علي حسين باكير
تصدير المادة
المشاهدات : 3414
شـــــارك المادة
في الحسابات النفعية البحتة، لن يكون هناك مصلحة إيرانية على المدى القصير جدا للغش والخداع، بل على العكس سيكون هناك محاولات مبالغ فيها للترويج لمدى التزام إيران بما ورد في نص الاتفاق، وذلك لإظهارها بمظهر المتعاون الملتزم واللاعب المسؤول. ومن شأن هذه الصورة المبدئية بالتحديد أن تمهد لمسار الغش والخداع، وهو أمر تقليدي وفق ما قدمه السلوك الإيراني خلال عقود من الزمان أولا، ولغياب عامل الثقة بين جميع الأطراف ثانيا، وهو الأمر الذي شرحناه بالتفصيل سابقا. البعض قد يقفز مباشرة إلى القول بأن الكاتب يفترض بشكل مسبق، أو أن افتراضه مبني على تصور مسبق أيضا، لكن الجواب على مثل هذا الكلام يكمن في نص الاتفاق النووي نفسه، فالاتفاق يفترض أيضا وبشكل مسبق إمكانية حصول غش أو خداع أو عدم التزام، ولهذا السبب بالتحديد فهو وضع آليات وإجراءات للتعامل مع مثل هذه الحالة إن واجهها اللاعبون مستقبلا. معظم التقارير التي تنشر مؤخرا عن الاتفاق النووي تحمل طابعا ترويجيا ودعائيا، وبعضها الآخر المضاد بطبيعة الحال يتجاهل المناقشة العلمية، هذا الوضع يجعل القارئ أيضا في موقف صعب خاصة أن الاتفاق كبير ومعقد للقارئ العادي والتلاعب بكلمة واحدة أو مفهوم واحد قد يغير المعنى تماما، وهو الأمر الذي حصل ولا يزال يحصل. يجادل تقرير لـ (VOX) نشر مؤخرا عن موضوع الغش والخداع أو عدم التزام إيران بالاتفاق النووي، بأن السؤال الأساسي يجب أن يكون «ماذا سيحدث إذا خرقت إيران الاتفاق»، مشيرا إلى أن الاتفاق يتحوط لهذا الأمر من خلال آلية إعادة فرض العقوبات ومن خلال المراقبة الصارمة التي تتيح فيما بعد القيام بعمل عسكري حال أصر الجانب الإيراني على خرق الاتفاق ومواصلة إنتاج القنبلة النووية، وينتهي التقرير إلى القول إن قبول الاتفاق في جميع الأحوال أفضل من عدم قبوله! استنادا لما جاء في الاتفاق النووي، فإذا تم مثلا اكتشاف عدم امتثال إيران للتطبيق الكامل للاتفاق أو التلاعب به أو الغش، فإن دولة من الدول الـ8 الأعضاء التي تشكل اللجنة المنوط بها مراقبة تنفيذ الاتفاق تستطيع أن تتقدم بشكوى إلى اللجنة تفيد بأن إيران خرقت الاتفاق «بشكل خطير» أو لم تلتزم به «إلى حد كبير». تقوم اللجنة بدراسة الموضوع ومحاولة حله خلال 15 يوما، وإذا لم تستطع يمكن إحالته إلى وزراء خارجية هذه الدول حيث يكون لديهم أيضا 15 يوما لحل الموضوع ما لم يتقرر التمديد بالإجماع لفترات أخرى، وذلك بموازاة إمكانية طلب رأي غير ملزم من لجنة استشارية (لديها مدة 5 أيام). عند انقضاء الـ30 يوما الأساسية في حدها الأدنى دون حل «مرض» للجانب الذي تقدم بالشكوى، من الممكن إعادة الموضوع إلى مجلس الأمن وعندها يتم التصويت على مواصلة رفع العقوبات. فإن اعترضت دولة واحدة على ذلك يمكن حينها إعادة فرض العقوبات على إيران، لكن إذا لم يتم تبني قرار خلال 30 يوما، فإن السياق السابق للعقوبات المفروضة سيتم إعادة فرضها إلا إذا قرر مجلس الأمن شيئا آخر. الآن وبعد قراءة ما ذكرته أعلاه، من الواضح جدا أن ليس هناك ربط مباشر لأي عملية خرق للاتفاق بإطلاق عقوبات. فهذه الآلية المذكورة أعلاه ليست آلية رادعة لمن يفكر بخرق الاتفاق بقدر ما هي آلية لتفكيك المبدأ الردعي للعقوبات ولتشجيع الخرق والغش والخداع والتفاوض عليه، بدليل أن أي خرق لن يطلق بشكل مباشر عقوبات وإنما سيستلزم الأمر نقاشات ومفاوضات وجلسات حوار طويلة قبل أن يتم البدء بالتفكير بفرض عقوبات. من الواضح أن الجانب الغربي يحرص من خلال هذه الفقرة استيعاب أي خرق كي لا ينهار الاتفاق، وهو بالتالي يبدي اهتماما بالحفاظ على الاتفاق وأن حصلت تجاوزات له أكثر من اهتمامه في المعاقبة على خرقه أو منع الخرق، وهو في النهاية مصلحة إيرانية أيضا. هذا الأمر شبيه في النهاية باتفاقية «ستارت» حيث تخرقها روسيا باستمرار دون أن يكون هناك عقوبات رادعة، وكذلك الأمر بالنسبة لاتفاقية نزع سلاح الأسد الكيماوي على سبيل المثال. خلال الانخراط في هذه الآلية سينشأ بالتأكيد أيضا نزاع حول بعض المفاهيم المائعة التي تم تلغيم الاتفاق بها مثل مفهوم «خرق خطير» أو عدم الالتزام «إلى حد كبير»، وهي مفاهيم لا يوجد تعريف واضح ومحدد من خلالها لماهية ما يؤسس لخرق خطير أو عدم التزام إلى حد كبير، وإنما أمور استنسابية. وحتى لو افترضنا أنه وبعد كل هذه المحولات تم إعادة فرض العقوبات على إيران، فهي ستكون عمليا غير مؤثرة بشكل فاعل كما شرحنا مرارا وتكرارا مع تدفق مليارات الدولارات، بالإضافة إلى انفتاح الاقتصاد على التجارة الدولية وتدفق الاستثمارات..الخ. أما القول بأن الاتفاق النووي سيتيح للجانب الأميركي استخدام القوة العسكرية حال علم باستمرار إيران بخرقها للاتفاق، فهذا ادعاء غير مؤكد وتشير التجربة التاريخية لاسيما لإدارة الرئيس أوباما بأنه ادعاء فارغ. إيران منذ عقود تتجاوز القوانين والتزاماتها الدولية بشكل مستمر ودائم (إنشاء برنامج نووي سري، تشييد منشأة آراك لإنتاج البلوتونيوم الذي لا يستخدم في البرامج السلمية عادة، إنشاء منشأة سرية تحت الأرض بعمق 200م محصنة من الضربات الجوية..الخ)، وهي ضربت بعرض الحائط قرارات دولية صادرة عن مجلس الأمن (يعني باتفاق الدول العظمى وهو مشهد لا يختلف عن المشهد الحالي)، والعالم عرف ويعرف كل ذلك ولم يفعل شيئا. وعليه فليس هناك من شيء جديد يقنعنا بأن واشنطن ستقوم بعمل عسكري «بالتأكيد» هذه المرة إن هي خرقت الاتفاق، لاسيما إذا تم ذلك في ظل إدارة الرئيس الأميركي أوباما الذي عودنا على خطوط حمراء وهمية يتم رسمها على الماء نعرف كيف تبدأ وكيف تنتهي وسرعان ما تختفي، خاصة أن إيران ستكون في وضع أفضل مما هي عليه اليوم سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
عربي21
حسان الحموي
برهان غليون
طارق الحميد
سامي الماجد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة