأ المواطن بأن كافة السياسات الاقتصادية الجائرة قد اتخذت خدمة لهذا المصطلح وبقي هو – أي المواطن – يدفع فاتورة هذا المصطلح دون أن يفهمه. وبالتحديد كان مصطلح اقتصاد السوق الاجتماعي يرمي بالنهاية لرفع كافة أنواع الدعم التي يتلقاها المواطن السوري تعويضاً عن انخفاض دخله (دعم المحروقات – دعم الخبر) وقد قالها حينئذِ النائب الاقتصادي علناً ((في النهاية سيتم رفع هذا العبء المادي الكبير من فوق أكتاف الحكومة – وكان يقصد عبء الدعم)). وفي كافة المناقشات التي كانت تتم في أروقة الحكومة كانت تدور حول المفهوم الحقيقي لاقتصاد السوق الاجتماعي فتبدأ المزايدات الحكومية فبعضهم يقول أنها نموذج التجربة الصينية، وآخر يقول لا إنها التجربة التشيكوسلوفاكية وآخر يقول إنه قرأ ذات مرة بأن ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية طبقت هذا النموذج من الاقتصاد. وتبقى كافة هذه المجادلات ضمن حلقة مُفرغة، والسبب الرئيسي لذلك هو عدم تجرؤهم (أي أعضاء الحكومة) على لمس الجوهر الحقيقي لنجاح أي اقتصاد سوق حتى ولو كان اجتماعي، والجوهر هنا أن سوق الاقتصاد الذي يعتمد مبدأ ((دعه يعمل دعه يمر)) دون تدخل حكومي حتى ينجح ويخلق اقتصاداً متيناً لا بد أن يترافق بالحرية (والحرية السياسية بالتحديد) فاقتصاد السوق يحتاج لبرلمانات حقيقية وأعضاء برلمان صادقين تم اختيارهم بنزاهة ليكونوا أعين الشعب على الحكومة، وكذلك يحتاج اقتصاد السوق لنقابات مهنة حرة ومنظمات مجتمع مدني تم تشكيلها على أسس ديمقراطية، وأهم شيء يحتاجه نجاح اقتصاد السوق هو صحافة حُرة تكشف مواقع الفساد وتزاوج المال بالسلطة وتعمل بكل شفافية لكشف مواقع الخلل. كما يحتاج سوق الاقتصاد شفافية اقتصادية تتوج بتقارير حكومية دورية حول الوضع الاقتصادي العام، ووضع احتياطي النقد الأجنبي في الخزينة المركزية، وإحصائيات اقتصادية (لا سياسية) عن وضع الموارد الطبيعية للبلاد وحجم سوق العمل ... الخ ، هذه الأمور يعرفها بعض وزراء حكومات النظام السوري لأنهم (وخاصة في فترة حكم بشار الأسد) قد أتموا دراستهم وقسماً من حياتهم في تلك الديمقراطيات في الغرب التي تعتمد اقتصاد السوق وتعتمد على أدواته المساعدة التي ذكرت. وتستمر لعبة خداع الشعب بالمصطلحات ليفاجئ رأس النظام بشار الأسد في أحد خطاباته (التي غالباً ما تثير الجدل) أعضاء حكومته بمصطلح جديد وهو الدعم الذكي، وهو بالحقيقة إشارة من رأس النظام بالبدء باتخاذ إجراءات رفع الدعم وهي الغاية المنشودة من اقتصاد السوق الاجتماعي الذي تم إقراره، ولأن الوزارات والمؤسسات في سوريا نظام الأسد هي وزارات شكليه دورها تنفيذ التوجهات الكريمة "لقائد المسيرة الفذ" بدأت تلك الوزارات والمؤسسات بتبني هذا المصطلح ونشره في أدبياتها مثل خططها وبرامجها دون تقديم أي تفسير علمي له وترى هؤلاء الوزراء والمدراء في جلساتهم الخاصة يسألون بعضهم هل وجدتم تفسيراً للدعم الذكي وغالباً تكون الإجابة غير شافية وأن البحث مازال مستمراً إلا أن هذا المصطلح قد عمم بشكل كامل وجندت له أقلام أشباه الصحفيين المهتمين بالشأن الاقتصادي للترويج لهذا المصطلح. وبدأت الحكومة العتيدة ونتيجة لعدم فهمها لهذا المصطلح الجديد بتطبيق سياسات تجريبية على هذا الشعب المسكين، وطبعاً ترافق ذلك بالبدء برفع الغطاء رويداً رويداً عن دعم المحروقات، (ولاسيما المازوت) وبدأت هذه التجارب بتوزيع قسائم المازوت على الأسر السورية، وفي العام التالي ثبت فشل هذه الطريقة لما رافقها من فساد وتزوير قسائم، فتم إقرار فشلها واستبدالها بطريقة أخرى وهي توزيع بدل نقدي على الأسر السورية ، وطبعاً في كلا الحالتين لم يطبق شعار الدعم الذكي وهو إيصال الدعم لمستحقيه. ولكن اندلاع ثورة الكرامة في منتصف الشهر الثالث من عام 2011 والتي فاجأت الجميع أجبرت حكومة النظام (وطبعاً بقرار سياسي من القيادة) بوقف تلك الإجراءات وظهور "بثينة شعبان" في مؤتمر صحفي عاجل وينم عن خوف شديد مما حصل، لتعلن حزمة مِن ما سمته إصلاحات اقتصادية وأهمها رفع الرواتب والأجور أكثر من 50%، معلنةً بذلك وقف الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها حكومة النظام السوري. جاء الرد سريعاً من أطفال وشباب درعا مهد الثورة السورية حين هتفوا بصوت واحد (( يا بثينة ويا شعبان الشعب السوري مو جوعان)) وكان هذا الشعار أصدق رد من شباب الثورة على أن هذه الثورة ثورة كرامة وليست ثورة جياع. وبالطبع باتت القصة معروفة كيف تحولت ثورة الكرامة من ثورة سلمية لحرب طاحنة يخوضها النظام ضد الشعب السوري واستباحة المدن السورية الثائرة بدباباته وجيشه العقائدي. وبسبب هذه الحرب بدأ استنزاف الاقتصاد السوري بدرجة كبيرة ،فاستنزفت الخزينة المركزية بنقديها المحلي والأجنبي، وتوقفت عجلة الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي، ولتعويض هذا النزف في الاقتصاد صوبت عين حكومة النظام (كما هي دائماً) نحو ما تبقى من الدعم الحكومي، فعادت حليمة لعادتها القديمة لتبدأ مرحلة لعب جديد على المصطلحات ولتطرح حكومة النظام السوري منذ أشهر مصطلحاً جديداً وهو "عقلنة الدعم" ولكن هذه "العقلنة" هذه المرة تجاوزت الخطوط الحمراء التي وضعها حافظ الأسد وهي عدم الاقتراب من موضوع دعم الخبز، وطبعاً ذلك تحت مصطلح "العقلنة" وكالعادة جند النظام موظفيه وصحفييه لتسويق هذا المصطلح الجديد الذي لا يختلف عن باقي المصطلحات التي سبقته من ناحية عدم الفهم وعدم وضوح آلية تطبيقه، وتحت هذا المصطلح الجديد تم رفع الدعم عن مادة الخبز ورفع المتبقي من دعم المحروقات حتى بات المواطن السوري ينادي بأعلى صوته لا نريد دعماً بل نريد احترام الأسعار العالمية للمحروقات أي تجاوز في بعض الأحيان السعر الرسمي للمحروقات السعر العالمي لها، وكل ذلك تحت شعار عقلنة الدعم. وبعد تمرير ما أرادت حكومة النظام تمريره من رفع سعر الخبز والمحروقات يظهر معاون وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام وبعد أقل من ثلاثة أو أربعة أشهر من رفع شعار "عقلنة الدعم" ليصرح بتاريخ 23/آب من هذا العام وفي صحيفة الوطن الموالية للنظام ((بأن سياسة "عقلنة الدعم" سياسة غير مجدية وغير مقنعة للمواطن السوري وأن الدعم بالأساس يعتبر عبئاً على الدولة)) مع العلم بأن وزارته هي من طرحت الفكرة وهو كان في منصبه كمعاون للوزير، ويعود معاون الوزير ليطرح مصطلحاً جديداً وهو "توجيه الدعم" ليدخل المواطن السوري من جديد دوامة تفسير جديدة للمصطلح الجديد بعدما طحنته المصطلحات القديمة التي مررتها الحكومات المتعاقبة لنظام الأسد وحولت /80/ % من الشعب السوري لمستوى تحت خط الفقر. ولكن مهما كانت الإجراءات المتخذة من قبل حكومات النظام السوري فإن الشعب السوري الذي خرج منتفضاً لكرامته وحريته لم يعد يجدي نفعاً معه هذا اللعب في المصطلحات التي لا يمكن وصفها سوى بالإبر المخدرة أو المسكنة التي كان يتلقاها الشعب بين الحين والآخر ليبقَ في استكانته وعبوديته لهذا النظام المجرم وحكوماته المتخبطة.
أورينت نت
سلامة كيلة
عبد العزيز الحيص
ترك برس
أنور مالك
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة