..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

المعركة الأخيرة في «القلمون»

حمزة المصطفى

٩ مايو ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3192

المعركة الأخيرة في «القلمون»
الله القلمون 00.jpg

شـــــارك المادة

يستعد “حزب الله” حاليًا لما أطلق عليه قبل أشهر “معركة الربيع” أو “ذوبان الثلج” في سلسلة جبال “القلمون” لوقف استنزاف قواته، ووضع حد لخسائره البشرية لعله ينقذ نفسه وحاضنته من مشهد التوابيت الصفراء بعد أن أضحى تشيعها حدثًا يوميًّا في قرى جنوب لبنان والبقاع وضاحية لبنان الجنوبيّة. لكن المعركة التي يتحدث عنها حزب الله دون أن يحدد موعدًا لبدئها أو انتهائها، ودون استحضار للدعاية التعبوية وشعارات النصر الإلهي؛ لن تكون كسابقاتها من جولات القلمون الخمسة.

مما لا شك فيه أن حزب الله، الذي يستنفر ويشحذ همم شبابه ومؤيديه ويسحب قوات النخبة لديه من جنوب لبنان ويشرع ببناء منصات إسناد مدفعي وصاروخي على الجانب اللبناني من القلمون، سيحقق اختراقات عسكريّة هامة في ظل الخلل القائم في موازين القوى مع فصائل المعارضة المسلحة التي انضوت معظمها مؤخرًا تحت إطار جديد أسمته “جيش الفتح” تيمنًا واستنساخًا لتجربة إدلب المبهرة.

لكن النقطة المحرجة بالنسبة للحزب هي الحفاظ على المكتسبات العسكريّة التي من المتوقع أن يحققها في بداية المواجهة.

لقد نجح حزب الله خلال عامَي 2013 و2014 في السيطرة على معظم مراكز المدن الصغيرة والمتوسطة في ريف حمص الجنوبي والقلمون، لكن هذه السيطرة كبلت خياراته بدلاً من أن تمنحه هامش حرية ومناورة عسكرية أكبر، فأصبح الحزب أمام خيارين أحلاهما مر؛ وهما:

الأول: أن ينسحب من هذه المراكز، ويترك مهمة الحفاظ عليها لقوات النظام بحيث يتفرغ مقاتلوه لملاحقة فصائل المعارضة في “الجرود” ذات التضاريس الجغرافية الصعبة. لكن هذا الخيار كان ينطويّ على مخاطر جمة بالنسبة له، فكما هو معروف غدت قوات الجيش السوري هشة إلى درجة تفتقد فيها القدرة لمواجهة فصائل المعارضة والانتصار عليها دون ذراع ميليشياوي مساندة لها، وهو ما قد يؤدي إلى استعادة المعارضة المسلحة لهذه المراكز ويفقد الحزب الإنجازات التي صورها في إعلامه على أنها إنجازات ربانية حاسمة لا يمكن الارتداد إليها.

الثاني -والذي اعتمده الحزب-: في استحضار مزيد من المقاتلين وتفريغهم لقتال تجمعات فصائل المعارضة.

اضطرار حزب الله للانتشار مكانيًّا في نقاط ثابتة وضعه في مأزق كبير، وأدخله في معادلة عسكريّة كان يفرضها على الآخرين كجزء من استراتيجيته العسكريّة المعروفة، وهو ما جعله عرضة للاستهداف السهل ضمن بيئة جغرافية وحاضنة اجتماعية لا تستسيغ وجوده. ومع عجزه عن توجيه ضربة حاسمة لخصومه بدأ يخسر المعركة بالنقاط تدريجيًّا، وجاءت معارك الجنوب في مقدمتها: بصرى الشام، وحلب، وداريا، وطريق (دمشق – بغداد) لتعمق من جراح الحزب وتخلط كل أوراقه السابقة، وتضعه في مأزق أمام جمهوره بعد أن استهلك عناوين وجوده وانتشاره في سوريا (حماية القرى الشيعية، المراقد، ظهر المقاومة، الصراع مع التكفيريين، …).

وفي بداية العام الحالي؛ أجرى حزب الله تقييمًا داخليًّا لمعركته في سوريا، وجاءت النتائج مخيبة مقارنة بالأهداف التي وضعها سابقًا، والمدى الزمني اللازم لتحقيقها. وفي ضوء ذلك؛ نصحت جهات عربية عدة، قيادة حزب الله بالانسحاب من سوريا، وأجرت مفاوضات مع دول عربية وإقليمية وقوى معارضة لتأمين ما وصفته “بالانسحاب الكريم”. وعلى اعتبار أن قرار التدخل في سورية لا يخص الحزب بمقدار ما يخص إيران، جاء الجواب بالرفض القاطع، ولم يبق أمام الحزب خيار سوى الزج بمقاتلين جدد، وإطلاق جولة جديدة وحاسمة في القلمون.

عوّل “حزب الله” على المواجهة في عرسال، ودخول الجيش اللبناني كطرف إلى جانبه في المعركة، وعوّل أيضًا على داعش لافتعال مواجهة مسلحة في المنطقة مع خصومه، وعلى رأسهم جبهة النصرة، وعلى القبول الدولي بدوره في مكافحة التطرف والإرهاب السني. لكن التطورات الأخيرة جاءت بما لا يشتهيه.

لقد عرقل وصول المساعدة العسكرية السعودية مساعي قائد الجيش اللبناني “جان قهوجي” للدخول في مواجهة مع الفصائل السورية في منطقة القلمون، وتقديم نفسه شخصية توافقية يمكن أن يقبل بها الحزب لرئاسة الجمهورية بدلاً من تمسكه بالعماد “ميشيل عون”.

وجاء انسحاب جُلّ مقاتلي داعش من منطقة القلمون باتجاه ريف حمص الشرقي ليخيب أماني الحزب بحصول مواجهة يكون المستفيد الأكبر منها.

أما فيما يتعلق بالقبول الدولي، فقد أثبتت تطورات العراق، وللمرة الألف، أن الاعتماد على الميليشيات الشيعية المسلحة لا يؤدي نتائج جدية في محاربة داعش؛ بل على العكس يمنح الأخير هامش مناورة أكبر لجهة اكتساب تأييد البيئات الاجتماعية المحلية. وبناءً عليه، فإن الحزب سيخوض المعركة القادمة في القلمون منفرًدا، وتحت وابل الانتقادات الداخلية والخارجية.

يروج الحزب داخليًّا إلى أن إيران ستكثف من تدخلها في سوريا خلال الأشهر القادمة؛ لإيقاف التقدم العسكري الملحوظ لقوات المعارضة في جبهات عدة، وأن تدخلها قد يكون على غرار عاصفة الحزم؛ أي أن تطالب الحكومة السورية إيران رسميًّا بإرسال طائرات وفرق عسكرية لمساعدة جيشها. ويدعي الحزب أيضًا أن التدخل الإيراني الحاسم سيكون مرهونًا بمجريات المعركة في القلمون.

وعلى الرغم من عدم واقعية الطرح السابق، فإن خيارات إيران في المشرق العربي غالبًا ما تكون خيارات شمشونية، ولا يستبعد أن تلجأ طهران للزج بالمزيد من الميليشيات الطائفية لوقف الانهيار المتتابع لقوات النظام.

وانطلاقًا مما سبق، تبدو معركة القلمون القادمة إحدى أهم المؤشرات الدالة على التغيرات في موازين القوى، ولا تملك فصائل المعارضة إذا ما أرادت الخلاص النهائي أن تديرها بحكمة وثبات لتكون الخنجر الأخير في جسد النظام وحلفائه.
 

 

التقرير

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع