..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الفائزون في رمضان

رابطة خطباء الشام

٢٠ يونيو ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7107

 الفائزون في رمضان
img-deflt.jpg

شـــــارك المادة

مقدمة:
عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، فقال: ( آمين آمين آمين، قيل: يا رسول الله، إنك حين صعدت المنبر قلت: آمين آمين آمين، قال: أتاني جبريل فقال: يا محمد! من أدرك أحدَ والديه فمات فدخل النار فأبعده الله قل: آمين فقلت: آمين
قال: يا محمد من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر له فأُدخل النار فأبعده الله قل: آمين فقلت: آمين
قال: ومن ذكرتَ عنده فلم يصلِّ عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل: آمين فقلت: آمين).
 
ليس الشأن أن تدرك رمضان، إنما الشأن أن يغفر لك في رمضان، أما كيف يغفر لك؟ وما هي الأعمال اللتي تؤهلك للمغفرة فهذا ما ستعرفه في هذه الكلمات.

بين الجوانح في الأعمـاق سكناه  ***  فكيف أنسى ومن في الناس ينساه
في كل عام لنا لقيــــا محببــــــة  *** يهتز كل كيانـــي حيــن ألقــاه
بالعيـــن والقلـــب بالآذان أرقبـــه *** وكيف لا وأنــا بالــــروح أحيـــاه
ألقاه شهـــراً ولكـــن فــي نهايته  *** يمضي كطيف خيال قد لمحناه
في موسم الطهر في رمضـان الخير *** تجمعنا محبة الله لا مال ولا جاه
من كل ذي خشيــة لله ذي ولــــع *** في الخير تعرفه دومـــاً بسيماه
قد قدروا موسم الخيرات فاستبقوا *** والاستباق هنا المحمود عقبـاه
صاموه قامـــــوه إيمانــاً ومحتسبـاً *** أحيوه طوعاً وما في الخير إكراه
فالأذن سامعة والعيـــن دامعــــة *** والروح خاشعــة والقلــــب أواه
وكلهـــم بــــات بالقرآن مندمجـــاً ***  كأنه الدم يسري فــي خلايـاه

عناصر الخطبة:
1- فضل رمضان.
2- صفات الفائزين في رمضان:
     أ‌- الهمة العالية للصلاة والقيام.
    ب‌- الجود والإحسان وإطعام الطعام.
    ت‌- البكاء والخشوع في التراويح والقيام.
    ث‌-  الدعوة إلى الله.
    ج‌- في العشر الأواخر من رمضان.
    ح‌- التوبة والرجوع إلى الله.
    خ‌- الصلح مع الناس.
    د‌- قراءة وتدبر القرآن.
    ذ‌-  تحقيق التقوى.
    ر‌- المجاهد في سبيل الله.
    ز‌-  ومن صور الفائزين في رمضان.
1- فضل رمضان

إن إدراكنا لرمضان نعمة ربانية ومنحة إلهية، فهو بشرى تساقطت لها الدمعات وانسكبت لها العبرات، في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين) وفي رواية مسلم (فتحت أبواب الرحمة)
كان الصالحون يعدون إدراك رمضان من أكبر النعم، فكان رمضان يدخل على أحدهم ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء.
كان رمضان يدخل عليهم وهم يترقبونه وينتظرونه، يتهيئون له بالصلاة والصيام والصدقة والقيام، أسهروا له ليلهم، وأظمئوا له نهارهم، فهو أيام معدودات فاغتنموها، ولو تأملت حالهم لوجدتهم بين باكٍ غُلِبَ بعبرته، وقائم غصَّ بزفرته، وساجد يتباكى بدعوته.
روى أحمد من حديث أبي هريرة، قال: لما حضر رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد جاءكم رمضان، شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها، فقد حرم )
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة).
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث يومئذ ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم )
( والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله، يوم القيامة، من ريح المسك ) .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه)
وفي الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم، أغلق فلم يدخل منه أحد)
وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ( من صام يوما في سبيل الله، باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا)
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه)

2- صفات الفائزين في رمضان

   أ‌- الهمة العالية للصلاة والقيام:
إن من أفضل الأعمال في هذا الشهر قيام الليل، قال صلى الله عليه وسلم: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه)
إيماناً: تصديقاً بثوابه، واحتساباً: مخلصاً بقيامه محتسباً تعبه ونصبه، يبتغي طول القنوت فلا يتأفف لطول الصلاة بل يأنس بطول الاتصال بالله فيها.
ولكم رأينا من رجل محدودب الظهر، متقارب الخطى، متسارع الأنفاس، وهو يزحف إلى المسجد زحفاً، يتكئ على عكازتين، والعجب أنه يصلي واقفاً، ويرفض الجلوس.
ما أكثر صور تلك الآباء والأمهات الذين نعجب من حرصهم، على الرغم من الأيدي المرتعشة، والأقدام المهتزة، والعظام الواهنة، والله إن الإنسان ليحتقر نفسه وعمله، وهو يرى هؤلاء الكبار من رجال ونساء، وكيف يتحاملون على أنفسهم على عجز وثقل، ومرض ولأواء، وقد عذرهم الله.
عندما ترى هؤلاء تذكر قول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عند مسلم وفيه: (ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادى بين الرجلين، حتى يقام في الصف).
ما أعظمها من نفوس آثرت مرضات الله على تعبها ونصبها.
ربما أصاب الإنسان منا التعب والإرهاق في صلاة التراويح أو القيام، فإذا شاهد حال أولئك الآباء ونشاطهم على ما هم فيه، كأنما نشط من عقال.
يقول تعالى مادحاً عباده هؤلاء: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ)
وقال: ( كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)
وقال: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)
وقال: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *) السجدة 16-17

    ب‌- الجود والإحسان وإطعام الطعام:
فكم من رجلٌ وسع الله عليه بماله، فهو ينفق إنفاق من لا يخشى الفقر، ففي الوقت الذي انشغل أهل الأموال ببيعهم وشرائهم، فرمضان موسمٌ تجاريٌ لا يعوض، تجد هذا الرجل في تجارة أخرى، تجارة مع الله، فلم يكفه أن دفع المال لتفطير الصائمين لينال مثل أجرهم، بل وقف بنفسه ليعطي المساكين ويبحث عن الأرامل والمنكوبين ليمسح دمعة عن عيونهم، ويرسم بسمة على وجوههم، ويسدَّ قليلاً من جوعتهم
عندما ترى مثل هؤلاء تذكر قول الله تبارك وتعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)
وتذكرُ حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: (ما تصدق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة، فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل، كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله)
الفلو: المُهْر.
وقوله صلى الله عليه وسلم كما عند أحمد وصححه الألباني: (والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار).
وقوله صلى الله عليه وسلم : (صلة الرحم تزيد في العمر وصدقة السر تطفئ غضب الرب) صحيح الجامع الصغير/3766

وقوله صلى الله عليه وسلم : (من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا)

أولئك هم الفائزون في رمضان، الذين نالوا رضى الرحمن، وليس أولئك الذين يكنزون الأموال، ويقبضون أيديهم! وإننا نقول لمثل هؤلاء قول الحبيب صلى الله عليه وسلم لـأسماء بنت أبي بكر : (لا توكي فيوكي الله عليك)
أي: لا تمنعي ما في يديك فيقطع الله عليك مادة الرزق،
ونذكره بقول النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما من صباح يوم إلا وملكان ينزلان (فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً) البخاري/1442، ومسلم/ 1010

وقول الحق عز وجل كما في الحديث القدسي: (أنفق يا بن آدم ينفق عليك) وهو متفق عليه، والموفق من وفقه الله.
وهناك من تذهب نفسه حسرات أن لو كان يملك المال لينفق ويتصدق، ولكنه لا يجد سوى الدمعة تسيل على الخدين أن لو كان ذا مال فيتصدق، ولمثل هؤلاء نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نفرٍ: عبدٌ رزقَه اللَّهُ مَالا وعلماً فهوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ رَحِمَهُ وَيَعْمَلُ لِلَّهِ فِيهِ بِحَقِّهِ فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ. وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النيَّةِ وَيَقُول: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فأجرُهما سواءٌ..) .
أيها الصائم لقد كان نبيك صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان، فقد روى البخاري من حديث ابن عباس، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة)
    ت- البكاء والخشوع في التراويح والقيام:
تصلي التراويح والقيام، فتسمع آيات القرآن، وتسمع الخنين والبكاء ينبعث في جنبات المسجد، فيسجد المصلون فإذا بأزيز كأزيز المرجل ينبعث من الصدور، غلبهم خوف الله وخشيته، فوجلت القلوب، وذرفت العيون، يقول رسول صلى الله عليه وسلم: (لا يلج النار رجلٌ بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع)
في صلاة القيام وفي ثلث الليل الأخير يركعون، ويسجدون، ويدعون ويتضرعون، يبكون ويتأثرون، منكسرةً قلوبهم، دامعةً عيونهم، شاحبةً وجوههم، هجروا الفراش ولذة النوم، من أجل أي شيء؟ طلباً لمرضاة الله، طلباً لرحمة الله.
(أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ)
(تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة:16-17

القانتــــون المخبتـــون لربهـــم  ***  الناطقون بأصدق الأقـــوال
يحيــون ليلهم بطاعــة ربـــــهم  *** بتلاوة وتضــرع وســــــؤال
وعيونهم تجري بفيض دموعهـم *** مثـل انهمار الوابل الهطال
بوجوههـــم أثر السجــود لربهم *** وبها أشعة نوره المتــلالي

إن لم يكن هؤلاء من الفائزين برمضان، فمن؟!
      ث- الدعوة إلى الله:
رجالٌ ونساءٌ يصولون ويجولون من حي إلى حي، ومن مسجد إلى مسجد، ومن كتيبة إلى أخرى لإرشاد الناس وتذكيرهم، حرموا أنفسهم لذة العبادة خلف إمام واحد، تذهب أنفسهم حسرات لعدم ختم القرآن مرات ومرات، لكن هيهات هيهات، فالوقت ينصرف في البحث والاطلاع في تفسير آية، أو شرح حديث، أو بحث مسألة، فلسان حالهم يقول: رمضان فرصةٌ للتوبة، وموسمٌ للإقبال على الله والندم على ما فات،
فكم من ضال فرح بكلمتهم؟ أو جاهل اهتدى بتذكيرهم؟ أو تائب نور الله بهم بصيرته؟!
أبشر أيها الأخ الحبيب! فأنت على خير عظيم.

إن لم تكن للحق أنت فمن يكون *** والناس في محراب لذات الدنايا عاكفونا

إن لم يكن أمثال هؤلاء من الفائزين برمضان، فمن إذاً؟ ذلك الذي لا يفكر إلا في نفسه ووظيفته وماله وولده؟!!

من كان حين تصيب الشمس جبهته *** أو الغبار يخاف الشين والشعثا
ويألـــف الظــل كـي تبقى بشاشتـه *** فسوف يسكن يوماً راغماً جدثا
في ظــل مقفــرة غبــــراء مظلمــــة  *** يطيل تحت الثرى في غيها اللبثا
تجهــــــزي بجهــــاز تبلغيــــن بـــــه *** يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا


     ج- في العشر الأواخر من رمضان:
في العشر الأواخر، وفي صلاة القيام في آخر الليل، وفي جلسة الاستراحة، تنظر للمصلين وأحوالهم، هذا يقرأ القرآن، وهذا لسانه يلهج بالذكر والاستغفار، وذاك رفع يديه بالدعاء وعلاماتُ الانكسار والتذللِ على محياه، ورابعٌ قد سالت دموعه على خديه، وخامسٌ يركع ويسجد، وسادسٌ يغالب النوم، هجر فراشه، وترك أهله.

أرواحهـم خشعـت لله في أدب    ***   قلوبهم من جلال الله في وجل
نجواهم ربنـا جئنــاك طائعـــــة  ***   نفوسنا وعصينا خـادع الأمـل
إذا سجى الليل قاموه وأعينهم   ***  من خشية الله مثل الجائد الهطل
هم الرجال فلا يلهيهـــم لــعب  ***  عـــن الصلاة ولا أكذوبة الكـسل

رياح الأسحار تحمل أنين المذنبين، وأنفاس المحبين، وقصص التائبين.

    ح- التوبة والرجوع إلى الله:
الفائز في رمضان من جدد العهد مع الله، فتاب وأناب ورجع، سواء أكان من المقبلين الطائعين قبل رمضان فالتوبة لا تختص بالعاصين، وسواء أكان من المفرطين المذنبين
سارع إلى التوبة والإنابة والإخبات، علم أن له رباً يغفر الذنب فاستغفره، سارع يقرع الباب لعلمه أن الله سريع الحساب، فذل وانكسر لغافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب تذكر ما سلف من الذنوب والمعاصي وقال:

يا رب عبــدك قـد أتـــــاك   ***  وقد أساء وقد هفـا
يكفيه منــه حيــاؤه مـــن   ***  سوء ما قد أسلفــا
حمل الذنوب على الذنوب ***  الموبقات وأسرفــا
وقد استجار بذيل عفـــوك  ***  من عقابك ملحفـــا
يا رب فاعف عنــه وعافــه  ***  فلأنت أولى من عفا

قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة)
وقال صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم إذا استيقظ على بعيره، قد أضله بأرض فلاة)
(قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

     خ- الصلح مع الناس:
روى مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين، ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا)
إن من الناس أناسٌ مرت عليهم سنين طويلة وأدركوا رمضان أزمنة مديدة وإلى الآن لم يُغفر لهم! من أجل شحناء أورثت هجراناً، أو من أجل لعاعة من الدنيا،

أخي المسلم: إن الفائز في رمضان من أصلح ما بينه وبين الناس فعفى وغفر،
قال تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
سمعها أبو بكر فقال: بلى إني أحب أن يغفر الله لي، وأرجع النفقة إلى مسطح بعد أن كان قطعها عنه بسبب خوضه مع من خاض في عرض رسول الله عائشة الطاهرة المطهرة.
وأنت.. أخصومتك أغلى من عرض رسول الله؟!
ألا تحب أن يغفر الله لك؟!
فيا طوبى للفائزين..
ويا خسارة المفرطين..

    د- قراءة وتدبر القرآن:
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)
الحياةُ مع القرآن هي النعيم المعجل، والعيش المرغد، والسرور المبهج
الحياةُ مع القرآن نعمةٌ لا تعادلها نعمة، ومنــّةٌ لا تضارعها منة، وأنسٌ لا يجاريه أنسٌ
* عاشَ عمر رضي الله عنه مع القرآن فقرعته زواجره، وهزته مواعظه حتى أنه ‏خرج ليلةً فسمع (وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ )
فقال: قسمٌ و ربِّ الكعبة حق ،فمرض شهراً يعوده الناس لا يدرون ما مرضه
وعاش ابنُ عباس رضي الله عنهما مع القرآن حتى صار القرآنُ جليسَ فكره، وأنيسَ قلبه، وشاغلَ عقله حتى أنه كان يقول ‏(والله لو أضعتُ عقالَ بعيري لوجدتُ ذلك في كتابِ الله)
عاش خالدُ بن الوليد رضي الله عنه مع القرآن حتى أنه في آخر حياته أمسك بالمصحف وبكى وقال : (شغلني عنك الجهاد)
* عاش عكرمةُ بن أبي جهل رضي الله عنه مع القرآن حتى كان إذا رأى المصحف يأخذه فيضعه على وجهه، ويبكي، ويقول: كتاب ربي، وكلام ربي.
وقضى ابن تيمية رحمه الله جُلّ حياته في الدعوة والجهاد ومناكفة أهل البدع فلما سُجن في آخر حياته أقبل على القرآن تلاوة وتدبراً ثم قال : (ندمتُ على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن )

وعاش العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله مع القرآن حتى قالَ عن نفسه ( لا توجد آية في القرآن إلا ودرستها على حِدَة)
آية في كتاب الله.. كل آية خصص لها وقتاً يفردها به بالدراسة العميقة والتدبر الطويل(6236)

وأفنى الشيخُ المحدّثُ أبو إسحاق الحويني زهرةَ عمره، وميعةَ شبابه في التدريس والخطابة والتصنيف فلما منع في آخرة أقبل على القرآن تدبراً فعاش مع كلام الله أجملَ عيشٍ وأهنأه وانغمس في معانيه فلاحتْ له أنوار هداياته، وانكشفت له أسرار دلائله ‏فقال بعينٍ دامعةٍ، وصوتٍ متهدجٍ، ونبرةٍ حزينة (فيا ليتني أعطيتُ القرآنَ عمري)

إن صحبة القرآن هي الصحبة التي يثبت نفعها يوم يفر منك أبوك وأمك، وأخوك وصاحبك، وزوجتك وأولادك، وقبيلتك وعشيرتك فتلتفت فلا تجد إلا صاحبك الوفي (القرآن) يقف معك يجادل عنك ويشفع لك ‏(اقرَؤوا القرآنَ ؛ فإنَّهُ يأتي يومَ القيامةِ شَفيعًا لأصحابِه)

‏قال صلى الله عليه وسلم: (يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول القرآن يا رب حله فيلبس تاج الكرامة ثم يقول يا رب زده فيلبس حلة الكرامة ثم يقول يا رب ارض عنه فيرضى عنه فيقال له اقرأ وارق ويزداد بكل آية حسنة) .

     ذ- تحقيق التقوى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
والتقوى خشية مستمرة.
من حقق التقوى شعر بأن حياته كلها لله رب العالمين يفعل الله بها ما يشاء، فهو يصلي وقت الصلاة ويصوم وقت الصيام، ويجاهد وقت الجهاد، ويتصدق مع المتصدقين فليس لنفسه منه حظ ولا نصيب بل حياته كلها وقف لله (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام 162)
وهل يكون متقياً من يجمع الثواب بالنهار ثم يحرق ذلك في الليل بأغنية ماجنة، ورقصة فاتنة، يزينها له شياطين الإنس، بل إن شياطين الإنس لم يكتفوا بليل الصائمين فحسب وإنما أشغلوا نهارهم،
أصبحت جموع من الصائمين تتسمر أمام الشاشات في الليل والنهار، اكتفوا من الصيام بالإمساك عن الطعام والشراب ولا يستشعرون انهم وقعوا في الحرام، و (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر) (ابن ماجه/1690 وصححه الألباني).
لقد تبلدت أحاسيس بعض الناس الصائمين حتى صاروا يتقبلون أن ينظر أحدهم إلى رجل يحتضن بنتاً شابة لأنه يمثل دور أبيها، أو يضطجع بجانبها على فراش واحد لأنه يمثل دور زوجها.
سبحان الله.. هل يليق هذا برمضان شهر الحسنات والرحمات.. أين ليالي رمضان التي كانت تقضى بين تال للقرآن وقارئ للأذكار ومستغفر بالأسحار لصدر أحدهم أزيز كأزيز المرجل من البكاء تتنزل هليهم الرحمات ويباهي الله بهم ملائكته؟!!
فجاء التلفاز وأبدلها بالمسلسلات والأفلام التي تتبع بقايا كل تقوى فتقضي عليها.
(وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) (النساء 27)
وهل يكون متقياً من يطلق لسانه بالغيبة والنميمة وسوء الظن بالمسلمين؟! عن الله ليس بحاجة لجوعك وعطشك وتعبك ونصبك، (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه) (البخاري/6057).
  طوبى لعبد حقق التقوى واستكمل الأجر، أخذ رمضان كاملاً وسلمه للملائكة كاملاً ، فلا غيبة ولا نميمة ولا جهل ولا زور ولا أذية للمؤمنين. 

      ر – المجاهد في سبيل الله:
من ترك بيته وأهله وربما وطنه، ومن آثر التعب والنصب والسهر ليحرس بلده ودينه من عدو غادر،  ومن آثرالحرَّ والجوع والعطش على الراحة والظلال، بل ربما اضطر لأن يفطر حتى يتقوى على الجهاد لأن الصيام يقضى أما الجهاد فليس له قضاء، من باع نفسه لله ليفوز بجنة عرضها السموات والأرض، فهذا من الفائزين في رمضان.
بل عن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: (ما يعدل الجهاد في سبيل الله عز وجل؟ قال: «لا تستطيعونه»، قال: فأعادوا عليه مرتين، أو ثلاثا كل ذلك يقول: «لا تستطيعونه»، وقال في الثالثة: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صيام، ولا صلاة، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله تعالى)
وقال صلى الله عليه وسلم: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله، أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها)
فهنيئا لكل مجاهد أخلص النية في جهاده وآثر مرضات الله.

     ز- ومن صور الفائزين في رمضان:
تلكم المرأة الحريصةٌ على صغارها، فهي معهم ترقبهم وتلحظهم، تعلم هذا، وتوجه ذاك، ومع هذا فقلبها يهفو لصلاة التراويح مع المسلمين، لكن هيهات هيهات.. فتصلي في بيتها، تريد أن تخشع، أن يرق قلبها، أن تشعر بلذة المناجاة لربها، لكن الأصوات والضحكات، والتعلق بثوبها من صغارها، حرمها كل ذلك، فما ملكت سوى الدمعات والعبرات على ليالي رمضان، ثم جاءت العشر الأخيرة، فإذا بها تهدهد صبيانها، وتخادع صغارها، حتى ناموا، ثم قامت فانسلت بهدوء وحذر، فجهزت سحورها، ورتبت أمورها، ثم توضأت وتلحفت بجلبابها، ثم سارت إلى مسجد حيها والظلام يلفها، فركعت وسجدت، وقامت فبكت وخشعت، وربما تذكرت صغارها، فخافت عليهم ووجلت، فلا تدري قلبها لصلاتها أو على صغارها، فرجعت وصلت في بيتها بجوار صغارها، وهي تسمع صوت الإمام يردد: (أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ  ) [المؤمنون:61] فانخرطت في البكاء أن لو كانت من السابقين.
أبشري أيتها الصالحة! فأنت على خير، لكن احرصي وأخلصي واحتسبي الأجر على الله، ولن يخيب ظنك وهو أعلم بحالك، ثم إني أهمس إليك بهذا الحديث المتفق عليه: (من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن، كن له ستراً من النار).(البخاري/5995 ومسلم/ 2629)

فيا باغي الخير أقبل! فرمضان فرصةٌ قد لا تتكرر، وموسمٌ قد لا يعوض، فالبدار البدار قبل فجأة موت أو مصيبة مرض، وعندها لا ينفع الندم
(سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد:21].
أيها الأحبة! السعيد من أدرك رمضان فغُفر له (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:133-134].

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع