حسن سالم
تصدير المادة
المشاهدات : 2863
شـــــارك المادة
«ما زالت الفرصة سانحة للولايات المتحدة الأميركية لتغيير مسارها، الخيار الثالث الذي طرحه جون كيري موجود، ولكن على واشنطن أن تفتح عينها وتبصره» بتلك الكلمات اختتم لبيب نحاس مسؤول العلاقات الخارجية في حركة أحرار الشام الموضوعة على قائمة الإرهاب الأميركية مقالته المنشورة في نهاية رمضان الماضي بصحيفة «واشنطن بوست»، والتي أثارت الكثير من الضجيج حول مضمونها وتوقيتها، ولم يكد يهدأ ذلك الضجيج والجدل والنقاش حول تلك المقالة، سواء من مؤيديها أم مخالفيها، إلا وقد دعم نحاس مقالته بمقالة أخرى، بعد عشرة أيام في مقالة جديدة نشرتها صحيفة «ذي ديلي تلغراف» البريطانية، بعنوان: «أنا سوري أقاتل تنظيم الدولة يومياً، هزيمة التنظيم تحتاج من الغرب إلى أكثر من مجرد قنابل».
وقد كان من الواضح أن كلتا المقالتين تضمنتا طرح أربع قضايا رئيسة متعلقة بالأزمة السورية، تم تناول عرضها بشكل تطميني للمخاوف الغربية والأميركية، تحت إطار تسويقي عريض بعنوان: «نحن الأفضل» «نحن من تبحثون عنهم»، في وقت تأكد فيه، فشل برنامج واشنطن «لتدريب وتجهيز المعارضة السورية المعتدلة» الذي رصد له موازنة قدرها 500 مليون دولار، وكان من المفترض خلال عام أن يخرّج خمسة آلاف مقاتل سوري سنوياً، إلا أنه لم يستطع حتى الآن تخريج سوى 60 مقاتلاً فقط.
أول تلك القضايا هو الانتقاد الحاد الموجه إلى استراتيجية الإدارة الأميركية وللحكومة البريطانية في سورية، التي وصفها بالفشل التام والعجز والتردد، وأدت إلى تشريد أربعة ملايين لاجئ، وستة ملايين مهجر داخل سورية، وأكثر من 300 ألف شهيد مدني؛ قتل معظمهم بأسلحة تقليدية على يد قوات الأسد.
ثانيها: التأكيد على أبرز تجليات ذلك الفشل الذريع هو ما اعتبره بالطريقة المضللة في تقسيم المعارضة إلى معتدلة ومتطرفة، وقصر مفهوم الاعتدال بحسب تعبيره بطريقة ضيقة واعتباطية، وأن تشديدها على تقديم هذا الدعم للتنظيمات (المعتدلة) وحدها، تكون بذلك تستثني الغالبية العظمى من التنظيمات السورية المعارضة «كحركة أحرار الشام» التي أكد النحاس بشكل واضح وبعبارة واضحة أن لا علاقة لحركته بتنظيم القاعدة، وهو بذلك يشير إلى أن لا علاقة للحركة بشكل تنظيمي بجبهة النصرة التابعة للقاعدة.
ثالثها: التوجه بكل وضوح إلى الغرب داعياً إياه إلى اعتماد الحركة كفصيل إسلامي سني معتدل من الغالبية له حضور قوي وفعال في المشهد الثوري للتنسيق معها في مواجهة النظام وإسقاطه وإلى التحالف معها للقضاء على تنظيم داعش، فقال بالنص الحرفي: «نحن المعتدلون الذين تبحثون عنهم للتحالف معهم على الأرض»، وبين في الوقت ذاته حجم التضحيات التي بذلتها «أحرار الشام» في قتال تنظيم داعش ونظام الأسد.
رابعها: التأكيد على رؤية وتطلعات أحرار الشام على أن أي نظام سياسي سيقوم في سورية يجب أن يكون للدين محور ودور أساسي فيه، يحترم هوية الغالبية في سورية وتطلعاتها السياسية، ويوفر للأقليات دوراً إيجابياً في مستقبل سورية، في إشارة إلى تطمين الولايات المتحدة بأن الحركة بثقلها وغالبيتها، قادرة على منع انهيار الدولة بعد سقوط الأسد والقضاء على «داعش»، من خلال حكومة وحدة وطنية تحفظ حقوق الأقليات، ولكنه حرص على التأكيد على أنه ليس وفق المعايير الغربية الليبرالية.
تساؤلات ومناقشات عدة تم طرحها وتناولها حول القضايا التي أثارها، مسؤول العلاقات الخارجية في حركة أحرار الشام في مقالتيه المذكورتين، اللتين كانتا موضع الاندهاش والمفاجأة لدى الكثير من المراقبين والمحللين، ومن يدرك تماماً تاريخ وسلوك ومشروع الحركة المنضوية ضمن السلفية الجهادية والتي نشأت في نهاية عام 2011 على يد حسان عبود (أبوعبدالله الحموي) الذي اغتيل في الحادثة الشهيرة التي ذهب ضحيتها أكثر من 30 من أهم قياداتها في يوم واحد، لا يستغرب ذلك الطرح والتناول للأزمة السورية، فأحرار الشام مع الوقت والتجربة وفي ظل التطورات الميدانية وتغير موازين القوى، وامتلاكها قابلية المراجعات الفكرية والسياسيّة، أصبحت تمتلك مرونة في تحديد أولوياتها وخياراتها، وهو ما جعلها أكثر برغماتية، فبرز في تحركاتها وبشكل واضح تقديم الأولوية للعامل المصلحي للثورة السورية، وللجانب الميداني والتمويلي على حساب العامل والبعد الآيديولوجي، فشهدنا تحولات كبرى قد طرأت في نهجها الفكري، كان من أهمها التوقيع على ميثاق الشرف الثوري بتوقيع فصائل الجبهة الإسلامية في أيار (مايو) 2014 والذي قرأه زعيم الحركة أبو عبدالله الحموي، إذ دعا ذلك الميثاق والدعوة لدولة العدل والقانون والحريات، وإعلان احترام الموقعين لحقوق الإنسان، والتأكيد على الاعتماد على العنصر السوري في محاربة النظام، والموافقة المبدئية لمبادرة «واعتصموا»، ولتطمين الأميركيين والغرب بشأن رؤية ونهج الحركة، فقد كان النحاس واضحاً وصريحاً على نفي وجود علاقة تنظيمية تربط أحرار الشام بتنظيم القاعدة، في إشارة منه إلى أن العلاقة القوية والمميزة التي تربط بين حركته وجبهة النصرة، منذ نشأتها إنما هي علاقة تنسيقية وفق ما تقتضيه العمليات العسكرية، وأما وجود الاختلاف بين الفصيلين في الرؤية للمشروع السياسي، فقد أشار إليها أحد أهم المعنيين بالشأن والملف السوري، وهو السفير الأميركي السابق لدى سورية روبرت فورد الذي دعا الإدارة الأميركية منذ فترة في مقالة له بعنوان: «تحدثوا مع أحرار الشام إلى أن «حرار الشام» ليست شريكاً أو ابنة أو تابعاً للنصرة، مؤكداً وجود اختلافات سياسية وآيديولوجية بينهما»، وقد كان من المتوقع أن مثل هذا الطرح الذي تناولته «أحرار الشام» في المقالتين لن يمر مرور الكرام من أقرب حلفائها جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، إذ شهدت الساحة تراشقاً إعلامياً وتبادلاً حاداً في الاتهامات، فقد وصف أبوقتادة الفلسطيني أحد أبرز منظري القاعدة الحركة بالخيانة، وأنها مستعدة لمقاتلة التيار الجهادي كله في مقابل قبول أوراق اعتمادها لدى الغرب، في إشارة منه إلى «النصرة»، وفي المقابل رد زعيم ومسؤولو الحركة على ادعاءاته، وهو ما يشير إلى أن العلاقة بين الفصيلين المتحالفين مرشّحة من جديد للدخول في نفق مظلم لا تُعلم عواقبه.
وفي كل الأحوال فإن حركة أحرار الشام خطت خطوة مهمة في تاريخها لأي اعتبار كان، بذهابها ومخاطبة الولايات المتحدة وحلفائها وعرض خدماتها بشكل علني من خلال منابرهم الإعلامية، وهي خطوة غير مسبوقة في الإعلام الأميركي، بعد أن كانت الحركة تتحفظ مسبقاً على اللقاء بالمسؤولين الغربيين، وهو ما قد يعكس تغيراً في نظرة الإدارة الأميركية تجاه الحركة في المستقبل القريب.
الحياة اللندنية
مصطفى علوش
عيسى الشعيبي
ميشيل كيلو
مهند الخليل
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة