..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

أولويات أميركية حائرة بين نووي إيران وعملية السلام

إبراهيم حمامي

٩ مايو ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2942

 أولويات أميركية حائرة بين نووي إيران وعملية السلام
حمامي 00.jpg

شـــــارك المادة

اعتمدت سياسة الولايات المتحدة الأميركية منذ مؤتمر مدريد عام 1991 -المعلنة على الأقل- بشكل أساسي على حل الدولتين لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وعُقدت لذلك لقاءات وجولات ومؤتمرات ومفاوضات ماراثونية ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا دون نتائج ملموسة.

إلا أن الموقف الأخير للإدارة الأميركية والذي ورد في تقرير مطول لمجلة فورين بوليسي الأميركية تحت عنوان "إيران أولاً ثم سلام الشرق الأوسط" بتاريخ 28/4/2015 كان مغايراً لما تعلنه تلك الإدارة حول حرصها على إنهاء الصراع وبأسرع وقت، راسمة لنفسها ولغيرها أولويات جديدة في المنطقة ليس على رأسها في الوقت الراهن حل الدولتين، أو على الأقل طلب تأجيله حتى الانتهاء من الملف النووي الإيراني نهاية يونيو/حزيران القادم.

طلب التأجيل الأخير سبقه طلب مماثل في ديسمبر/كانون الأول 2014 من جون كيري لممثلي 28 دولة أوروبية في لقاء مغلق أعلن فيه كيري أن واشنطن ربما توافق على المقترح الفرنسي لمجلس الأمن لكنه أعلن أيضاً وبوضوح أن واشنطن ستلجأ لحق النقض (الفيتو) إن عُرض القرار قبل الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 17 مارس/آذار 2015.

أولويات المنطقة:

محاولات الربط بين الملفين النووي الإيراني وملف عملية سلام الشرق الأوسط ليست جديدة، كذلك هي محاولات رسم أولويات المنطقة، وعرقلة جهود حل الدولتين لمن يؤمن بها.

في مايو/أيار من العام 2008 وتحت عنوان "زوال حل الدولتين" تساءل ناثان ج. براون كبـير الباحثين غير المقيم بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي -في تقرير مطول صادر عن المؤسسة- عن إمكانيات تطبيق حل الدولتين.

في هذا الشأن ومنذ سنوات كتب مأمون فندي في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ 27/4/2009 تحت عنوان "ربط نتنياهو" ما يلي:

"ما يحاوله نتنياهو هو إعادة ترتيب الأولويات الأمنية في المنطقة، بمعنى أن الملف النووي الإيراني من منظور إسرائيل هو أكثر تهديداً للأمن الإقليمي من بقاء جرح القضية الفلسطينية النازف مفتوحاً ولأجل غير معروف"، مضيفاً "ربط نتنياهو لحل القضية الفلسطينية بالملف النووي الإيراني يدل على سوء نية من البداية، هذا إضافة إلى أنه متناقض تماماً مع توجهات الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يرى أن حل الدولتين هو أولوية، وأن الملف النووي الإيراني يمكن الحوار حوله".

كان هذا في العام 2009، أما اليوم فإنه من الواضح أن الإدارة الأميركية باتت في موقف أقرب لموقف نتنياهو، بل لا نبالغ إن قلنا إنها رضخت للموقف الإسرائيلي.

الموقف الأوروبي:
تتزعم فرنسا وبريطانيا وألمانيا حراكاً أوروبياً من نوع آخر، يقطع الطريق تماماً على أي إمكانية لعمل دبلوماسي فلسطيني أو عربي -بغض النظر عن نجاحه- يتمثل في استصدار قرار من مجلس الأمن لإنهاء الاحتلال والاعتراف بدولة فلسطين بشكل كامل.

ترتكز الخطة على نقاط محددة أهمها:
- تضع الخطة سقفاً زمنياً مدته سنتان لإنهاء المفاوضات، هي -فعلياً- تمديد للمفاوضات.
- يرتبط ذلك بشكل مباشر بالفترة المتبقية للرئيس أوباما في منصبه.
- لا تنص على إنهاء الاحتلال، لكن إنهاء المفاوضات فقط.
- لا ترسم حدوداً للدولة الفلسطينية وتترك ذلك للتفاهم بين الطرفين.
- لا تنص على اعتراف فوري بدولة فلسطين.
- تحاول ألمانيا إضافة نص أن "إسرائيل هي الوطن القومي للشعب اليهودي".

الملفت أن الخطة الثلاثية الفرنسية البريطانية الألمانية ترتكز على أمور تجعل من الصعب رفضها من قبل الولايات المتحدة أو الدول العربية، أي إنها تحشر الجميع في الزاوية سياسياً، ولهذا تحاول الولايات المتحدة الأميركية المماطلة والتأجيل لا المعارضة المباشرة أو الرفض المطلق للمقترح.

الموقف الأميركي:
إضافة للمماطلة والتأجيل فإن صحيفة الفورين البوليسي تحلل من جهتها أسباب الموقف الأميركي والذي يُعتبر تراجعاً عن الموقف السابق خاصة من ناحية اعتبار الملف الإيراني أولوية على ملف عملية السلام، حيث تذكر أن عاملين أساسين يقفان وراء موقف الإدارة الأميركية.

الأول: خشية الإدارة الأميركية من التعامل مع ملفين شائكين في وقت واحد -النووي الإيراني وعملية السلام في الشرق الأوسط- خاصة في ظل معارضة "إسرائيل" ومؤيديها في الكونغرس الأميركي لتوجهات الإدارة الأميركية في الملفين.

الثاني: -وبحسب دبلوماسيين- هو تغير حقيقي في موقف الولايات المتحدة من ملف الشرق الأوسط ونقله لمجلس الأمن، رغم تلميحات الرئيس باراك أوباما السابقة حول احتمالية عدم معارضة إدارته لقرار يصدره مجلس الأمن -طبقاً للخطة الفرنسية- بعد تصريحات نتنياهو الانتخابية بأن حل الدولتين قد انتهى، متراجعاً بدوره عن موقف سابق له في جامعة بار إيلان في العام 2009 والذي أيد فيه حل الدولتين.

أي إن الموقف الأميركي يتأرجح بين التردد والخشية من ناحية والتراجع من ناحية أخرى، وهو ما يصب في مصلحة الجانب الإسرائيلي على أية حال.

الموقف الإسرائيلي:
لم يتغير الموقف الإسرائيلي منذ انطلاق ما يسمى بعملية السلام في الشرق الأوسط وحتى يومنا هذا، ويتلخص في القبول العلني بالمبادرات الدولية والقرارات، والاستمرار في التفاوض، وتغيير الوقائع على الأرض دون أي تقدم يذكر.

رؤساء الحكومات المتعاقبة استمروا على ذات النهج ولم يشذ منهم أحد، حتى إيهود أولمرت الذي اعتبره الجانب الفلسطيني الأكثر واقعية واستعداداً للحل. أما نتنياهو فكان الأكثر وضوحاً وتحدياً للموقف الأميركي الذي تذبذب بعد إعلانه موت حل الدولتين أثناء حملته الانتخابية.

وقد تشاور حزب نتنياهو (الليكود) بعد فوزه بالانتخابات بالفعل مع الأحزاب اليمينية والأحزاب الأرثوذكسية اليهودية التي عارضت بشدة تقديم تنازلات للفلسطينيين، بحسب بيان صادر عن مكتب نتنياهو، بما في ذلك نفتالي بينيت من المؤيدين للاستيطان اليهودي، وأفيغدور ليبرمان من اليمين المتطرف، وحزب إسرائيل بيتنا القومي، وقادة حزب شاس المتشدد، ويهدوت هتوراة المتطرفين.

هذا الموقف الإسرائيلي الثابت إضافة لاتجاه الجمهور الإسرائيلي نحو اليمين المتطرف عزز من مكانة نتنياهو وحكومته في رفض الضغوط والسير باتجاه الضغط المضاد عبر الكونغرس الأميركي الذي زاره نتنياهو في مارس/آذار الماضي رغم رفض إدارة أوباما ليحرض على الملفين معاً: النووي الإيراني وعملية السلام في الشرق الأوسط.

الموقف الفلسطيني:
الموقف الفلسطيني هو موقف التائه بين المواقف، وعود وآمال لا تلبث أن تتلاشى، دولة تُعلن وتحظى بتأييد ثم انهيار الحلول، أصدقاء يديرون الظهر، وآخرون يعملون في الخفاء لإفشال كل شيء.

لا يملك الجانب الفلسطيني أوراق ضغط ولا يستطيع تفعيل ما يمكن تفعيله كوقف التنسيق الأمني مثلاً، لارتباط بقاء السلطة بالرواتب والمساعدات التي تتوقف لانتزاع المواقف أو التراجع عنها كما حدث بداية هذا العام بعد توقيع ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية.

السلطة الفلسطينية تلجأ بين فينة وأخرى للتلويح بحل السلطة وتحميل الاحتلال مسؤولية إدارة الضفة الغربية كنوع من الضغط، إلا أن عدم جدية السلطة ومنظمة التحرير في هذا الشأن أضعف تلك الورقة ربما الوحيدة المتبقية لديهم.

الموقف الفلسطيني يمكن تلخيصه ببساطة بالموقف الذي ينتظر مواقف الأطراف الأخرى، يتغطى أحياناً بلجنة فلسطين في الجامعة العربية، أو بعض القفزات الدبلوماسية وتوقيع اتفاقات الانضمام للمنظمات الدولية للظهور أمام الجمهور الفلسطيني كطرف فاعل وقادر على اتخاذ المواقف.

إن ارتبط ملف مفاوضات الشرق الأوسط بالمتغيرات في العالم، تتوقف عند كل حدث انتخابي في أميركا أو "إسرائيل"، تتعرقل مع كل حادثة أو هجوم في أي مكان في العالم، تتراجع مع كل عدوان إسرائيلي في الضفة أو غزة.

حل الدولتين -وكما أشرنا سابقاً- تعرض للتشكيك منذ أعوام عدة، البعض اعتبره وهما انتهى تماما حتى من الجانب الفلسطيني -سري نسيبة في مارس/آذار 2015 "نهاية وهم حل الدولتين"- وعباس زكي عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" أن "حل الدولتين" مات منذ زمن، وأن أمام القيادة الفلسطينية خيارات متعددة للتعامل مع الجانب الإسرائيلي بعد فوز اليمين الإسرائيلي" في ذات الشهر، وقبله أحمد قريع في مقال مطول له نُشر على موقع العربية في مارس/آذار 2012 تحت عنوان "حل الدولتين بين الفشل والتفشيل"، وغيرهم.

كذلك هو الحال في الجانب الإسرائيلي والذي عبر عنه موشي آرنز وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق في حكومة الليكود خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى في مقال له بتاريخ 6/3/2015 تحت عنوان "تآكل حل الدولتين".

خلاصة القول إن الربط المفترض بين الملف النووي الإيراني وحل الدولتين، وتغيير أولويات الإدارة الأميركية ما هو إلا تأكيد على مواقف سابقة ربما فاتت البعض، لكنها شكلت جزءا لا يتجزأ من سياسة التسويف والمماطلة والتأجيل والتجميد التي صاحبت عملية السلام المفترضة منذ انطلاقها في مدريد العام 1991.

الخاسر الوحيد والدائم في تلك المعادلة هو الجانب الفلسطيني بلا شك والذي يقف بلا أوراق ضغط، بلا خيارات وبلا بدائل بعد أن وضع بيضه كله في سلة المفاوضات، واعتبرها خياراً استراتيجياً "وحيداً" مسقطاً كل خيار آخر، بل محارباً له.

آن الأوان لإعادة قراءة المتغيرات واتخاذ ما يلزم من إجراءات ومواقف، توقف على أقل تقدير سياسة الأمر الواقع في الضفة الغربية المحتلة والتي إن أخذنا بعين الاعتبار المستوطنات والطرق الالتفافية وجدار الفصل والمناطق العسكرية والحواجز والتهويد والتهجير والمصادرة لا يتبقى منها إلا أقل من 40% ممزقة منعدمة التواصل لا تصلح أن تكون مرتكزاً لأي دولة من أي نوع.

 

 

الجزيرة

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع