..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

التربية بين العطاء والمنع

خالد روشه

٢٥ يوليو ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4107

التربية بين العطاء والمنع
- الرحمة.jpg

شـــــارك المادة

ينشأ الطفل بنفسية مؤهلة للتشكيل والتكوين، يؤثر في تكوينها وتشكيلها مؤثرات عدة، من أهمها البيئة النفسية المحيطة به، والبيئة التربوية التي تحيطه برعايتها، وسلوكيات الوالدين تجاهه وتجاه غيره، والمعلومات العلمية التي يبثها المربون فيه ويقنعونه بها وغير ذلك..

وتحتاج شخصية الطفل عادة لتلبية احتياجاتها بصورة فورية، وإذ تكثر احتياجاتها وطلباتها تبعاً لتعرفها على اشياء جديدة واكتشافها لمطالب جديدة، فهي تكاد تتنقل بين مطلب ومطلب، وكلما استجيب لها في شىء، بحثت عن شىء آخر وهكذا..!
قد يكون هذا السلوك معتاداً من طفل صغير، لكنه يصير مستدعياً للتدخل التربوي العلاجي عندما يعتاده الطفل لمدة طويلة، قد يصير بعدها كأنه صفة له.

هذا النموذج من الطلب، تعممه نفسية الطفل على ما يحيطه من أشياء، بل واحتياجات نفسية أيضاً، فلو اعتاد الطفل تلبية مطالبه التي يرتجيها كلها دائماً بشكل سهل ميسور، لتعرض أثناء حياته لاضطرابات مختلفة عندما يتعسر عليه وجود حاجاته، أو يعاق عنها، أو يمنع منها، أو حتى عندما يحتاج للوصول إليها جهداً أو عملاً أو بذلاً أو تضحية .

كذلك لو تعرض هذا الطفل للمنع دائماً مما يريد من حاجياته ومطالبه، لتعرض لاضطرابات مختلفة، تؤثر على شخصيته، فتتعرض شخصيته لأمراض مثل الشح، والبخل، والأنانية، وحب الذات، والنفعية وغيرها .

النظرة التربوية العلاجية وضعت رؤية مقننة توازن بين العطاء والمنع، وتؤطر منهجاً يراعي تكوين الأبناء وحاجاتهم من جهة، مع ضبط ذلك وتنميطه وتوظيفه إيجابياً من جهة أخرى بحيث يصير هناك تناغم بين العطاء والمنع .

ولكي نستطيع فهم المسألة فلنجرد الرؤية، فليس ما يعطى ههنا مطلوباً لذاته، ولا ما يمنع مطلوباً لذاته، بل هما مطلوبان كعنصر في أسلوب تربوي لبناء الشخصية، وتكوين نفسية الطفل، وبناء أخلاقه.

فنحن نعطي الأبناء، كحق من حقوقهم علينا، وواجب تجاههم، وثواب شرعي إيماني، ورحمة وضعها الله سبحانه في قلوبنا تجاههم، كما نمنعهم في بعض الأحيان تعليماً لهم أن لكل شيء قانوناً، وأن الأمور لا تجري بمجرد الطلب، وأن العمل والجهد أساس الكسب والتحصيل، وأن العدل قيمة كبرى من قيم الحياة يجب الالتزام بها، وأنه يجب الإمعان والتفكير قبل طلب الأشياء، فليس كل ما ترغبه النفس حسن لها ولا مفيد، فقد تشتهي النفس ما يضرها في الدنيا أو الآخرة و أو فيهما معاً.

من هنا كانت الحكمة التربوية العلاجية تقتضي أن يكون عطاؤنا لأبنائنا قائماً على اعتبار ما سبق من معاني وغيرها أيضاً من المعاني الإيمانية التي علمها لنا المنهج التربوي الإسلامي.

فالعطاء يجب ألا يقتصر على العطاء المادي، بل إن العطاء المعنوي مقدم عنه، ومطلوب يسبقه، فإيصال معاني المحبة والمودة لأبنائنا مقدم على عطاء المادة، وهو مسبب مهم في بناء شخصية مستقيمة رقيقة حليمة رحيمة، وكم أكد النبي صلى الله عليه سلم على هذا المعنى كثيراً، لدرجة استنكاره على من لم يقبل أطفاله ويرفق بهم قائلاً "من لايَرحم لا يُرحم" أخرجه البخاري.

كما أن العطاء يجب أن يكون مرتبطاً بالقناعة والرضا، فيتعلم الأبناء أن يقنعوا بما أوتوا، مهما كان قليلاً، وأن يرضوا بما حصلوا وأخذوا، فقيمة القناعة والرضا ههنا سبب مؤثر في بناء شخصية عادلة متوازنة هادئة بعيدة عن الحقد والحسد والغل.

على جانب آخر فإن المنع يجب أن يكون مبرراً، لئلا يستشعر الطفل بحالة سلبية من سلوك أبيه في منعه له مما يحبه أو يريده أو يطلبه، فيفضل ههنا أن نبرر سلوك المنع بمبررات مفهومة واضحة، كالمنع للضرر، والمنع للعقوبة، والمنع لعدم التدليل والمنع في بعض الأحيان لعدم القدرة أو لضيق الحال.. وغيرها.

كذلك يمكننا تبرير المنع عن طريق وضع قواعد قيمية يتربى عليها الأبناء، نضبط سلوكهم على اعتبارها، كاعتبار العدل بين الأخوة، فلكل حق، ولا يُقبل التعدي، وكرفض التبذير والإسراف، فالشراء ينبغي أن يكون بهدف نافع، لا لمجرد الرغبة.. وهكذا

وعندما نستطيع أن نبني قيماً شخصية لدى الأبناء فيما يخص العطاء والمنع (فيقنع بما أخذ، ويزهد في الكثير، ويرضى بالقليل، ولا يتطلع لما في أيدي غيره، ويستطيع ضبط نفسه فيما اشتهى، وفيما رغب، ويستطيع منع نفسه عن بعض ما يستطيع الحصول عليه بسبب يراه صحيحاً، أو لمبدأ أو قيمة صائبة) فإننا عندئذ نكون خطونا خطوات صحيحة في هذا السبيل...

وللحديث بقية إن شاء الله

 

 

المسلم

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع