..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

قمة المهانة!

خالد روشه

٣١ يوليو ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4332

قمة المهانة!
روشه00+0.jpg

شـــــارك المادة

العزة كل العزة في طاعة الله سبحانه وتوحيده، والقرب إليه، وابتغاء رضاه، والسعي في مرضاته، والتذلل له، والخضوع والخشوع، والإنابة إليه عز وجل.

والمهانة كل المهانة في معصية الله سبحانه والشرك به، والمجاهرة بالآثام، وارتكاب المنهيات والمعاصي، ونسيان الحساب، والانكباب على الفانية، والغفلة عن الباقية.

فالمرء المهان يبذل قصارى جهده في حياته ليستشعر السعادة، فيجمع المال ليلبي حاجاته، ويتبوأ المراكز لتعلو درجته بين الناس، ويلف نفسه بملأ ليحميه ممن حوله، ويظل يجمع من دنياه ما يمكنه، ويحلم أن يجمع مالايمكنه.

لكنه، وبينما هو يجمع ويجمع، ويحلم ويحلم، باحثاً عن السعادة، واغلاً في حمأة الغفلة، يأتيه أجله، فيكون الخسران كل الخسران، والحسرة كل الحسرة، فلا سعادة ولا راحة، ولا مال ولا بنون، ولا مستقبل ولا أمل، بل لا حياة من أصلها.. وإنما الحساب والجزاء.. ولات حين مندم!

يموت، كأي شيء يموت، فيستريح منه الحجر والشجر والدواب، كما في الحديث، ويترك ميراثه مما جمعه ليملكه آخرون، وما إن تمر أيام قليلات إلا ويصير طي النسيان، ويلقى جزاءً عادلاً موفوراً، ففي صحيح مسلم: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال مستريح ومستراح منه قالوا يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه فقال العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب" أخرجه مسلم

لا شيء سيكون وفياً له في هذه الحياة التي صارع عليها، حتى أقرب المقربين منه، يصبح همهم ميراثه، ويصبح موته لهم سعادة وفرحة!

لقد عاش حياته مهاناً إهانة فعلية، بكل المعاني، فقد أهان نفسه ببعده عن خالقه، وأهان جسده بغفلته عن العبودية وسقوطه في الإثم، وأهان عقله بإهماله غذاءه الحق من العلم والقرآن والخير، وأهان أسرته بعدم نصحهم، وعدم تعليمهم الخير، وأهان حياته بإنفاقها فيما لا ينفعها بل يضرها.

قال ابن القيم: "وقد أشار سبحانه إلى هذا ـ في كتابه ـ عند ذكر عقوبات الذنوب، وأنه أركس أربابها بما كسبوا، وغطي على قلوبهم، وطبع عليها بذنوبهم، وأنه نسيهم كما نسوه، وأهانهم كما أهانوا دينه، وضيعهم كما ضيعوا أمره، ولهذا قال تعالى ـ في آية سجود المخلوقات لهـ: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} فإنهم لما هان عليهم السجود له، واستخفوا به، ولم يفعلوه أهانهم، فلم يكن لهم من مكرم بعد أن أهانهم، ومن ذا يكرم من أهانه الله أو يهن من أكرم" الجواب الكافي

إن مشهد توديعه لدنياه ليمثل قمة المهانة، فعن أَبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي اللَّه عنه قَالَ. كَانَ النَّبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ: "إِذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ، فَاحْتَملَهَا الرِّجَالُ عَلى أَعنَاقِهِمْ، فَإنْ كَانتْ صَالحةً، قالتْ: قَدِّمُوني، وَإنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ، قَالَتْ لأهْلِهَا: يَاوَيْلَهَا أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِهَا، يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إلاَّ الإنسانَ، وَلَوْ سَمِعَ الإنْسَانُ، لَصَعِقَ "رواه البخاري.

ثم تأتيه المهانة الكبرى يوم القيامة، قال سبحانه: "يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ، حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ، وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ "

 

 

المسلم

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع