هروبا من مواجهة الحقيقة، وخوفا على تهاوي صروح تم بناؤها إعلاميا وسياسيا وعسكريا على مدى عقود، لم تعترف حالش وأمينها العام بأن ما يجري في سوريا ثورة، بل احتجاجات بسيطة ثم أطلقوا عليها مسمى أزمة.

ولشدة صدمتهم، وجزعهم، على ضياع حصاد ما زرعوه، فضلوا الهروب إلى الأمام، وصوروا لأنفسهم وحاضنتهم أن الأمر ما هو إلا احتجاجات سيتم إخمادها بالقوة والنار، وقد اعتقدوا بداية أن النظام المدجج بسبعة أجهزة أمنية تشكل اخطبوطا يدعمه أكثر مليون مجند فيها، وكذا فإن نظام الممانعة يملك ترسانة من نماذج السبيعنات والثمانينات قادرة على سحق عدة شعوب وليس شعبا واحدا كالشعب السوري الأعزل.
لكن الثورة صمدت، وهزت النظام، وضربته بلكمات مؤلمة، فكان لا بد لمجموعات عقدية أن تتدخل، وهنا جاءت أوامر إيران بتدخل حزبها في لبنان، علّه يقلب الكفة، باعتباره تنظيم مليشياوي طائفي بشكل كامل، وليس جيشا منظما خليطا، فحالش بذلك قد تكون اكثر نفعا واجدى في المعركة من جيش متهاو، مفكك.
دخلت حالش بصمت، ثم اعلنوها ثأرا لزينب التائهة في زواريب القصير، تلاها اعلانات جنائزية لقتلاها في سبيل صاحب العصر والزمان كما كانت لافتاتهم تنعى وتقول.
وبدأت حالش بقدها وقديدها تغوص في الوحل الشامي، فما هي حسابات الحقل والبيدر على المديين المتوسط والطويل لحالش؟.
حسابات الحقل لحالش:
- حالش تملك الصواريخ الفراغية، والتموين المدفعي والصاروخي الفاعل، وغير الناضب، والمخصصة للحروب الشعبية.
- بعد بابا عمرو، سيتم مسح القصير، ثم إفراغها، ثم يتم تطبيق الدرس في الغوطة على دفعات، يليها القلمون، فبذلك يتم تأمين حمص وريفها الجنوبي، وربطها في الساحل فدمشق، عبر القلمون، وتصبح الثورة مناوشات بعيدة في حلب او ادلب او حوران او دير الزور.
- سيكتسب مقاتلو حالش خبرات ميدانية ثرة، وكذا سيكون لهم موقع مهم ضمن المعادلات الاقليمية القادمة وفقا لمعطيات النصر المامول. ولن يكون الثمن اقل من رئاسة الوزراء في لبنان، او دويلة تفتح البقاع على حمص وريفها، وقد يضمون القصير الى مرابعهم.
فما هي حسابات البيدر؟
- خسرت حالش شرعيتها كسلاح مقاوم ضد إسرائيل، أمام نفسها أولا، ثم أمام حاضنتها، ثم أمام الرأي العام في العالم العربي.
وتلك تعد خسارة كبيرة، هدمت ما تم بناؤه، عبر عقود، حيث أن حالش قد اعترفت أمام نفسها أولا، ثم حاضنتها، ثم العالم، إنها ليست سوى سلاح طائفي مليشياوي، لا علاقة له بالمقاومة والممانعة إلا بمقدار ما يحقق مصالح إيران في المنطقة.
رغم أنهم يدركون أنهم طائفيون، إلا أن نزع القناع حتى أما النفس صعب، حيث أن السلاح عندما يفقد شرعيته، يتفتت، ويفقد الاندفاع، ويشرخ التنظيم، وستظهر آثار ذلك جيدا.
- خسرت حالش صورتها الأسطورية أمام الشعب اللبناني، فقد أدركت المكونات اللبنانية ضعف حالش، وبدأ حرق صور حسن في كل لبنان، وبدأت صور الاستهزاء بحالش تظهر في البرامج كما يحصل في شاشتي المستقبل وال بي سي.
- خسرت حالش، خيرة قادتها، وخاصة في القصير، والغوطة، وقد كانت معارك الغوطة مؤلمة جدا لها، حيث تم قطع رؤوس قادة لهم باع طويل وخبرات ميدانية شتى منها. وكذا حصل في كمائن القلمون.
- خسرت حالش صورتها كتنظيم أمني عالي الانضباط والحرفية، حيث حصلت عدة تفجيرات في عقر ضاحيتها.
- تدخل حالش المرتزق في قتل الشعب السوري، شرعن لبقية مكونات المجتمع اللبناني امتلاك السلاح، واشهاره، وظاهرة الأسير ليست عابرة، بل هي المقدمة لاستحقاقات قادمة، فما بعد التدخل وخسارة كل النخبة المقاتلة ليس كما قبلها.
- خسرت حاضنة حالش عقودا قادمة من التعايش مع المحيط الإقليمي المسلم، حيث غدت هناك أخاديد من الفجوة، والشك، والانتقام يصعب التئامها أو تجاوزها.
وقد طالت المقالة، وقد يكون هناك مقالة أخرى لتبيان خسارات جسيمة قد اقترفتها حالش بتورطها في الدم الشامي.
إلا أنه ما ينبغي التنويه له ما يأتي:
- إن الثورة الشامية هي ثورة من أعظم الثورات في التاريخ، ومن أكثرها فداء وتضحية.
- ما يحصل في الشام هي ثورة وليست أزمة أو زوبعة أو غيرها، لذا فهي إن لم تقف حتى تحقق أهدافها، والتي أولها التخلص من العصابة الحاكمة وأجهزتها الأمنية والعسكرية.
- لا خيار أمام الثورة إلا الحل الثوري الكامل، لأن الطرف المقابل قد شدها إلى عصب طائفي، ومن يرد الغوص فيه، فليجهز الأكفان، فالثورة يرفدها شعب بعشرين مليون إنسان.
- حالش أو غيرها، لن تحقق في تتدخلها سوى إفناء شبابها، وزرع وعي اجتماعي بنبذ طائفة حالش لعقود قادمة.
أخيرا، الثورة لا تهدف إلى الانتقام أو القتل، بل هي قامت من أجل إعادة الحق إلى أهله، وهي ثورة عزة وكرامة أولا، وهي لن ترحم كل من يعتدي على ترابها، ولن تلاحق من يهرب من جحيمها إن انكفأ وانعزل إلى حجمه ووسطه الضيق الذي أراد وضع نفسه فيه.