أبو عبد الله عثمان
تصدير المادة
المشاهدات : 3510
شـــــارك المادة
إن من المعروف أن النظام لديه مركزية في التوجيه المعنوي للمؤيدين بخلاف الثورة فإنها اليوم تعاني من اهتزازات كبيرة في هذا المجال، وهذا أمر خطير جداً فبينما النظام يحافظ على معنويات جنده عالية تراه يستخدم كل ما يملك ليوقع بالثوار نفسياً ويسلك بهم نحو الهزيمة النفسية، ويساعده على ذلك تلك المركزية،
فهو حينما يتكلم عن انتصار ما تجد كل مؤيديه يتكلمون كما يريد، أما الثورة فإنك تجد أن أكثر مؤيديها وثوارها لما يسمعوا بعدُ عن سجن درعا، ولا عن انتصارات حلب، ولا حماه، والقنيطرة ولا الوضعَ الصحيح لمعركة القلمون فهم لا يسمعون إلا ما يريد النظام وأصدقاؤه أن يُسمعهم إياه من مصالحات، حمص، وسقوط يبرود، وسيطرة الجيش على ريف حمص الغربي والجنوبي.. وينصتون لتحليلات بعض المهرجين على قنوات الإعلام الذين يَضُخّون الإحباط عبر تحليلهم لأحداث منطقة ما، أو تركيزهم على نقطة ضعف ما في الثورة دون أن يوازنوا للناس بين نقاط الضعف والقوة، فيكون كلامهم داعماً قوياً لحملة الحرب النفسية التي يمشي بها النظام..! إن حاضنة الثورة وثوارها مازالوا ينصتون لأشخاص عشوائيين جهلة تجد أحدهم يقول لهم أن الدور اليوم على منطقتكم، وأن النظام قادر على الحسم وأن الحل في المصالحات...، وفي الأغلب تجد أن هؤلاء الجهلة بعيدون كل البعد عن المعرفة الصحيحة للواقع العسكري للثورة، ولا يعرفون عما يدور خارج منطقتهم شبراً واحداً إلا كما يسمعونه من النظام أو من الإعلام...، إن النظام يلجأ إلى منطقة ما تهمه فيجمع عليها ما يقدر من الشبيحة وحزب الشيطان والعتاد والتدمير ثم يدخل إليها ويروج استيلاءه عليها إعلامياً، ثم بعد ذلك يرسل عبيده الوسطاء إلى المناطق الثائرة الأخرى فينشرون بينهم ذلك الفيروس الوبائي أن النظام لا قِبَل لكم به، وأنه قادر على كل ما يريد، وما لكم بالصمود والتدمير وأن الناس تتاجر بكم، والمعارضة تكذب عليكم، والدول تتلاعب بكم...، وهكذا حتى ينتزعوا مع كلماتهم روح الصمود والثورة والجهاد والإصرار...، ثم يساعدهم كثير من الضعفاء والجهلة فيضغطون على الثوار للاتجاه نحو المصالحة أو الانسحاب، لطالما سمعنا تهديد النظام ووعدَه الحسمَ عشرات المرات وكنا نهزأ به وبطائراته وبالبراميل فما بالنا اليوم وما بال البعض يخدم النظام في تفتيت، وتمييع وهدّ وهدم كل ما صنعته الثورة في النفوس من الكرامة والإباء؟ كان يهدد فيبادله الثوار بالصمود والمقاومة، ولم يكن ثمة من يجرؤ على دعوتهم إلى صلح أو تطبيع مع النظام بالرغم من كل وحشية النظام وإجرامه حينها، فكان الثوار والأهالي لا يبالون بالآلام، أما اليوم فإنه يطرح التهديد ويربطه برفض المصالحة فهو يفضل اليوم المصالحات في كثير من تلك المناطق، وهذا لا يعني إلا ضعفاً واضحاً في قدراته ليركزها على مناطق أخرى، وهو يعني أيضاً أنه قد وَجد أن المصالحات هي الطريق الأنجع في كسر الثورة من الاقتصار على التخويف والتدمير والتوحش وخاصة بعد أن أيقن بالوهن وبعض الملل واليأس الذي تسلل إلى نفوس الكثيرين، وبعد أن رأى تقدُّم الثوار في التسليح والخبرة والتوجه نحو الألفة ورصّ وتمايز الصفوف، الغريب أن ذلك لا ينطلي فقط على مؤيدي الثورة بشكل عام بل هو يُمرَّر أيضاً على الثوار، وعلى النخَب الثورية، ولذلك تجد البعض منهم مهزوزاً غير قادر على رؤية الواقع وتداعياته بشكل صحيح، وتجد أيضاً الكثير منهم ينجرفون إلى دعايات النظام حول قوته ويتأثرون بروايات وسطاء المصالحة الوطنية عن ضرورة التفكير في خيار المصالحة...، إن الإصرار على الثورة والنصر والمعنويات الجيدة والإقدام..
هذه المعاني كلها كانت في نفوس الشباب راسخة كالجبال ولم يكونوا يملكون من القوة والأراضي عُشرَ ما يملكونه الآن، ولم يكن لديهم من الخبرة وتصفية الصفوف والتمايز ما هو موجود عندهم اليوم..، فما الذي اخترق نفوس الكثيرين منهم لينجرفوا مع ذلك العَجاج الذي تصنعه مساعي النظام وتحركاتُ أذنابه وسطاءِ المصالحة الذين يسيرون بالثورة إلى الخنق من حيث يشعرون أو لا يشعرون...،!! ماذا يضر هؤلاء الوسطاء الذين يستخدمهم النظام ليسيطر على المناطق الثائرة معنوياً عبر الأكاذيب والخدع؟! ماذا يضرهم لو أنهم اعتزلوا هذا الأمر وجلسوا في بيوتهم؟! هل يخافون حينها من أن يعتقلهم النظام إن لم يفعلوا ما يريد؟! إن كانوا يخافون على أنفسهم من ذلك -كما ذُكر عن أحدهم- فلِمَ يتاجرون بالثورة والأمة إن كانوا -وهم الوسطاء المقربون من النظام- لا يأمنون على أنفسهم من هذا الماكر الخبيث؟ إن هؤلاء من سيتكلم عنهم التاريخ يوماً ويقول أن الثورة بقيت صامدة كالجبال أمام كل أنواع الأسلحة قبل أن يستخدم النظام مجموعة استخدمهم من الطائفة السنية لتروج له حملة إعلامية كبيرة حاول فيها أن يتجه بالناس إلى الهزيمة والإحباط من حيث لا يشعرون، ثم ينشر ذلك الإحباط والانهزام النفسي كالوباء من منطقة إلى أخرى...، إن هذا النظام لا يمكن أن يعتمد في تلك الوساطة على أشخاص من غير الطائفة السنية أو أشخاص من السنة غير مؤثرين في المجتمع..! ولذلك تجده يمتطي بعض الوجهاء أو أصحاب المكانة الاجتماعية في المجتمع ليضمن على أيديهم الوصول إلى أهم أصحاب القرار في ميادين الثورة، فيستخدمون ما يحظون به من المكانة الاجتماعية أو الصدارة ليهيمنوا على أولئك القادة في الثورة أو الرموز فيها ليبعثروا لهم ثوابت الثورة وصمودها بما يملكونه ويحسنونه من الأساليب معتمدين على تلك الروايات والترهيبات التي يقدمها لهم النظام..!! إن أسوأ ما يعترضك وأنت تطالع ما يكتبه المصالحون هو تسويغ تلك المصالحات والتعبير عنها بـ "الهدنة"، وقد نسوا أن النظام قد استغل مِراراً الهدنة لصالحه وما عهدناه يطلب هدنة أو يوافق عليها إلا لصالحه ليسيطر ثم يفترس بقوة وتمكّن أكبر، فما بالهم بالمصالحة والتسويات والدخول في هيمنة النظام وتفريغ القلوب من الهمة والأمل وكسر كل ما علق في نفوس الناس من طعمِ ورائحة الحرية والكرامة..
إن أخطر ما سينتج عن وباء المصالحة إن نجح أن تتأثر به أعداد كبيرة من الشعب وتجده الملاذَ بعد أن أعياها التعب والآلام، ثم تجري شرائح من الثوار رويداً رويداً في ذلك الاتجاه، وتبقى مجموعات من أصحاب الإرادة ثابتين ليوصفون لاحقاً بأنهم الإرهابيين فيحارَبوا لاحقاً مع صمتٍ شعبيٍ مريب.. لكن الثورة إن قامت بحملة إعلامية مضادة بهدف رفع المعنويات وإعادة الصرخة في وجه الطغاة، وتوجهت إلى العامة بمضادات توعوية مركزة تحكي لهم الميدان العسكري، والإنجازات ضمن الإطار العام لسورية بمجملها وليس ضمن إطار مناطق معينة فحسب، وتشرح لهم وتذكّرهم بجرائم هذا النظام ونقضِه للعهود وكسره لإرادة الشعوب، وتنشر بينهم ثقافة الصمود ومآلاته وآثار الخنوع وكوارثه على الجيل والأمة، إن قامت هذه الثورة بذلك –وهو ما يجب- فإن كل ما يخيطه هذا العنكبوت الأسد من الخيوط لن يصمد بل سيتمزق ويتلاشى وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت، إن أشد ما ساعد النظام على توهين نفوس الناس وكسر معنوياتهم ومهد لهذه المصالحات هو الخلافات والتنازعات التي حصلت بغض النظر عن أسبابها، بل هذا ما أعطى النظام مجالاً ليتقدم في بعض المناطق ويستثمرها في حملته لكسر معنويات الثائرين والتسلل إلى نفوسهم، في ظل تخبط غريب رهيب من المؤسسات الثورية سواء الإعلامية منها أو العسكرية أو السياسية فبقي الموقف ضبابياً مدة كانت كافية ليتمدد اليأس ويتنفس النظام وتتشظى الجهود، إن أي مؤسسة لا يمكن لها أن تنجح ما لم يكن لديها خبراء وباحثون واستشاريون في كافة المجالات، وهذه الثورة قد يكون في بعض مؤسساتها السياسية ربما بعض من يتصف بذلك وأيضاً في مؤسساتها العسكرية، لكنها في مؤسساتها الإعلامية ضعيفة أمام ما تواجهه، وهي في الأغلب لا تملك رؤية واضحة لدعم الثورة، وإن الحاجة كبيرة إلى مؤسسة إعلامية موحدة يجتمع عليها خبراء سياسيون واستراتيجيون وكوادر من الاستشاريين النفسيين يدعمون الشعب وصموده وتضحياته، ولا تكون تلك المؤسسة محسوبة على طرف دون طرف بل هي من الثورة وللثورة، إن وجود مثل هذه المؤسسة ضروري جداً لا للنيل من تلك الكتيبة أو ذلك المعارض أو تلك الصفحة أو ذاك الجسم إنما لبناء ثقافة ثورية إيجابية تواجه تلك السلبية التي ساقتنا إليها جهالات كثير من السياسيين والعسكريين والإعلاميين واستغلها النظام المحتل ليدخل منها إلى نفوس شعبنا ليكسره رغم كل تضحياته وآلامه الجسام.
سعد محيو
راغدة درغام
فيصل القاسم
ميشيل كيلو
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة