علي حسين باكير
تصدير المادة
المشاهدات : 2984
شـــــارك المادة
تشهد المفاوضات الأمريكية – الإيرانية حول الملف النووي سباقاً محموماً مع الوقت، إذ من المفترض أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق سياسي شامل مع نهاية هذا الشهر على أن توضع التفاصيل التقنية نهاية شهر يونيو/حزيران المقبل، فإن لم يتم تمديد هذه الفترة للمرة الثالثة فهذا يعني أنّنا سنشهد توقيع اتفاق أو فشل المفاوضات في نهاية هذه الفترة الزمنية.
خلال الشهر الماضي، شهدنا العديد من التسريبات عن التنازلات الجسيمة والكارثية التي قدمتها الإدارة الأمريكية للنظام الإيراني. لسنا بصدد مناقشة كل هذه التنازلات هنا ولماذا تقدّم إدارة أوباما أصلاً تنازلات بمثل هذا الحجم. لكن باعتقادي الشخصي، فإنه وبغض النظر عن حجم هذه التنازلات، فإن الإدارة الأمريكية تعتقد أنّ لديها العديد من الخيارات التي تمكنها لاحقاً من التعامل مع إيران حتى وإن أصبحت إيران دولة نووية، فبالإمكان تطبيق سياسة الاحتواء والردع النووي في أسوء الأحوال، وهو ترف لا تتمتع به الدول العربية على سبيل المثال.
على أي حال، وبالعودة إلى قائمة التنازلات، يتضمن أحد البنود التي تم عرضها على الجانب الإيراني وأكّدها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في تصريح له مؤخراً، تحديد الاتفاق زمنياً بعشر سنوات، ما يعني أنّه وبغض النظر عمّا يأتي في مضمون أي اتفاق، فإن العمل به سينتهي خلال فترة معيّنة وبعدها تصبح إيران رسمياً بحلٍّ كامل منه، ويعترف بشرعية مسارها النووي الكبير وما ينجم عنه.
عند مناقشة الجانب الأمريكي في تبريرات هذا العرض، ولماذا يتم تحديد الاتفاق زمنياً، برز تبرير غريب من إدارة أوباما لا يمكن فهمه على الإطلاق، على الأقل بالنسبة إلى من يعتبرون أن الإدارة الأمريكية وسائر المؤسسات الرسمية المنوط بها صنع القرار أو تنفيذه، إنما تقوم بذلك بناءً على معطيات علمية أو تقديرات مبنيّة على معلومات مؤكدة، وليس بناءً على الأمنيات أو التنجيم أو ادعاء المعرفة بعلم الغيب.
إدارة أوباما تعتقد أنّه من الممكن تأجيل امتلاك إيران للقنبلة النووية عشر سنوات من خلال الاتفاق الذي تعرضه عليها، وأنّه وخلال هذه المدة سيكون المرشد الحالي علي الخامنئي قد مات لأنه يعاني من مرض السرطان، وعندها من الممكن أن يتحول النظام الإيراني إلى نظام معتدل يبحث عن مصالحه الاقتصادية خاصّة أن تخفيف العقوبات وصولاً إلى رفعها سيكون قد أغرى النظام بالانخراط في المنظومة الاقتصادية العالمية والسعي إلى الرفاه والتخلي عن العداء لأمريكا والأحلام الثورية للسيطرة والهيمنة على الشرق الأوسط!!
هذا سيناريو جميل، لكن هل هناك شيء ملموس بخصوصه على الأرض؟ بالطبع لا، فهو محض خيال ويستند إلى أمنيات، ولا ضمانات بخصوصه، وهو أشبه ما يكون بمن يرهن سياساته بخروج المهدي المنتظر من السرداب. نسمع منذ سنوات بأنّ الخامنئي سيموت بسبب مرض السرطان، وفي النهاية فهو سيموت عاجلاً أم آجلاً، لكن من قال إنّ الموضوع سينتهي عنده ولن يخلفه مثلاً مرشد آخر مثله أو أكثر تعصباً منه؟ ومن قال إنّ إيران ستتحول في 10 سنوات إلى دولة معتدلة؟ أين سيذهب الحرس الثوري الحاكم الحقيقي للبلاد؟
أضف إلى ذلك أنّ هناك عدّة تساؤلات موضوعية، ومنها:
أولاً: من قال إنّ إيران ستلتزم حتماً باتفاق لمدة عشر سنوات، وأنها لن تستغل هذه الفترة لتحقيق تقدّم ربما في مسار سرّي آخر لتقليص الفترة اللازمة لحصولها على القنبلة النووية، وعندها لن يكون باستطاعة العالم فعل شيء. البعض قد يتّهم الكاتب هنا بأنّه سلبي وأنه يبني هذا الاتهام على فرضيات أيضاً، ولكن الحقيقة أنّه وخلال العقد ونصف الماضيين تقريباً، كل المعلومات المهمة التي تمّ الحصول عليها عن برنامج إيران النووي بما فيه منشأة البلوتونيوم ومنشأة فوردو النووية تمّ كشفها بمعلومات استخباراتية وليس بتطوّع إيراني أو بالتزام بالشفافية من قبل النظام في طهران.
وخلال كل هذه الفترة، كان يتم الكشف دوماً عن معلومات تشير إلى عمل إيران على برامج سرّية موازية لتلك العلنية. حتى خلال المفاوضات الحالية، لم يختلف الأمر كثيراً، إذ كشفت منظمة “مجاهدي خلق” المعارضة للنظام الإيراني بتاريخ 24 فبراير 2015 عن امتلاك النظام الإيراني لموقع نووي سري جديد في قاعدة عسكرية شمال شرق العاصمة يدعى “لفيزان-3″و يستخدم لتخصيب اليورانيوم.
ثانياً: استلمت إيران من الولايات المتحدة منذ بدء الاتفاق التمهيدي وحتى اليوم قرابة 12 مليار دولار، لكن لا يوجد ضمانة في حال التوصل إلى اتفاق شامل بأنّ إيران لن تستخدم الأموال التي تأتي من الاتفاق أو من تخفيف العقوبات أو من انتعاش صناعتها النفطية بعد إزالة العقوبات بشكل كامل في دعم الحرس الثوري والميليشيات الشيعية المسلحة المنتشرة في المنطقة بطولها وعرضها، لتعزز من سيطرتها المباشرة على الأرض.
وفي حال حصول ذلك، ماذا ستفعل الإدارة الأمريكية؟ هل ستلغي الاتفاق؟ إذا فعلت ستكون إيران في موقع أفضل حينها من موقعها الذي هي عليه اليوم ومن موقعها الذي بدأت فيه المفاوضات نهاية عام 2013، وبالتالي يكون أوباما قد ضيّع الوقت فقط. هل سيقوم بمعاقبة إيران؟ عندها قد تكون إيران هي من يقرر الانسحاب من الاتفاقية، ونصل إلى النتيجة السابقة نفسها.
ثالثاً: إذا افترضنا التزام إيران الكامل والتام بأي اتفاق يعرضه أوباما عليها، هل هناك تصور للكيفية التي يمكن من خلالها إجبار إيران على التراجع عن إرهابها الذي تمارسه في المنطقة عبر سياساتها الطائفية أو عبر حرسها الثوري أو ميليشياتها المسلحة؟ بالطبع لا يوجد تصوّر، وكل ما هو موجود هو أمنيات بأنّ يؤدي الاتفاق النووي إلى إقناع إيران بالتعاون في ملفات أخرى. وزير الخارجية الأمريكية جون كيري وفي معرض طمأنته لدول الخليج خلال زيارة للمملكة العربية السعودية مؤخراً قال إنّه ليست هناك صفقة كبرى مع طهران، وإنه لن يتغير شيء في اليوم التالي من الاتفاق النووي معها، وإن واشنطن ستراقب عن كثب أعمال إيران التي تؤدي إلى زعزة الأمن والاستقرار في المنطقة.
كيري وفي معرض الطمأنة يؤكد ما قلناه من أنه ليس هناك تصور لكيفية مواجهة السياسات التدميرية الإيرانية في المنطقة حتى بعد التوصل إلى اتفاق نووي معها، وكل ما ستفعله واشنطن حينها كما قال هو بنفسه مجرّد “المراقبة عن كثب” فقط لا غير.
السورية نت
ياسر سعد الدين
إبراهيم حميدي
محمد عمار نحاس
أكرم البني
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة