علي صلاح
تصدير المادة
المشاهدات : 2908
شـــــارك المادة
لا يمكن أن ينظر إلى الأمر على أنه محض مصادفة, إلا من قبل بعض السذج أو المخدوعين, أما من يتدبر ما يجري لأهل السنة في المنطقة, منذ سنوات طويلة ومتصاعدة مؤخراً, فيرى حرباً مدبرة ومرتبة بشكل منهجي واضح.
ورغم أن عدداً من علماء أهل السنة قد حذروا من ذلك في بدايات الحرب, إلا أنهم تعرضوا لحملة شديدة من جهات عديدة, ركزت على ما أسموه "البعد الطائفي" أو "إلهاء الرأي العام عن المخططات الحقيقية التي تراد بالمنطقة من الغرب", فإذا بهذا الغرب ينضم إلى الرافضة في حربهم ضد أهل السنة بشكل صريح, ويشن حملة واسعة لتحجيمهم, وفرض أمر واقع جديد عليهم في منطقة يمثلون فيها الغالبية العظمى.
الأمر لم يبدأ كما يظن البعض مع الحوثيين باليمن, ولا مع حزب الله في لبنان, ولكنه بدأ قبل ذلك بكثير, عندما قامت ثورة الخميني الشيعية في إيران في نهاية السبعينيات من القرن الميلادي الماضي تحت رعاية غربية خلافاً لما يقال.
فقد كان الخميني مقيماً في فرنسا ويمارس أنشطته السياسية بحرية واضحة, وعندما تبين الغرب أن ورقة الشاه قد حرقت واستنفدت أغراضها, دعموا ثورة الخميني كمسمار شيعي طائفي توسعي في جسد الأمة السنية, من أجل أن يمارسوا من خلاله عدة أهداف استراتيجية وهامة بالنسبة لهم, منها تخويف الدول السنية وإجبارها على اللجوء إليهم لحمايتهم من العدو الجديد.
ومن هنا نفهم كيف اندلعت الحرب بين إيران والعراق؟, وكان السلاح الغربي يتدفق على الطرفين معاً رغم الخلافات الإعلامية العلنية التي كانت تدور وقتها بين طهران والغرب.
كذلك سعى الغرب من خلال زرع جمهورية الخميني في المنطقة, لتخفيف الضغط على "إسرائيل", وإشغال العرب بعدو جديد, لإفساح المجال للكيان المغتصب, للتوسع وتهجير المزيد من اليهود إليه.
ليس هذا فحسب, إنما وجود قوة جديدة في المنطقة لها أطماع يخدم الغرب الذي يركز في سياساته في مناطق نفوذه ومصالحه على تفجير الصراعات وضرب الأطراف بعضها ببعض, حتى يستغل هذا الاضطراب في بيع المزيد من الأسلحة والعتاد, وتسهيل نشر قواته في حال وجد أن مصالحه في قد تتعرض لخطر مباشر.
لقد منحت أمريكا الضوء الأخضر لنظام صدام حسين في العراق لكي يغزو الكويت عن طريق سفيرتها ببغداد, بعد أن كانت الحرب بين إيران والعراق, والتي استمرت عدة سنوات قد توقفت, وأدى هذا الغزو إلى فتح الباب على مصراعيه للتدخل الأمريكي بقوات لم تعرفها المنطقة من قبل, كما أدى إلى إضعاف العراق تماماً, وتهييج الصراعات بينه وبين دول جواره السنية التي دعمته في حربه ضد إيران.
وبعد وقت قصير, تم غزو العراق بدعوى وجود أسلحة دمار شامل وبدعم وتسهيل من إيران وطابورها الخامس في العراق, وقام الاحتلال بمحاربة أهل السنة واعتقالهم وتعذيبهم واتهامهم "بالإرهاب" طوال فترة بقائه المكثفة في العراق, بينما مهد التربة للوجود الإيراني في العراق سياسياً عبر تصعيد حلفائه وعسكرياً بغض الطرف عن المليشيات المسلحة التابعة له, والتي نفذت مجازر واسعة ضد أهل السنة, وأجبرت الآلاف منهم على الهجرة من مناطقهم, وعندما ظن الاحتلال أن الأمر قد استتب للشيعة في العراق غادر البلاد بعد تسليمها لحلفائه الجدد.
وبغض النظر عن داعش, وهل هي صنيعة أمريكية أم حقيقة, فإن انتفاضة أهل السنة على رئيس الوزراء العراقي الطائفي نوري المالكي, أفزعت الغرب وإيران معاً خوفاً من ضياع العراق من بين أيديهما, وهنا جاءت الحملة الأمريكية الجديدة في العراق.
أما في سوريا فالوضع قد يبدو معقداً للوهلة الأولى, فواشنطن تعلن أنها لا تريد بشار الأسد الحليف الرئيسي لإيران, وفي نفس الوقت هي لا تريد للمعارضة أن تنتصر بحجة أن معظمها من "المتطرفين", ولكن الحقيقة أن الولايات المتحدة ومعها بقية الدول الغربية تأكدت أنه ليس من المصلحة التضحية بالأسد, على الأقل الآن, ليس حباً فيه, ولا من أجل صفقة جديدة مع طهران فقط, ولكن لأنها لا تضمن البديل القادم ومدى إمكانية التعامل معه.
مغازلة الغرب لطهران بشكل علني زادت في الفترة الأخيرة, ليس على الصعيد الأمريكي وحده, ولكن على الصعيد البريطاني أيضاً, ولم تمانع دوائر سياسية أمريكية من مشاركة إيران في التحالف الأمريكي ضد داعش.
وبديهي أن إيران لن تشارك في تحالف لا يخدم أغراضها, وبقاء النظام الموالي لها في سوريا حتى وإن ذهب رأسه ممثلة في بشار الاسد ـ كما يقال الآن في بعض التحليلات ـ ولا يهم هنا ماذا فعل نظام الأسد بمعاونة الحرس الثوري الإيراني بملايين السنة ولا كم قتل وعذب واعتقل منهم خلال 3 سنوات وأكثر!
الأمر لا يقف عند هذا الحد, بل إن حزب الله يقاتل علناً في سوريا دفاعاً عن نظام الأسد, وهو مشارك في الحكومة اللبنانية الحالية والسابقة وموجود في البرلمان, ومع ذلك لا تمارس عليه أي ضغوط من قبل الغرب بل يستغل وضعه السياسي في لبنان من أجل مطاردة اللاجئين السوريين وكل من يشتبه في انتمائه للمعارضة, ويقوم الجيش اللبناني بدعم من مليشيات حزب الله بدك منازل أهل السنة في طرابلس وعرسال وقبل ذلك في صيدا دون أن توجه له أي انتقادات على الصعيد الدولي ويخرج أهل السنة للصراخ من الاضطهاد دون مجيب!
بل ويخشى الممثل السياسي لهم أن يتكلم عن حجم الاضطهاد الواقع عليهم خشية أن يتهم بالطائفية, أو أن يُغضب داعميه من الغرب.
وليس بعيداً عن ذلك ما نراه في الواقع اليمني, حيث قامت مليشيات الحوثيين الشيعية باحتلال البلاد, والسيطرة على عدة موانئ ومواقع نفطية هامة, واستولت على أسلحة وعتاد وذخائر بكميات كبيرة من مخازن الجيش, وتبين أن الحوثيين تمكنوا من اختراق الجيش والسيطرة على عدة فرق هامة بداخله تساعدهم في فرض قبضتهم على المدن والهجوم على منازل ومكاتب الأحزاب السنية المناوئة لهم.
ليس هذا فحسب, بل تقوم الطائرات الأمريكية بتوفير الغطاء الجوي للحوثيين خلال هجماتهم على القرى والمدن, ومع كل هذا يكتفي المجتمع الدولي بفرض عقوبات هزيلة على قياديين اثنين من الحوثيين مع الاعتراف بشرعيتهم عبر تباحث المبعوث الأممي لليمن جمال بن عمر معهم والنزول على رأيهم بشأن اختيار رئيس الحكومة.
وفي ظل هذا الجور على أهل السنة تتعرض مساجدهم ومدارسهم للمداهمات المستمرة بدعوى مطاردة "التكفيريين", وهي نفس الكلمة التي يستخدمها أمين عام حزب الله في لبنان حسن نصر الله ليغطي على جرائمه ضد أهل السنة في سوريا ولبنان, بل تستخدمها إيران لكي تصف بها أتباع الإمام محمد بن عبد الوهاب وتهاجم من خلالها المملكة العربية السعودية, وبقية الدول السنية المناهضة لسياساتها.
لقد انشغل أهل السنة بحروب فيما بينهم, وخلافات لا حصر لها, على قضايا سياسية واقتصادية ونزاعات على الحدود, بينما إيران تقوم بتنفيذ مخططاتها بخطوات ثابتة, وتستخدم كل أوراقها من أجل وضع الغرب في صفها عن طريق تضخيم المصالح المشتركة بينهما, وهذا لا يعني ضرورة تطابق المواقف والسياسات, ولكن هي لعبة مرتبطة بقدرة كل طرف على الوصول لما يريد بأقل تكلفة وهذا ما فشلت فيه الدول السنية حتى الآن رغم عظم إمكانياتها وكثرة عددها.
مفكرة الإسلام
أبو مضر
عبد الغني محمد المصري
أحمد موفق زيدان
مجاهد مأمون ديرانية
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة