رابطة خطباء الشام
تصدير المادة
المشاهدات : 4243
شـــــارك المادة
مقدمة: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ)[1]
وقد تحقق ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم واقعاً ملموساً، فكم لقي النبي من أنواع الأذى والصدِّ وأسباب اليأس، ولكنه صبر وثبت حتى لاقى ربه، وتابع المسيرة من بعده أصحابُه رضوان الله عليهم حتى أوصلوا دين الله إلى بقاع الأرض .
والذي ينبغي أن نكون عليه اليوم هو متابعة المسيرة مهما لقينا من إيذاء وصدٍّ، ومهما واجهنا من أسبابٍ لليأس والقنوط.
عناصر الخطبة:
1 – التجلد للعدو.
2 – الذكر والثبات.
3 – الدعاء من أسباب الثبات:
- حال النبي صلّى الله عليه و سلّم يوم بدر.
- حال النبي صلّى الله عليه و سلّم يوم الخندق.
4 - المعصية تؤثر في الثبات:
- إرشاد الله للصحابة في غزوة أحد.
5 - عدم الاغترار بالباطل.
6 - طريق الحق طويل.
******
1- التجلد للعدو:
نهى النبي صلّى الله عليه و سلّم عن تمني لقاء العدو، وذلك لأن المقصود من لقاء العدو ومقارعتِهم هو نصرةُ الإسلام، واللقاء قد يفضي إلى عكس ذلك فنهى عنه، أو لعل الكراهية مختصةٌ بمن يَثِقُ بقوته ويُعجبُ بنفسه[2]
ومع ذلك فإنه أوصى بالثبات إن حصل اللقاءُ، فقال صلّى الله عليه و سلّم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَاسْأَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه و سلّم، وَقَالَ: (اللهُمَّ، مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ).[3]
لذلك أمر الله سبحانه عباده بالثبات حين اللقاء فقال:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواوَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)الأنفال 45
قال ابن كثير رحمه الله:هَذَا تَعْلِيمُ اللَّهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ آدَابَ اللِّقَاءِ، وَطَرِيقَ الشَّجَاعَةِ عِنْدَ مُوَاجَهَةِ الْأَعْدَاءِ.[4]
وقال القرطبي رحمه الله:(فَاثْبُتُوا) أَمْرٌ بِالثَّبَاتِ عِنْدَ قِتَالِ الْكُفَّارِ، كَمَا فِي الْآيَةِ قَبْلَهَا النَّهْيُ عَنِ الْفِرَارِ عَنْهُمْ، فَالْتَقَى الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ عَلَى سَوَاءٍ. وَهَذَا تَأْكِيدٌ عَلَى الْوُقُوفِ لِلْعَدُوِّ وَالتَّجَلُّدِ لَهُ.[5]
2 – الذكر والثبات:
الله سبحانه و تعالى قَرَنَ الثباتَ في الحرب بكثرة ذكره (فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا)، وهنا لطيفة من اللطائف نجدها في قول النبي صلّى الله عليه و سلّم في الحديث القدسي: (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني،...).[6]
ومن كان الله معه فلن يُغلب؛ فالمسلمون يستمدون قوتهم من الله (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ) هود 66، والأعداء يستمدون قوتهم من الشيطان (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) النساء 76
(الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) النساء 76
قال تعالى: (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ...) البقرة 250 – 251
ولا شك أن الدعاء والتوجه إلى الله - تعالى - في مثل هذه الحال مما يزيد المؤمنَ المجاهدَ قوةً وعزيمةً ومصابرةً للشدائدِ.[7]
وخاصة إن كان العددُ قليلاً، كما كان حزب الإيمان من أصحاب طالوت في هذه الآية،[8] فكيف لو اجتمع قلةُ العدد مع قلةِ الناصرِ مع كثرةِ الخاذلِ مع قوةِ العدوِّ؟!
وهذا ما أرشد الله إليه المسلمين في غزوة أحد وقد أصابهم ما أصابهم، فضرب لهم مثل الأنبياء السابقين ومن قاتل معهم، وكيف صبروا على ما أصابهم في سبيل الله وماذا كان قولُهم؟ فقال تعالى:
(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ *وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ * فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ*) آل عمران 146 – 148
فكأن الله يقول لهم: [فهلا فعلتم وقلتم مثل ذلك يا أصحاب محمد؟ فأجاب دعاءهم وأعطاهم النصرَ والظفرَ والغنيمةَ في الدنيا، والمغفرةَ في الآخرة إذا صاروا إليها. وهكذا يفعل الله مع عباده المخلصين التائبين الصادقين الناصرين لدينه، الثابتين عند لقاء عدوه بوعدِه الحق، وقولِه الصدق: (والله يحب الصابرين)يعني الصابرين على الجهاد].[9]
حال النبي صلّى الله عليه و سلّم يوم بدر:
وهذا رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يوم بدرٍ يَضْرَعُ إلى الله بالدعاء وقد رأى كثرة عدد المشركين وقلة عدد المسلمين، فكيف كان حاله؟
روى مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: (لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلّى الله عليه و سلّمإلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثَ مائةٍ وتسعةَ عشرَ رجلاً، فاستقبل نبي الله صلّى الله عليه و سلّم القبلة، ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه: " اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض "، فما زال يهتف بربه، ماداً يديه مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدَتَكَ ربَّكَ، فإنه سيُنجزُ لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} الأنفال: 9
فأمده الله بالملائكة، قال أبو زميل: فحدثني ابن عباس، قال: بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ سمع ضربةً بالسوطِ فوقه، وصوتُ الفارسِ يقولُ: أَقْدِمْ حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه فَخَرَّ مستلقياً، فنظر إليه فإذا هو قد خَطَمَ أنفَهُ، وشقَّ وجهَهُ، كضربةِ السَّوْطِ، فاخْضَرَّ ذلك أجمعُ، فجاء الأنصاري، فحدث بذلك رسول الله صلّى الله عليه و سلّم، فقال: "صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة"، فَقَتَلُوا يومئذ سبعين، وأسروا سبعين،...)[10]
وقد قال الله عز وجل بعدما بشر المؤمنين بالملائكة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ) الأنفال 15 .
حال النبي صلّى الله عليه و سلّم يوم الخندق:
ويوم الخندق يقول رسول الله صلّى الله عليه و سلّم وهو ينقل التراب، وقد وارى التّرابُ بياضَ بطنِه: (لولا أنت ما اهتدينا، ولا تصدّقنا ولا صلّينا. فأنزل السّكينة علينا، وثبّت الأقدام إن لاقينا. إنّ الأُلَى قد بَغَوا علينا، إذا أرادوا فتنة أَبَيْنَا) [11]
إن الذنوبَ والإسرافَ في الأمور من أسباب البلاء والخذلان، وإن الطاعةَ والاستقامةَ من أسباب الثباتِ والنصرِ والفلاحِ، قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) محمد 7.
ذكر الله - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أن المؤمنين، إن نصروا ربهم، نصرهم على أعدائهم، وثبت أقدامهم، أي عصمهم من الفرار والهزيمة.
وقد أوضح هذا المعنى في آيات كثيرة، وبيّن في بعضها صفات الذين وعدهم بهذا النصر كقوله تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) الحج 40.
إرشاد الله للصحابة في غزوة أحد:
ولهذا أرشد الله أصحاب نبيّه صلّى الله عليه و سلّم الذين هُزِموا في غزوة أحد بمعصيتهم أمر النبي صلّى الله عليه و سلّم في النزول من على جبل الرماة ، أرشدهم إلى أن يقولوا كما قال أصحاب الأنبياء السابقين : (وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) آل عمران 147
وهذا ما ينبغي أن يكون عليه حال المجاهدين على الجبهات في أن يَرجِعوا إلى أنفسِهم و يتهموها بالتقصير والإسرافِ، فإنما يُؤتى المسلمونَ من قِبَلِ تقصيرِهم.
قال صاحب تفسير المنار رحمه الله:
[ومنها أن الذنوب والإسراف في الأمور من أسباب البلاء والخذلان، وأن الطاعة والثبات والاستقامة من أسباب النصر والفلاح ; ولذلك سألوا الله أن يمحو من نفوسهم أثر كل ذنب وإسراف، وأن يوفقهم إلى دوام الثبات].[12]
وإذا علم الله من عباده صدقاً هيأ لهم كل أسباب الثبات ومنها إنزال الملائكة تقاتل معهم، قال تعالى:(إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) الأنفال 12
إن الباطل مهما علا ولجلج فإنه زاهقٌ، والحقَّ مهما ضَعُفَ فإنه منتصرٌ، كيف لا والله من وراء الحق،(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ) لقمان 30
ودولةُ الباطلِ ساعة، ودولةُ الحقِّ إلى قيامِ الساعة؛ لذلك قال الله تعالى: (لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ *) آل عمران 196 – 197
فالمؤمنون مهما رأوا من تَحَشُّدِ الأعداءِ ضدَّهم لا يزيدهم ذلك إلا إيماناً وثباتاً، كما قال الله جل في علاه: (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) آل عمران 173
فرجعوا منتصرينَ غالبينَ غانمينَ، (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) آل عمران 174
لا تستطل الطريق ..
الطريق طريق تعِبَ فيه آدم
و ناح لأجله نوح ..
و رُمي في النار الخليل
و أُضجع للذبح إسماعيل ..
و بيع يوسف بثمن بخس و لبث في السجن بضع سنين
و نشر بالمنشار زكريا ..
و ذُبح السيد الحصور يحيى
و قاسى الضرّ أيوب ..
و زاد بكاء داود
وعالج الأذى محمد-صلى الله عليه وسلم-
ولكنكم تستعجلون ...
إنما يقطع الطريق ويصل المسافر بلزوم الجادة وسير الليل، فإذا حاد السائر عن الطريق أو استطاله ونام الليل فمتى يصل إلى المقصود؟ متى!
- أفيقوا استيقظوا وخذوا من الأسلاف *** ممن قبلكم عظة تنير قلوبكم وتبصر - رومــان في جبروتهــــا وغرورهـــــا *** رضخت لمن حملـوا الضيـاء وحــرروا - دحر البغــــاة بظلمـهم وشرورهــم *** فخذوا دروســا منهـم واستعــــبروا
ولن يحاسِبَكَ الله على عدمِ بلوغِ الغايةِ، وإنما يحاسِبُكَ على عدمِ الثباتِ علىها.
=======================================
[1]سلسلة الأحاديث الصحيحة /3228
[2]فتح الباري 13/224/ باب كراهة تمني لقاء العدو
[3]البخاري /2965، ومسلم / باب كراهة تمني لقاء العدو /1742
[4]تفسير ابن كثير 4/70
[5]القرطبي 8/23
[6]البخاري / 7405 – مسلم / 2675
[7]تفسير المنار 4/142
[8]انظر تفسير ابن كثير 1/669
[9]تفسير القرطبي 4/231
[10]مسلم /1763
[11]البخاري- الفتح 6 (2837) وهذا لفظه. ومسلم (1803) .
[12]تفسير المنار 4/142
عماد الدين خيتي
هيثم يحيى
المجلس الإسلامي السوري
محتسب الشام
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة