محمد سليمان الزواوي
تصدير المادة
المشاهدات : 3016
شـــــارك المادة
يمثل التدخل العسكري التركي في سوريا إحدى أهم الخيارات لأنقرة بعد أن تعاظم تهديد المليشيات الكردية على حدودها الجنوبية وإمكانية تحولها إلى كيان عازل يمتد من شمال العراق وسوريا إلى ساحل المتوسط عند منطقة لواء الإسكندرون "هاتاي" بعد وصوله إلى تل أبيض في محافظة الرقة السورية، والذي صاحبه تهجير للأقليات العربية والتركمانية في ذلك الشريط الفاصل ما بين سوريا وتركيا، لذلك فإن مخطط نشر 18 ألف جندي تركي في تلك المنطقة بعمق 33 كم وبعرض 110 كم بدأ يتبلور بشدة ويدخل حيز التنفيذ؛ لاسيما بأن تعاظم قوة المليشيات الكردية يهدد بالتحام الشطرين السوري والعراقي للأكراد واقترابهم من حلم إنشاء دولة ممتدة لهم، وهو ما تعتبره تركيا خطًا أحمر.
فقد كشفت صحيفة "يني شفق" التركية المقربة من حكومة العدالة والتنمية خطة نشر تلك القوات بموافقة الرئيس التركي ورئيس وزرائه وبالتعاون مع قيادات الجيش التركي لبلورة ذلك المخطط، والذي ربما يصطدم أيضًا بتنظيم الدولة في محور جرابلس التابع لمحافظة حلب السورية، والذي يسيطر عليه الأخير، ويبدو أن تركيا عازمة على ذلك الخيار سواء تلقت ضوء أخضر من المجتمع الدولي أو بدونه؛ وذلك بحجة أمنها القومي ووقف التهديد على أراضيها، على غرار ما فعله الكيان الصهيوني بإنشاء منطقة عازلة على حدوده مع لبنان.
كما عانت تركيا مؤخرًا من أزمة تدفق لاجئين سوريين وصل إلى اجتياح بعضهم لحدودها، وهو ما اعتبره مراقبون أنه أثر على شعبية الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لذلك قررت أنقرة إنشاء جدار عازل بطول حدودها مع سوريا (911كم) في 4 ولايات حدودية وهي “شانلي أورفا” و”كيليس” و”غازي عنتاب” و”هاطاي”، وبذلك قد تدخل القوات التركية في مواجهات مع كل من الأكراد وتنظيم الدولة على حد سواء في أثناء فرضها للمنطقة العازلة أو الآمنة المتوقعة، والتي تهدف بالأساس إلى تأمين الجنوب التركي بعدما حقق الأكراد انتصارات في 16 يونيو الماضي وضمهم للمزيد من الأراضي، والرد على ذلك من تنظيم الدولة في هجمات 25 يونيو، في المعركة على مدينة "عين العرب"، مما يشكل تهديدًا على الأمن القومي التركي.
الحزام التركي في سوريا:
فتركيا ترى أن أي كيان كردي في تلك المنطقة لا يمثل فقط إنعاشًا لآمال قيام دولة كردية في العراق وسوريا، ومن ثم اقتطاع أراض من الدولة التركية، ولكنه يمثل أيضًا عزلاً لتركيا من الجنوب وفصلها عن المنطقة ومنعها من بسط نفوذها وتقزيم طموحاتها الإقليمية، فما يحدث على الأرض ليس مجرد حرب أهلية أو نزاع على أراض بقدر ما هو تغيير ديموجرافي كبير في طور التشكل، بدأ منذ الغزو الأمريكي للعراق ونيل الأكراد حكما ذاتيا موسعا واستقلالية مما أدى إلى تهميش التركمان في الشمال العراقي وتهجيرهم من مناطق النفط ومحاولات لإنشاء ذلك الشريط الكردي من العراق لسوريا بدعم أمريكي بالسلاح والعتاد والدعم اللوجستي والتدريب.
فمعركة تل أبيض كانت حاسمة حيث أدارتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة بقف جوي مكثف وقصف الجسور المؤدية إلى المدينة على طريق محافظة الرقة معقل تنظيم الدولة، وبذلك قطعت خطوط الإمداد عنهم، ثم تلاه تقدم من القوات الكردية والتي سيطرت على المدينة ومنعت عودة أهلها إليها وهجرت العرب والتركمان الباقين مما اعتبر أنه عملية تغيير ديموغرافية واسعة لصالح الأكراد، وهو ما أثار قلق تركيا. حيث أفاد أكرم دادا، عضو لجنة توثيق انتهاك الوحدات الكردية، والعضو السابق في المجلس المحلي لمدينة تل أبيض، أن "الوحدات الكردية واصلت تهجير المواطنين التركمان من قراهم في ريف تل أبيض، مشيراً إلى أن الوحدات هجّرت نحو 5 آلاف شخص خلال اليومين الماضيين من قرية (حمام تركمان الشمالي) بعد تجميعهم في أحد مدارس القرية وإنذارهم بالخروج بحجة الدواعي الأمنية، وأن الحملة الأولى للتهجير بدأت قبل أسبوع، حين دخلت الوحدات الكردية لقرية (حمام تركمان الجنوبي)، وطردت السكان المدنيين منها، لافتاً إلى أن عدد المهجرين من القريتين وصل إلى ما يقرب من 10 آلاف شخص، بنفس الذريعة وهي الدواعي الأمنية"، وسبق أن شكل ناشطون في المعارضة السورية عدة لجان لتوثيق ما وصفوها بـ"انتهاكات الوحدات الكردية المتملثة في القتل و التهجير وحرق البيوت والأراضي وسلبها"، وذلك في المناطق الممتدة من الحكسة شرقاً وحتى الريف الجنوبي لمدينة عين العرب (كوباني)[1].
وفي هذا الصدد يجدر التذكير بأن التحالف الدولي قد شنَّ 1774 غارة جويّة في سوريا خلال الأشهر الـ (10) الأخيرة، منها حوالي 1200 غارة لمساندة ميليشيات يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، أي أنّ حوالي 70% من الغارات الجويّة في سوريا كان لها وظيفة واحدة وهي إشعار تركيا بالخطر وإجبارها لتغيير موقفها[2].
وقد كان الموقف الاستراتيجي التركي هو تصفير المشكلات، وذلك قبل الربيع العربي، ونأت تركيا بنفسها عن التدخل العسكري في أي صراع، ولكن لأن ما يحدث على الأرض السورية الآن يعد تهديدًا مباشرًا للأمن القومي التركي فإنها ولأول مرة تهدد بتدخل عسكري مباشر، بعدما كانت العمليات السابقة لها على الأراضي السورية عمليات تكتيكية مثل استعادة ضريح عثماني وحماية دبلوماسيها ثم العودة إلى الأراضي التركية، إلا أن خطط نشر 18 ألف جندي إلى الجنوب ستمثل نقلة نوعية في الصراع، حيث حذر جنرالات الجيش التركي من قبل أن أي تدخل عسكري سيعني استعداد تركيا لخوض حرب شاملة على مختلف المحاور، سواء مع تنظيم الدولة أو الأكراد أو مع النظام السوري نفسه، وهو ما يهدد بقلاقل طويلة الأمد قد تمتد إلى الداخل التركي ذاته.
لذلك فإن مبدأ تصفير المشكلات ربما يتحول إلى مبدأ "إدارة المشكلات" والتحكم في الصراعات لتحقيق المصلحة العليا لأنقرة، ولحماية العرق التركماني في المنطقة، ومنع قيام كيان كردي، والخطط الأولية لتركيا هي عدم نشر ذلك العدد من القوات مباشرة في الأراضي السورية، ولكن على مراحل وفقط من أجل فرض النظام، ولكن ذلك لن يمنع تركيا من أن تنزلق أقدامها إلى حرب طويلة الأمد ربما ستمثل مرحلة جديدة من التجربة التركية، والتي اعتمدت بالأساس على الرخاء والسلام والسياحة واستقبال الاستثمارات الأجنبية، فالاقتصاد التركي برغم ازدهاره في العقد الأخير إلا أنه لا يزال اقتصاد هش، وقد ظهر ذلك في الانتخابات الأخيرة وعدم قدرة العدالة والتنمية على تشكيل الحكومة بمفرده، مما كان له آثاره السلبية على قيمة الليرة التركية واضطرابات في الأسواق المالية.
ومن الواضح وجود تباين في المواقف بين تركيا و التحالف الدولي، بسبب دعم التحالف للأكراد، في حين ترى تركيا أن سبب المشكلات هو بقاء نظام بشار الأسد ثم استجد الآن ذلك التهديد الكردي، لذلك فإن أنقرة اليوم تقف في مفترق طرق ولكن يبدو أن أقدامها تنزلق سريعًا باتجاه الخيار العسكري المبرر أخلاقيًا واستراتيجيًا، ولكنه غير مأمون العواقب اقتصاديًا وربما يكون له تداعياته السياسية والاجتماعية الكبرى داخل الدولة التركية.
-------------------------
[1] قيادي تركماني: الوحدات الكردية هجّرت 5 آلاف تركماني من "تل أبيض" خلال يومين، ترك برس، 27 يونيو 2015، على الرابط التالي: http://turkpress.co/node/9947
[2] دخول تركيا في التحالف الدولي: اختبار للصداقة الأمريكية الكردية، السورية نت، في 26 يونيو 2015.
مجلة البيان
حسان الحموي
سامي إبراهيم
فايز سارة
إياد جبر
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة