مجدي داود
تصدير المادة
المشاهدات : 2983
شـــــارك المادة
بينما كان العالم يترقب الإعلان عن نتيجة المفاوضات بين مجموعة "الخمس + واحد" وإيران حول الملف النووي الإيراني في الرابع والعشرين من نوفمبر المنصرم، إذ به يفاجأ بقرار الطرفين تمديد المفاوضات حتى نهاية يونيو المقبل أي أكثر من سبعة أشهر أخرى، دافعت عنها الأطراف المختلفة بقوة ورفضت الانتقادات التي وجهت لها، وقال وزير الخارجية الأمريكي في هذا السياق إن اتفاقاً إطارياً سيتم التوصل إليه خلال 4 أشهر بين الطرفين، وآخر شاملاً خلال 7 أشهر.
هذه المفاوضات بدأت في نوفمبر 2013 بعد الوصول إلى اتفاق مرحلي في ذلك الوقت، وتم الاتفاق على مهلة عام للوصول إلى اتفاق نهائي، لكن –وبحسب ما أعلنته الأطراف المختلفة- ظهرت بعض نقاط الخلاف بين الطرفين أدت إلى الاتفاق على تمديد المفاوضات سبعة أشهر أخرى.
الأسباب التي أعلن عنها لتمديد المفاوضات تبدو واهية في ظل سرية المفاوضات وحالة النشوة الإيرانية تجاه هذا الاتفاق، ويبدو أن هناك أموراً تدور في الخفاء بين الأطراف ذات المصلحة، وبشكل خاص بين الولايات المتحدة وإيران، لا يراد له أن يظهر لأطراف أخرى تخشى هذا الاتفاق، وأعني بالتحديد دول الخليج العربي.
المراوغة من أجل الإنجاز:
تدرك إيران جيداً أن توقيعها على اتفاق حول البرنامج النووي مع الدول الغربية يعني فرض مزيد من القيود على برنامجها وبقائه تحت أعين الدول الغربية بشكل واضح ودون مناورة ومراوغة كما فعلت سابقاً وتفعل حتى الآن، وهذا سيؤدي إلى تعطيل حلمها النووي بشكل كبير، وهي تخوض حرباً دبلوماسية شرسة لتقليل القيود التي سيتم فرضها على برنامجها النووي، حتى تستطيع السير فيه بخطوات تراها معقولة.
كما أن التمديد لعدة أشهر أخرى، بعد السنوات الكثيرة الماضية، يتيح لها الفرصة لكي تمضي قدماً في البرنامج النووي بوتيرة سريعة وتقطع مراحل متعددة فيه، بعيداً عن أعين المجتمع الدولي، حتى إذا جاء الاتفاق الأخير، تكون قد قطعت فيه شوطاً كبيراً ولا يبقى لها إلا القليل لتصبح ضمن الدول النووية، وحينها ستفرض أمراً واقعاً على المجتمع الدولي القبول به شاء أم أبى.
التفاوض حول النفوذ:
من السذاجة الاعتقاد بأن إيران ستقبل تقييد برنامجها النووي ضمن اتفاق دولي هكذا بدون مقابل كبير يرضي رغباتها وطموحاتها في المنطقة كلها، فإيران دولة لها مشروع قومي حقيقي، تسعى إلى تحقيقه عبر كافة الوسائل المتاحة لها سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، ولعل التدخلات الإيرانية في المنطقة خلال السنوات الماضية دليل على هذه الحقيقة، وبالتالي فلا يمكن أن نتصور أن إيران ستتراجع عن هذا المشروع القومي بعد كل ما حدث وبعد الخطوات الكبيرة التي تم تحقيقها خلال الفترات الماضية.
يمكن القول إن إيران تمسك بورقة الملف النووي الإيراني حتى يتم الاتفاق على بقية التفاصيل المتعلقة بنفوذها في المنطقة بما يحقق مشروعها القومي، وهذا يتطلب منها المزيد من المناورة والمراوغة لكسب الوقت للمزيد من الإنجازات في اتجاه تقوية نفوذها وترسيخ أقدامها وذلك على النحو المذكور أدناه باختصار.
التمدد الإيراني بالعراق:
من الواضح لكل متابع للأحداث التي تشهدها المنطقة أن إيران لها دور ونفوذ قوي في العراق، وهذا الأمر يزعج أمريكا التي تخشى من أن يعود هذا النفوذ الإيراني بالسلب على مصالحها الكثيرة في العراق، وقد تصدت الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة للنفوذ الإيراني من خلال الإطاحة برئيس الوزراء السابق نوري المالكي المعروف بولائه الشديد لإيران وأجهضت محاولته الانقلاب على حكومة "حيدر العبادي" اللاحقة لحكومته.
وتريد إيران الوصول إلى تفاهم مع الولايات المتحدة حول مدى نفوذها ودورها في العراق، وعدم قيام الولايات المتحدة بالضغط على السلطات العراقية لحل الميليشيات الشيعية على سبيل المثال، أو إزاحة الموالين لها من المناصب المهمة والمواقع الحساسة في الأجهزة الأمنية والعسكرية العراقية، وأي أمر من شأنه التأثير على النفوذ الإيراني.
المصالح الإيرانية في سوريا:
إيران لها دور ونفوذ كبير في سوريا، وهذا النفوذ تعزز بشكل واضح وكبير بعد بدء الثورة السورية على نظام الأسد، وقد اعترف قادة إيران أنه لولا وقوفهم إلى جانب النظام السوري لسقط بعد أشهر قليلة فقط من بدء الثورة، بل بعض التقارير باتت تتحدث بأن إيران هي اللاعب الأساسي في سوريا وأنها هي التي تقود المعارك وتحرك سياسة النظام المترهل الذي فقد نحو نصف جيشه تقريباً، ورفضت إيران أية محاولات أو إغراءات للتخلي عن سقوط النظام حتى اللحظة.
مع مرور الوقت وتحول الثورة السورية إلى ثورة مسلحة، ثم تعدد التنظيمات المسلحة إلى فصائل وكتائب شتى بدلاً من "الجيش السوري الحر" فقط، بدا واضحا أن نظام الأسد زائل لا محالة، وظهرت بعض التسريبات أن إيران مستعدة للتخلي عن الأسد ولكن وفق تسوية معينة، ومع بروز نجم تنظيم داعش وسيطرته على مساحات شاسعة من العراق وسوريا، وقيام التحالف الدولي ضده، وفشله حتى الآن في تحقيق إنجاز ملموس على الصعيد الميداني، فقد تعزز الاعتقاد بحتمية زوال النظام السوري، وأن ما يجري الآن في سوريا هو صراع على شكل الدولة السورية بعد زوال النظام، والمنتصر في هذا الصراع هو الذي سيحدد شكل الدولة.
إيران تريد أن تحتفظ بنفوذ قوي في سوريا ما بعد الأسد، نفوذ يضمن لها استمرارية الهلال الشيعي بل وتعزيزه، حيث أن سوريا هي ركن أساسي في ذلك الهلال، وإن خرجت سوريا عن السيطرة الإيرانية فقد انكسر الهلال الشيعي، وخسر أيضاً طرف الهلال الآخر وأعني به حزب الله اللبناني الذي يستمد قوته من سلاحه الذي يصل إليه من إيران عبر سوريا.
تدرك إيران جيداً أن الولايات المتحدة التي تسعى جاهدة إلى إيجاد حلفاء وأتباع عسكريين وسياسيين في سوريا وأن يكون هؤلاء الأتباع هم حكام سوريا ما بعد الأسد، وبالطبع هؤلاء لن يكونوا أتباعاً لإيران أو موالين لها، ولكي تحافظ على مصالحها ونفوذها فلابد من الاتفاق على ذلك مع الولايات المتحدة، ولأنها تدرك أنها لن تستطيع إجبار الولايات المتحدة على هذا الاتفاق لاحقاً، فهي تتمسك بورقة الملف النووي حتى الوصول إلى هذا الاتفاق.
الحوثيون وابتلاع اليمن:
قبل أسابيع قليلة احتل الحوثيون الشيعة في اليمن العاصمة اليمنية صنعاء، واقتحموا كافة مؤسسات الدولة وسيطروا عليها، وأسقطوا الحكومة الموجودة آنذاك وأجبروا السلطة على توقيع اتفاق معهم، لم تحصل من خلاله السلطة على شيء بينما حصل الحوثيون على سند شرعي لوجودهم وتحركاتهم وأفعالهم.
سيطرة الحوثيين على اليمن تشكل نصراً كبيراً لإيران وتقدماً واضحاً في سبيل تحقيق مشروعها القومي، ولا يتسع المجال لتوضيح أهمية هذا الأمر، ويكفينا هنا التذكير أن الحوثيين سيطروا على اليمن ما جعل الخليج العربي بين فكي كماشة، ومن ثم تحاصر إيران دول الخليج من الشمال والجنوب والشرق، وتصبح قادرة أيضا على التحكم أو إثارة الفوضى والقلاقل في مضيق باب المندب ومضيق هرمز، وهما ممران مائيان مهمان جداً.
رغم أن الولايات المتحدة غضت الطرف عما فعله الحوثيون في اليمن، إلا من بيان صحفي لا قيمة له، بل وتسربت معلومات من دبلوماسيين وسياسيين غربيين أن ثمة اتفاقاً بين إيران وأمريكا على غض الطرف عما حدث باليمن وأن هناك اتصالات بين أمريكا والحوثيين، إلا أن إيران تخشى من تغير الموقف الأمريكي في ظل تزايد المخاوف الخليجية من تصاعد نفوذ الحوثيين، وبالتالي فهي تريد إعطاء مهلة لأتباعها في اليمن لإحكام السيطرة على البلاد من شمالها لجنوبها ومن شرقها لغربها، وقد بدأ الحوثيون خلال الأيام الماضية حيلة ذكية لتقنين الانقلاب الذي قاموا به من خلال فتح حوار مع حزب الإصلاح اليمني "الإخوان المسلمين" وهو الخصم السياسي القوي المناوئ لهم وهو أيضاً من أهل السنة، وهو ما سيعد حجة بيدهم أنهم لا يخوضون صراعاً طائفياً باليمن، مما يسهل مهمتهم بالسيطرة على البلاد.
من خلال هذا السرد يتضح لنا خطورة مفاوضات الملف النووي الإيراني السرية وتمديدها سبعة أشهر أخرى، وأن الملف النووي ذاته ليس سوى الستار الذي تدار خلفه كل هذه المؤامرات والمساومات بين الأطراف ذات المصلحة وذات النفوذ في المنطقة، وذلك كله على حساب أهل السنة والجماعة ومصالحهم ودمائهم.
مفكرة الاسلام
عبيدة عامر
حسين عبد العزيز
لقمان الحكيم
علي عيد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة