مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 2846
شـــــارك المادة
أطلق الناشطون مؤخراً حملة "أنقذوا البقيّة" للتضامن مع المعتقَلين، وهي أقل ما يمكن عمله وفاءً لجنود الثورة المجهولين الذين غيّبَتهم السجونُ والمعتقلات. ولكن هذه الحملة اقتصرت على المطالبة بإطلاق معتقَلينا في سجون النظام، لماذا؟ هل قامت الثورة لتمنع النظامَ وحدَه من الظلم والعدوان، أم قامت لرفع الظلم مطلقاً ودفع عدوان المعتدي كائناً مَن كان؟ هل يكون الظلم حراماً إذا ارتكبه نظام الاحتلال الأسدي ويصبح حلالاً إذا قام به فصيل من الفصائل الثورية باسم الثورة أو باسم الإسلام؟
إن الظلم حرام مطلقاً وهو جريمة قبيحة فظيعة، وأشدّ ما يكون قبحاً وفظاعة إذا ارتُكب باسم الثورة أو باسم الوطنية أو باسم الدين. وإذا كان الشعب السوري قد ثار على نظام ظالم اسمُه نظام الأسد فإنه مستعد -من باب أَولى- أن يثور على كل فصيل ظالم يعتدي على الناس بغير حق، ويظلم فيعتقل ويعذّب الأبرياء على الظِنّة والشبهة أو في سبيل الانتقام. لقد علمتنا الثورة أنه لا نومَ بعد اليوم على ظلم ولا سكوتَ عن عدوان.
لقد دفع أحرار سوريا ثمناً هائلاً لاستعادة حريتهم وكرامتهم وإنسانيتهم المَسفوحة، فقدّموا من أنفسهم مئات الآلاف من الشهداء والمعتقلين، وما يزالون مستعدين لتقديم المزيد لكيلا يستبدلوا بالمستبدّ القديم أنواعاً وأشكالاً وألواناً من الاستبداد الجديد. وإذا كنا عاجزين عن تحرير أسرانا ومعتقَلينا في سجون الأسد فلا ينبغي أن نعجز عن تحرير الأسرى والمعتقَلين الذين يوجد المئاتُ منهم في سجون الفصائل الثورية المختلفة.
* * *
سوف أعتمد في هذه المقالة على الإحصاءات التي نشرَتها "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في تقريرها السنوي الأخير، مع علمي بأن الحقيقة أسوأ بكثير، لأن تقارير الشبكة (وهي مصدرٌ دقيق وموثوق) تتّسم بالتحفظ والحياد، فلا تنشر إلا ما تنجح في توثيقه توثيقاً كاملاً.
وردت في تقرير الشبكة عن العام الماضي (2014) تفصيلاتٌ مخيفة عن تجاوزات الفصائل الثورية تتضمن قتل واعتقال وتعذيب المدنيين، وبعض هذه التجاوزات من نوع مُعيب لا يمكن ولا يجوز السكوت عنه بحال، وهو اعتقال النساء. لئن احتملنا (ولن نفعل) أن تُنشئ الفصائلُ الثورية سجونَها ومحاكمها الخاصة فتعتقل الرجال اعتقالات عشوائية، فهل يُعقَل أن نحتمل إهانة النساء وأن نسكت عن جَرّ حرائرنا إلى الاعتقال على يد مَن كنا نتمنى أن يقصر بأسَه وقوته على العدو الصريح؟
حسبما جاء في تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فقد بلغ عدد معتقَلي النظام خلال العام الماضي 15900 شخص، بينهم 1200 من النساء و800 من الأطفال، وقد استُشهد تحت التعذيب 1993 من المعتقلين من بينهم 9 نساء. وبلغ عدد معتقَلي داعش 1800، منهم 210 من النساء و20 من الأطفال، واستشهد في سجونها 20 معتقَلاً تحت التعذيب. واعتقلت المليشيات الكردية 580 مدنياً، منهم 19 من النساء و48 من الأطفال، واستشهد في معتقلاتها أربعة تحت التعذيب.
ذلك هو "سجل العار" الذي يحتوي على تجاوزات الأعداء. ولكن ماذا عن الآخرين، مَن يُفترَض أنهم ثوار ومجاهدون يدافعون عن الشعب المكلوم المظلوم ويردّون عنه العدوان؟ لقد بلغ عدد المدنيين الذين اعتقلتهم جبهة النصرة في السنة الماضية 950، منهم 21 امرأة و36 طفلاً، وأقدمت بقيةُ الفصائل والقُوى الثورية مجتمعةً على اعتقال 650 شخصاً بينهم 11 امرأة و16 من الأطفال.
دعونا من النظام وداعش، لن نطالبهما بإطلاق المعتقلين لأنهما لا يفهمان لغة الرحمة والإنسانية ولا يخاطبَان إلا بالحديد والنار والسيف البتّار، ولن يُعيبهما قتلُ الأبرياء واعتقال النساء لأن البقعة السوداء لا تظهر على الثوب الأسود، لأنّ وجودَهما كلَّه عيبٌ وحرام من الأساس، فلا يُفيد فيهما إصلاح وليس لهما علاج إلا الاستئصال.
لن نتعب أنفسنا بإطلاق حملات نطالب فيها داعش ونظام الأسد باحترام حقوق الإنسان وهما مجردان من الإنسانية، ولا بمراعاة القانون ونحن نعلم أن وجودهما من أصله مخالف للقانون، إنما نخاطب إخواننا في الكتائب والفصائل الثورية المقاتلة كلها بلا استثناء، فنقول:
إنّ فضل جهادكم لا يسوّغ لكم ظلم الناس، وإن أول الظلم أن يَخلط المجاهدون بين القتال والحكم والقضاء، فيحسبوا أن الجهاد يمنح أصحابَه الحقَّ في التسلط على الناس واعتقالهم والتحقيق معهم وإصدار الأحكام عليهم وتنفيذ الأحكام. هذا كله اعتداء سافر من أهل الجهاد على أعظم أجهزة الدولة الحرّة وأهمّ ما تملكه الأمة من حصونٍ وحصانات ضد الظلم والطغيان: جهاز القضاء المستقل عن القوة التنفيذية والمهيمن عليها وعلى سائر الناس.
إننا نطالب الفصائل كلها بالتوقف عن تلك الممارسات، ونطالبها بتبييض سجونها وإطلاق مَن فيها من المعتقَلين على الفور، أو إحالتهم بلا تأخير إلى الأجهزة القضائية الشرعية المستقلة إذا كانوا متورطين في مخالفات جنائية أو شرعية أو ثورية. وكما ثار أحرارُ سوريا على ظلم النظام فإنني أدعوهم إلى الثورة على كل ظلم، فلا يجوز أن يسكت الأحرار عن أي اعتقال عشوائي خارج القضاء كائناً المسؤولُ عنه مَن يكون، ولا سيّما إذا مَسّ النساء. يا للعار! أيرضى شعبٌ ثار على واحد من أسوأ وأشرس الأنظمة القمعية في التاريخ بأن يَعتقل ثوّارُه حرائرَه فيبِتْنَ في السجون والمعتقلات؟ لا والله لا يكون، ولا نامت أعين الجبناء!
(وللحديث بقية)
#الموجة_الثانية_للثورة
#فكّوا_العاني
#أطلقوا_المعتقلين
#الظلم_ظلمات
#الاعتقال_منوط_بالقضاء
#القضاء_المستقل_أساس_العدل
الزلزال السوري
رضوان الأخرس
مجلة نور الشام
مهدي الحموي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة