عامر البوسلامة
تصدير المادة
المشاهدات : 3395
شـــــارك المادة
العمل، هذه الكلمة الدافئة، التي تحمل في جرسها، مشاعر تحقيق الذات، المليئة بالعطاء، والذخر يوم اللقاء، إنها نداء الفطرة، وبرنامج الحياة، والشعور بإنسانية الإنسان، وبها كان التكليف، وهي التي لولاها لكان الضياع، بها تكون السعادة، ولأجلها تقبل الأيدي الخشنة، فلا غرو! فالعمل هو البناء، وهو صناعة الحياة.
ما أجمل قول الله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) (التوبة:105).
ولا يكون العمل بهذه المنزلة، إلا إذا كان إيجابياً، يقوم على قواعد الرشد، ويحمل معاني القيم الفاضلة، و"أجندات" الفضيلة، ومعالم الصلاح، ومحطات زاد الأمل، الذي لا يعرف اليأس، يدرك فريضة الوقت، ويستوعب واجب الساعة، يستند إلى الماضي، ويقف على الحاضر، ويستشرف المستقبل، يقوم على التخطيط، ويرسم الأهداف بعناية، ويعملون على الأخذ بالسنن الكونية، وليت شعري!
أي شيء في الوجود ينطبق عليه هذا الوصف، أكثر من العمل الإسلامي، من هنا كان العمل مقروناً بالإيمان؛ "آمنوا وعملوا"، والعمل مفردة من مفردات الإيمان، يزيد الإيمان بالعمل الصالح، وينقص بالمعاصي.
وأشنع شيء في حياة المسلم الكسل، وأبشع صورة من صوره الكسالى، أولئك الذين يضيعون أوقاتهم بالقيل والقال، وكثرة المراء، واستمرار الجدل، يتسكعون في دروب الضياع، فهم يمثلون حالة العالة، الذين يتكففون الناس، ويعيشون على هامش الدنيا، وعلى أرصفة البطالة، وعلى موائد أصحاب المن بالأذى، فيذوقون ضريبة ضياعهم وشرودهم، وآثروا أن تكون يدهم سفلى، وحرموا شرف اليد العليا، لا همَّ له سوى نفسه، يحب بطنه، ويعشق مصالحه، ويعيش نشوة أنانيته، فهذا والله سبة وعار.
العمل الإسلامي ليس حبيس زاوية من زوايا الحياة، ولا أنيس جليس منفرد على قارعة طريق الدنيا، المتفجرة بالمتغيرات، بل هو يشمل مفردات الحاجة البشرية، تحقيقاً لمعاني الكرامة والحرية والحقوق، والعبودية لله رب العالمين، فيه المسجد، والمشفى، والجامعة، والمصنع، والمركز البحثي، وفنون العمارة، ورائعات الذوق الرفيع، والحدائق والمزارع والبساتين الغناء، والأسواق المتنوعة، لك في بابه، وقد اختص بجانب من جوانب التجارة أو الصناعة، ترى فيه الصناعات التقليدية، وتشاهد في بعض جوانبه معاهد غزو الفضاء، مراكز حقوق الإنسان، والدفاع عن الحريات، ونصرة المظلومين، شغلهم الشاغل، الذي لا يقطعهم عنه، ظلم ذوي القربى، ولا تهديد السلطان، نشروا التواصل مع الناس، فبنوا مؤسسات المجتمع الأهلي، خدمة للناس، وارتفاعاً بهم إلى سلم المعالي، سعادتهم خدمة الآخرين، وقانونهم "خير الناس أنفعهم للناس".
وأصحابه لا يعيشون في الكهوف، ولا اختاروا مغارة من مغارات السلب، يختبئون وراء ظلها، بل هم من شمر عن ساعد الجد، وشدوا المآزر، وأيقظوا الناس، فرسان النهار، في كل شعب الحياة، لا يلينون، ولا يستهترون، يدركون قيمة الزمن، ويعرفون قدر الوقت، ويرتبون أولوياتهم ضمن رؤى كلية، يتنبتون بذور الأشجار المزهرة القادمة التي أصلها ثابت، وفرعها في السماء، يؤمنون بأن الحياة عقيدة وجهاد، وكفاح من أجل تحقيق الشهود الحضاري، على قيم الإسلام السمحة، التي ترفعت على العصبيات للون أو جنس، أو بلد وحدود جغرافية، بل أنشدوا أناشيد الثقة بالنفس.
ماضٍ، وأعرف ما دربي وما هدفي
والموت يرقص لي في كل منعطف
وما أبالي به حتى أحاذره
فخشية الموت عندي أبرد الطرف
ولا أبالي بأشواكٍ ولا محنٍ
على طريقي وبي عزمي، ولي شغفي
أنا الحسام، بريق الشمس في طرفٍ مني
وشفرة سيف الهند في طرف
ورب سيل لحون سال من كلمي
ورب سيل جحيم سال من صحفي
أهفو إلى جنة الفردوس محترقاً
بنار شوقي إلى الأوفياء والغرف
يا دهر! ماذا من الأيام أطمع
في سعودهن؟ وما فيهن يطمع في؟
مضى الذين شغاف القلب يعشقهم
من الأحبة، من حولي، فوا لهفي!
وصرت حقل هشيم غربة وأسىً
يجتاحني شرر التحنان والأسف
وا حرّ شوقي إليهم كلما هجست نفسي
ونفسي بهم مجنونة الكلف
إني سئمت هوى الدنيا وزهرتها
ومل قلبي ذراً روضاتها الأنف
وقد بلوت لياليها وأنهرها
فتىً وحزت لآليها من الصدف
فلم أجد غير درب الله درب هدىً
وغير ينبوعها نبعـاً لمغــــترفِ
فطرت أسعى إليه أبتغي تلفي به
ورب خلودٍ كان في تلفِ
والناس تصرخ أجحم، والوغى نشبتْ
والله يهتف بي: أقدم ولا تخفِ
ماضٍ، فلو كنتُ وحدي والدنا صرختْ بي
قِفْ، لسرتُ فلم أبطئ ولم أقِفِ
وفي الليل رهبان.. التوكل على الله إمامهم، يطبقون قاعدة "اعقلها وتوكل"، ويفقهون حقيقة التوكل على أنها بناء كبير، في فضاءات واسعة، تجمع بين الجهد البشري، والتوفيق الإلهي، وينبذون التواكل، ويرفضون نظرية "الجبرية"، بل يعملون بقواعد السياسية الشرعية، ونظروا إلى ما حولهم، ومن يحيط بهم، فرسموا الخطط، ووضعوا البرامج، واشتغلوا بالراجح من مصالح العباد.
يقول ابن القيم رحمه الله:
ومن له ذوق في الشريعة، واطلاع على كمالاتها، وتضمنها لغاية مصالح العباد في المعاش والمعاد ومجيئها بغاية العدل الذي يسع الخلائق، وأنه لا عدل فوق عدلها، ولا مصلحة فوق ما تضمنته من المصالح، تبين له أن السياسة العادلة جزء من أجزائها وفرع من فروعها، وأن من له معرفة بمقاصدها ووضعها، وحسن فهمه فيها؛ لم يحتج معها إلى سياسة غيرها البتة.
فإن السياسة نوعان:
المجتمع
ناصر العمر
جاسم المطوع
خالد روشه
رابطة خطباء الشام
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة