..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

مخطط إيران لتشيُّع سورية

محمد عبد الرازق

١٠ ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6007

مخطط إيران لتشيُّع سورية
وسوري.jpg

شـــــارك المادة

(1)

ما من دولة، أو جهة مدت لها طهران يد العون و المساعدة إلاَّ وكانت تحمل لها في يدها الأخرى مخططًا لبناء (حُسينية) على أراضيها. و الشواهد على ذلك أكثر من الحصر والعدّ، و دونكم مثلاً على ذلك ما كان في غزة التي لا تشوبها شائبة طائفية إطلاقًا.

وبالطبع فإن سورية تأتي في صدارة اهتماماتها؛ لجملة من الأمور، منها ما هو جيوسياسي، ومنها ما هو ديني، و منها ما هو اقتصادي.

 

لقد أضحت سورية محافظة فارسية بامتياز، و أصبحت إيران تتدخل في تفاصيل الأمور، و قد أظهرت الرسائل المسربة في موقع (ويكيلكس) مدى ذلك، حتى وصلت الحال إلى التدخل في التعيينات الحكومية.
ولهذا فإنَّ وتيرة التصريحات في طهران تعلو كلَّما ضاق الخناق على رقبة الأسد، حتى باتت توصف بالوقاحة، والبعد عن اللياقة الدبلوماسية؛ لا بل بات هؤلاء يشعرونك أنهم يشغلون مناصب رسمية في دمشق، و ليس في طهران؛ خوفًا منهم على انهيار حُلُمهم في تصدير ثورتهم المزعومة.

و حتى نقف على حجم هذا التدخل، و نوعية المخطط الذي كانوا يسعون نحو تحقيقه؛ قمنا بالاطلاع على الدراسة المعنونة بـ"دور الشيعة في سورية" للباحث الفلسطيني خالد سنداوي(*).
فاستخلصنا منها جملة من المعلومات التي قاطعناها بما كان قد توفّر لدينا من معلومات أخرى، تسنّى لنا جمعها قبل حين من الزمن، عندما باشرنا في تتبع أمر التدخل الإيراني في سورية، و نشرنا عن ذلك مقالاً بعنوان (مِنْ أجل ذلك تسعى طهران للإبقاء على الأسد).
وهأنذا أضع بين يدي السوريين هذه المعلومات التي خَلُصت إليها؛ ليعرفوا المدى الذي وصل إليه حجم التدخل الإيراني في بلدهم سورية، و يتأكدوا من أن القرار الوطني قد غدا بيد طهران جملة، و تفصيلاً.
وهو الأمر الذي صرح به كبار المرجعيات الشيعية، جاعلين من سورية المحافظة الإيرانية (35)، والدفاعُ عنها مُقدَّمٌ على الدفاع عن إقليم عربستان (العربي، المحتل).

أهمية الشيعة لنظام الأسد:
ظهر اعتماد النظام على المراكز الشيعية (المَتَاوِلَة)إبان الثورة الشعبية؛ على الرغم من أنها بقع جغرافية صغيرة تسبح في بحر سنّي، كـ "الفوعة" و"كفريا"  الشيعيتين في إدلب، و "نبل" والزهراء" في حلب، و"حي الأمين"، و"زين العابدين" في دمشق.
إن سقوط "نبل" أو "الفوعة" لا يقل فداحة عند نظام الأسد عن سقوط القرداحة نفسها!
بعيد اندلاع الثورة السورية، وبعد طول تستر وتخف، مزق الشيعة في سورية معظم حجب "التقية"، وانطلقوا من وراء الكواليس، ليمارسوا دورهم مباشرة على مسرح الأحداث، فتواترت روايات نشطاء وأهالي حمص عن مدى الأذى الذي ألحقه شيعة الريف بسنّة المحافظة، مما يهون أمامه أذى عتاة النصيريين.

عوامل ساعدت على التشيُّع في سورية:
1ـ وجود شيعة سوريين.
2ـ قوة الإعلام الشيعي.
3ـ ما سماه حزب الله " انتصارًا إلهيًا " في حرب لبنان عام 2006م.
4ـ الإغراءات الاقتصادية والتعليمية المقدمة من إيران.
5ـ هيمنة الطائفة العلوية على مقاليد السلطة منذ عام 1970م بشكل رسمي.
6ـ تشجيع النظام في سورية نشاطَ التشيع الإيراني. و نذكر هنا بما ورد في وثائق سرية من "ويكليكس" وهي البرقية السرية المؤرخة في 20 شباط/فبراير 2007م، المعنونة بـ"كفتارو يفضح حسون وتواطؤه مع بشار لإسكات السنة، ومنع انتقاد التشييع الإيراني" .

التشيُّع في عهد حافظ:
لقد مكَّن الأسد (الأب) للإيرانيين في سورية بشكل جعل الناس تخشى الحديث عمَّا يقومون به، وما يزالون يتذكرون في عهده ثلاثة أمور يُجرَّم الخائض فيها، ويرى فيها السوريون تناقضًا مع مبادئ البعث القومية:
1ـ العلاقة مع إيران.
2ـ الموقف من الحرب العراقية الإيرانية.
3ـ طريقة التعاطي مع الملف اللبناني.

يمكن ردّ بدايات التشيع في سورية إلى زيارة موسى الصدر لها في عام 1974م، التي جمعته بـ"شيوخ" الطائفة العلوية في جبال اللاذقية، و كان قد سبقه "آية الله حسن مهدي الشيرازي"، الذي أصدر فتواه الشهيرة في (11/ ذي القعدة الحرام/1392هـ) بأن أهل تلك المنطقة ينتمون إلى الشيعة الاثني عشرية.
إن أول وأبرز عالم شيعي في التاريخ الحديث عمل على نشر التشيع في سورية كان عبد الرحمن الخيِّر (ولد 1925).
في أثناء الصدام بين حافظ الأسد و الإخوان المسلمين عمل على أن يقوم شقيقه جميل بتأسيس جمعية "المرتضى"، وافتتاح فروع لها في المحافظات السورية كلها؛
أملاً في إظهار أن العلويين ينتمون إلى الدائرة الأوسع من الشيعة، وليسوا أقلية. بدأ جميل الأسد بتشجيع التشيع في الساحل السوري، ولاسيما بين النصيريين، فابتعث مجموعات منهم إلى إيران لدراسة المذهب الإثني عشري، وبعد عودتهم إلى سورية نشروا العقيدة الشيعية بين زملائهم وإخوانهم من النصيريين.
بنى جميل الأسد الحسينيات في جبال الساحل، في الوقت الذي لم يكن هناك سوى الأضرحة، ومن أجل جعل التشيع أكثر قبولاً لدى الناس في المنطقة، عيّن إمامًا شيعيًّا في مسجد الزهراء العلوي في مدينة بانياس الساحلية.
طلب حافظ الأسد من العالم الشيعي اللبناني "محمد حسين فضل الله" العمل في سورية؛ فافتتح له مكتباً له في حي السيدة زينب قرب دمشق، وأصبح يُقدِّم فيه الخدمات المجانية للسوريين من أجل استمالتهم نحو التشيع، وكان يجلس في يوم محدد أسبوعيًّا؛ لاستقبال السوريين وسماع شكواهم من حاجة للتوظيف أو الدراسة أو غيرها، ومحاولة حلها، وكأنه محافظ دمشق! أو مسؤول رسمي مكلف بالتواصل مع الناس، وكل ذلك تحت سمع أجهزة النظام وبصرها، بل وبتشجيع منها، إذ لطالما عرف أن النشاط الديني هو أخطر أنواع الأنشطة في عرف النظام الأسدي، وأنه يوليه اهتمامًا خاصًا جدًّا، ويضع كل المشتغلين والمهتمين به تحت المجهر على الدوام.
الملاحظ أنه في عهد بشار تضاءل هذا الدور الممنوح له لصالح السفارة الإيرانية، وملحقيتها الثقافية.

(2)

التشيُّع في عهد بشار:
لقد ازداد الأمر فداحة في عهد (الابن) (يذكر للأب أنه كان يوازن علاقته مع إيران بعلاقته مع الدول العربية، والخليج منها على وجه الخصوص).
لقد شرَّع بشار لهم الأبواب؛ فمدّ الإيرانيون أذرعهم في أكثر من صعيد، وكان أخطرها على الصعيد المذهبي، لقد غض الطرف عنهم؛ لا بل قدم لهم المساعدة في نجاحهم للتبشير بالمذهب في أوساط السوريين بشكل أثار الدهشة و الاستغراب، مستغلين في ذلك مشاعر التعاطف مع آل البيت عندهم، فضلاً على الحالة المادية الضيقة لدى شرائح منهم في المناطق الفقيرة.
ولا يغيب عن البال ما كان منهم مع شريحة السائقين، و متدني التعليم الذين كانوا يشجعونهم للسفر إلى طهران، و يقدمون لهم الإغراءات، والمُتع قبل، وبعد وصولهم إلى طهران.
هناك من اتهم مفتي سورية أحمد حسون في عهد بشار، بأنه تحول سرًّا إلى المذهب الشيعي.
وقد تعززت هذا الاتهامات له في أعقاب خطبة لـه ألقاها في 2008م بمناسبة "يوم عاشوراء"، وفي تلك الخطبة تلفظ "حسون" بالعديد من العبارات المتعاطفة مع عقيدة الشيعة، وذهب إلى اتهام كل الخلفاء المسلمين من معاوية فصاعدًا بالكفر، مشيرًا إلى أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان حجة الله على خلقه، وأن وجود عترة النبي -صلى الله عليه وسلم- كفيل بنشر العدالة والسلام في العالم.
و على صعيد الإعلام حدث الكثير من التغييرات في الإعلام الرسمي، وانعكس ذلك على برامج القنوات التلفزيونية المحلية والفضائية ومحطات الإذاعة المتاحة في سورية، حيث كان التلفزيون السوري الرسمي يقدم أسبوعيًا (على الأقل) برنامجًا لمدة ساعة للواعظ الشيعي عبد الحميد المهاجر، كما يبث برنامجًا مشابهًا للعراقي عبد الزهراء، ولاسيما في شهر رمضان، حيث يتلو بعض الآيات القرآنية، ويلي ذلك أناشيد في مديح أهل البيت.
كما شجع نظام بشار على ظهور شيوخ موالين لإيران في وسائل الإعلام على حساب رجال الدين السنة، بينما استخدم رجال الدين الشيعة وسائل الإعلام السورية الرسمية لنشر أفكار ذات محتوى جدلي يثير الخلاف بين السنة والشيعة، (مثل موقفهم تجاه صحابة النبي صلى الله عليه وسلم).
وقد أدت المواقف التي اتخذها رجال الشيعة لردود فعل حادة جدًا، ولاسيّما في دمشق، ثمّ في مناطق أخرى مثل حلب وضواحيها.

تشير تقارير إلى أنه في سنة 2007م كان هناك أكثر من 500 حسينية قيد الإنشاء في سورية.
وبموازاة كل ما سبق، فإن نظام بشار منح الجنسية لآلاف الشيعة الإيرانيين، والعراقيين الموالين لإيران، ووفقًا لبعض المصادر، فقد منحت الجنسية السورية لـ20 ألف إيراني.
يأتي هذا في الوقت الذي رفض منحها لأكراد سورية، على الرغم من مرور 40 عاماً على مطالبتهم بها.

تغلغل إيران، و الشيعة في سورية، و إغراءاتهم للمتشيعيين:
لقد بلغ التغلغل الإيراني، و الشيعي في أوساط الدولة والمجتمع بسورية حدًّا جعل كبار المسؤولين السوريين والإيرانيين يحضرون معًا الاحتفالات التي تنظمها السفارة الإيرانية في دمشق، مثل الأعياد الوطنية الإيرانية، والذكرى السنوية للثورة الإيرانية، والأعياد الدينية، مثل يوم استشهاد الحسين في عاشوراء.
وأصبح رؤساء القبائل وكذلك عدد من الأعيان و لاسيّما في منطقة الجزيرة الواقعة بين نهري دجلة والفرات، يتلقّون دعوات من قبل السفير الإيراني لزيارة إيران مجانًا، كما تشمل الدعوات أساتذة الشريعة السُنة في المعاهد وكليات الشريعة.
وقد ذهب هؤلاء، وعادوا محمَّلين بالهدايا، وجيوبهم تفيض بالمال، على غرار ما كان يقدم لنظرائهم من رؤساء القبائل والعشائر العراقية.

لقد كان شيوخ الشيعة: السوريون، والإيرانيون يقدِّمون المال للناس، أو يعرضون عليهم مساعدتهم في المعاملات التجارية، و الرسمية.
و يذكر في هذا الباب الخدمات التي كان يقدمها مكتب "محمد حسين فضل الله" في السيدة زينب، و هو ما سبق الحديث عنه.
وهناك نوع آخر من الإغراءات يتمثل في تزويج المستهدفين بالتشيع، أو تزويدهم بالمواد الأساسية مثل الزيت والسكر والأرز والسمن.
لقد غدت الإغراءات المالية تؤدي دورًا ملحوظًا في ترويج التشيع، فالفقراء على سبيل المثال يتم إعطاؤهم القروض باسم التضامن الإسلامي، وفي نهاية المطاف يقال لهم إنه لا داعي لإعادتها، وعلى نحو مشابه يتم توفير الرعاية الطبية المجانية في المستشفيات "الخيرية" الإيرانية في سورية، مثل مستشفى الإمام الخميني في ضواحي دمشق.

سياسة إفقار الناس لجرّهم نحو التشيع:
إن سياسة النظام الهادفة إلى تدمير قطاعي الزراعة وتربية المواشي في المناطق الشرقية والشمالية من سورية، كانت تسير -وبشكل مثير للشك- جنبًا إلى جنب مع ازدياد التشيع، فكلما زاد تدمير هذين القطاعين وزاد فقر الملايين ممن يعتمدون عليهما في معيشتهم؛ زاد دعاة التشيع من تحركهم في أوساط الفقراء، تحت غطاء المساعدة ومد يد العون!..  وهو ما يوحي بأن النظام الطائفي كان "يمهّد" للمشيعين الأرضَ حتى يمارسوا عملهم بكل أريحية، تمامًا كما "تمهّد" مدفعيته وطيرانه الأرض لمليشيات الشيعة حتى يقتحموا البلدات والمدن والأحياء السنية ويعيثوا فيها دمارًا!.

التعليم وسيلة مهمة للتشيع:
لقد كان التعليم أداة أخرى تستخدم من قبل نظام الأسد لترويج التشيع وتقوية العلاقات مع إيران؛ و كان معتمد إيران في هذه المرحلة (اللواء هشام بختيار)؛ الذي وضع الخارطة السورية بين أيديهم، وأعطاهم حرية التصرف في قراها، و بلداتها، و سمح لهم بافتتاح عشرة مدارس ثانوية شيعية، وإنشاء جامعتين شيعيتين خالصتين:
ـ الأولى: في منطقة الفوعة في ريف إدلب.
ـ الثانية: في اللاذقية، حيث حصلت طهران على ترخيص من نظام بشار لتأسيس (جامعة العلوم والتكنولوجيا)، التي ستضمّ عددًا من الكليات، وستقدم منحًا دراسية مجانية للدراسة في "قم" و"طهران"، ولاسيما لطلاب الدراسات العليا ممن يتم اختيارهم بعناية، وتمنح هذه المؤسسات معاملة تفضيلية للطلاب الذين يؤيدون النظام، حيث يتم إعطاء طلاب هذه المؤسسات فرص عمل لا يحظى بها غيرهم.

وكانت هناك مساعٍ لبناء مجمع ضخم، ستكون فيه جامعة ثالثة، في المنطقة التي تضم رفات الصحابي الجليل عمار بن ياسر في الرقة.
ويبدو أنه قد استعيض عنها بالكلية الشيعية التي افتتحت في مدينة الطبقة/ محافظة الرقة، في عام 2007م، و التحق فيها أكثر من 200 طالب.
لم يجد الشيعة أيّة صعوبة في الحصول على ترخيص لافتتاح هذه الكليات، على الرغم من أنه لم يكن يوجد في سورية بأكملها سوى كليتين للشريعة (وفق المذهب السني)، واحدة في دمشق والأخرى في حلب، وقد كان على حلب الانتظار عدة عقود للحصول على إذن بافتتاح كلية للشريعة فيها، لم يأت إلا في عام 2006م.
وفي الموضوع نفسه سمح النظام للطلاب بالدراسة في "الحوزة العلمية بالسيدة زينب"، حيث لا يدفعون رسوماً دراسية، لا بل إنهم يحصلون على راتب شهري.

الانبهار بشخصية حسن نصر الله سببٌ للتشيع:
إنّ حرب الأيام الـ33 بين إسرائيل ولبنان في صيف عام 2006م، أثارت موجة من الإعجاب بين السوريين بشخصية زعيم حزب الله حسن نصر الله، بسبب "مقاومتهم" لإسرائيل؛ ونتيجة ذلك أصبح ينظر إلى التشيع بصورة أكثر إيجابية، وتصاعد بالتالي عدد المتشيعين من السوريين.
يقول مصطفى السادة: أحد دعاة التشيع السوريين، الذي لديه اتصالات عديدة مع السنة: إنه يعرف 75 شخصًا سنيًّا في دمشق اعتنقوا المذهب الشيعي منذ بداية حرب تموز 2006م، وإن الحرب أعطت زخمًا إضافيًا لميل السوريين المتزايد في السنوات الأخيرة نحو التشيع.
ومنذ تلك الحرب، أصبحت صور حسن نصر الله، و خامنئي الأكثر حضورًا في سورية من بين الشخصيات الأخرى، وسيشاهد أي شخص يمشي في شوارع دمشق حينها صورًا لبشار الأسد، وإلى جانبها صور زعيم مليشيا حزب الله، حيث يتم عرض هذه الصور على واجهات المتاجر والسيارات الخاصة والحافلات والجدران.

(3)

النِّسب المئوية للشيعة، والمُتشيِّعين:
أشار تقرير الحريات الدينية الدولية لعام 2006م، الذي تنشره وزارة الخارجية الأميركية، إلى أن الأقليات: العلوية، والإسماعيلية، والشيعية، والدروز يشكلون (13 %) من سكان سورية، أي حوالي (مليونين، ومائتي ألف) شخص من مجموع السكان البالغ عددهم (18) مليون نسمة.

وأنَّ نسبة الشيعة وحدهم لا تتجاوزون (1%) من السكان، في حين كانت نسبتهم في سنة 1953م، لا تزيد على (04%)، وهم يعيشون في معظم المحافظات السورية، لكن تركزهم الأكبر في طرطوس، وهي المحافظة التي تضم (44 %) من شيعة سورية.
نشر مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية في القاهرة، تقريرًا آخر بعنوان "الطوائف الدينية والمذاهب والمجموعات العرقية"، في سنة 2005 م، يقول فيه: إن الشيعة يشكلون (1 %) من سكان سورية، بينما يشكل العلويون ما بين (8 و9 %).
في دراسة ميدانية ممولة من الاتحاد الأوروبي تم إجراؤها خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2006م، عن المشهد الديني في سورية، ذُكِر أن نسبة المُتشيعيين من النصيريين، على النحو الآتي: في طرطوس (44 %)، و اللاذقية (26 %)، و حمص (14 %)، وحماة ودمشق (16 %).
و أنّ نسبة المتشيعين من السُّنة على النحو الآتي: في حلب (46%)، و دمشق ( 23% )، و حمص (22 %)، و حماة (5 %)، و إدلب (4 % ).

المثير للاستغراب أن تشير الدراسة الأوروبية الميدانية إلى أن معدلات التشيع في محافظات: القنيطرة، و دير الزور، والرقة، هي معدلات ضئيلة إلى درجة لا تستحق الذكر، وهذا خلاف لما أشيع قبل سنوات عن توسع نشاط التشيع في محافظتي: دير الزور، والرقة على وجه الخصوص.
وبحسب هذه الدراسة، فإن نسبة المتشيعين بين الإسماعيليين، على النحو الآتي: في حماة (51%)، و طرطوس (43 %)، و حلب (3 %)، و دمشق (2 %)، و إدلب (1 %).
إن إجمالي نسبة المتشيعيين في عموم سورية لا تتخطى (2%)، وهي نسبة ضئيلة جدًا وغير مستهجنة، ولاسيما إذا علمنا أن نحو (7 %) من السُّنة الذين تشيّعوا في دمشق، ينتمون إلى أسر شيعية الأصل سيأتي الحديث عنهم لاحقًا. و كذلك الحال في حلب فنسبة ( 88 %) من متشيعي السُّنة كانوا أيضًا من عائلات ذات أصل شيعي.
إن النسبة الضئيلة من متشيعي السُّنة، الذين ادعوا أنهم تشيعوا بعد حرب لبنان عام 2006م، ذكروا أن ذلك كان منهم "بدافع الحب لحزب الله، و إعجابًا بشخصية زعيمه حسن نصر الله".
يرى مثقفون سوريون أن هذه الصورة ترمز للوطنية، وليست لمشاعر دينية طائفية؛ لأن "حسن نصر الله" أصبح رمزًا وطنيًا أكثر منه رمزًا دينيًا، حسب تعبيرهم.

نتائج هذه الدراسة الميدانية:
خُلصت هذه الدراسة الميدانية إلى أربع نتائج، ولعل أهمها النتيجة الرابعة، التي قد تكون مقلقة للنظام:    
1ـ معظم حالات التشيع قديمًا وحديثًا كانت بين الطوائف التي لها جذور شيعية تقليدية (إسماعيليون، علويون)، وليس بين السنة.
2ـ انخفاض معدل التشيع بين السُّنة يشير إلى غياب أي نشاط تبشيري (تشييعي) في صفوفهم، ولاسيما إذا ما أخذنا بالحسبان أن بعض المتشيعين من السُّنة ينتمون في حقيقتهم إلى أسر ذات أصول شيعية، اختارت (التسنُّن) مع مرور الوقت، ثمّ عادت إلى التشيع ثانية.
3ـ انخفاض نسبة التشيع لتحقيق مكاسب اقتصادية أو مالية؛ لدرجة أن فكرة (التشيع لأسباب نفعية) يمكن استبعادها كنمط سائد.

ملاحظة:
هذا الاستنتاج قد لا يعكس واقع كل الذين تشيعوا في سورية، حيث تشير دراسات أخرى إلى أن نسبة كبيرة من المتشيعين الجدد قد تشيعوا لأسباب مالية.
4ـ إذا استمر المعدل الحالي للتشيع بين الإسماعيليين، و العلويين على وجه الخصوص؛ فإن الإسماعليين سينقرضون في سورية في غضون 10 سنوات، والعلويون خلال 25 سنة.
لقد مضى على هذه الدراسة التي تنبأت بانقراض العلويين في سورية خلال 25 سنة، (7) سنوات، ما يعني أن المدة المتبقية حسب الدراسة لا تزيد على 18 عامًا، علما أن الدراسة ربطت هذا الانقراض ببقاء التشيع على معدلاته، فكيف إذا عرفنا أن حضور الشيعة قد تعزز بعيد اندلاع الثورة قبل حوالي 3 سنوات، حيث تدفقت آلاف من غلاة الشيعة والمتشيعين المسلحين (إيرانيين، وعراقيين، ولبنانيين، و يمنيين، وباكستانيين، وأفغان هزار، و حتى أفارقة).

لاشك أن مثل هذا الحضور الشيعي المكثف، والمسلح، من شأنه تقليص الحضور العلوي، والتسريع بـ"انقراض العلويين"، عبر إقناع مزيد من علويي سورية للالتحاق بصفوف المتشيعين.
إن لم يكن "إعجابًا وتقديرًا" لما يقدمه الشيعة من "خدمات"؛ فعلى الأقل ليضمن العلويون المتشيعون حمايتهم من أيّة تداعيات مستقبلية بعد سقوط النظام الطائفي، ولاسيما أن إيران الصاعدة كقوة كبرى في الإقليم، نصَّبت نفسها "حامية للشيعة " في العالم كله، وهي تخضع علاقاتها (توترًا أو تقاربًا) مع الدول إلى مقياس وضع الشيعة فيها.

شخصيات، وعوائل متشيعة:
هناك شخصيات مهمة قد لا يعرف كثير من السوريين انتماءها الطائفي، قد وصلت إلى مناصب مهمة في السلطة، من بينهم: مهدي دخل الله، وزير الإعلام الأسبق، و آخر سفير للنظام في السعودية، وصائب نحاس، رجل الأعمال البارز، و صاحب شركة نحاس تورز للنقل بين المحافظات.
لقد مثَّل تعيين "دخل الله" الشيعي كسرًا لاحتكار النصريين منصب وزير الإعلام لعدة عقود؛ ما يعني أن هذا النظام لم يخرج من دائرته الطائفية إلاَّ قليلاً عندما عيّن "دخل الله"، وهو ما يعزز الشكوك والأقاويل التي تثار حول تشيع وزير إعلام النظام الحالي "عمران الزعبي"، ولا سيّما أنه غير مؤهل لتسلم هذا المنصب بالذات، هذا فضلاً على اتهامه بالفساد عندما كان مديرًا لمكتب رئيس الوزراء المنتحر محمود الزعبي.
ولا يبدو هذا مستبعدًا في ظل ما كشفته تحقيقات رسمية حول مقتل "محمد ضرار جمو" رئيس الرابطة السورية للمغتربين، حيث تبين من شهادة زوجته أنه كان مُتشيِّعًا، خلافًا لما كان يعتقده الكثيرون من أنه سنّي.
وهناك أيضًا عائلات سورية عريقة قليل من الناس من يعرف انتماءها المذهبي، مثل: نظام، ومرتضى (منهم د. هاني محسن مرتضى: رئيس جامعة دمشق)، وبيضون، والروماني (ومنهم الممثل الشهير هاني الروماني)، والعطار (منهم نجاح العطار: نائبة رئيس الجمهورية لسنوات عدة، و وزيرة الثقافة لسنوات عديدة من قبل، وشقيقة الأستاذ عصام العطار: الداعية الإسلامي المعروف، المقيم في ألمانيا)، وقصاب حسن (منهم المحامي الشهير وصاحب البرنامج الإذاعي الشهير: نجاة قصاب حسن)، ولحام (منهم الممثل المعروف: دريد لحام، المعروف بغوار الطوشة)، وبختيار، أو إختيار(منهم رئيس مكتب الأمن القومي: هشام بختيار، الذي قتل في تفجير خلية الأزمة).
لقد قام بختيار هذا بزرع دعاة التشيع في وزارة التعليم العالي، فعين الدكتور هاني مرتضى (الشيعي) رئيس جامعة دمشق الأسبق، وزيرًا للتعليم العالي، الذي عين بدوره الدكتور عبد الرزاق شيخ عيسى (الشيعي) أمينًا لجامعة دمشق، ثم عين الدكتور عباس صندوق (الشيعي).

مرجعية الشيعة في سورية:
لا يتبع الشيعة في سورية مرجعًا واحدًا، فمنهم من يتبع "علي السيستاني" في النجف بالعراق. و منهم  "علي خامنئي"، المرشد الإيراني، وآخرون (كانوا) يتبعون محمد حسين فضل الله في لبنان، الذي كان على قيد الحياة في عام 2007م.

حزب البعث، والتشيع:
انتهج حزب البعث سياسات تهدف إلى إضفاء الشرعية على العقيدة العلوية، التي كان لها دورٌ بارزٌ في صياغة سياسة الحكومة السورية تجاه الشيعة، وكان أحد أبرز نتائج هيمنة العلويين السياسية، هو إيلاء دمشق اهتمامًا شديدًا لعلاقاتها مع وإيران ولبنان، حيث كانت العلاقات مع الأخيرة تتعزز بفضل العلاقات الشخصية لأركان نظام الأسد مع زعماء لبنان الشيعة.

مصير من يقف في وجه التشيع:
إن الذين يبدون معارضة للنشاطات الدينية والسياسية التي تقوم بها المنظمات الإيرانية في سورية، ولاسيّما في محافظة الرقة، يتعرضون للاعتقال من قبل قوات الأمن، حيث يواجهون اتهامات جاهزة بأنهم من "الوهابيين" أو "السلفيين الأصوليين".
وإنه لمن اللافت للنظر أن تكون تهمة "وهابي" ، أو"سلفي" لمن كان يعارض التشيع والتمدد الإيراني، أن تكون هي نفس التهمة التي سارع النظام لإطلاقها على الملايين من الشعب السوري، عندما قرروا النزول للشارع والجهر بمعارضته، في آذار 2011م.
في رد فعل على الوتيرة المتزايدة للتشيع، وعلى عدم اكتراث النظام في دمشق بذلك، أطلق الداعية السعودي البارز سلمان العودة، تحذيرًا في نهايات 2006م، واصفًا التمدد الشيعي في أوساط السُّنة بأنه (لعب بالنار).
وجاءت تحذيراته على أثر زيادة نشاط التشيع في سورية، وقيام الإيرانيين ببناء ضريحين، الأول على ما يُعَدُّ قبرًا للصحابي عمار بن ياسر، والثاني على قبر التابعي أويس القرني، وكلاهما في محافظة الرقة.
لقد انبرى عدد من الشخصيات الشيعية، و المتشيعة للرد على "العودة"، فنفى اثنان منهم (هما: عبد الله نظام، ونبيل الحلباوي)، وجود أية "حملة تشييع" بين السنة، وطالبوا من يدعي خلاف ذلك بأدلة، وكذلك نفى رجل دين نصيري بارز (ذو الفقار فضل غزال) أي نشاط لتحويل العلويين إلى التشيع.
وأرسل المتشيع د. عبد الله نظام، المشرف على المؤسسات والمزارات الشيعية في سورية، والمدرس في حوزة السيدة زينب، رسالة توبيخ إلى سلمان العودة قال فيها: "نتمنى أن يريح العودة نفسه وذهنه؛ فليس هناك خطر على العقيدة السنية هنا، ونحن نعارض الأشخاص الذين يبيعون دينهم".

وهناك شخصيات سورية سنية شهيرة اتهمت المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق بممارسة أنشطة لا تتفق مع أهدافها الرسمية المعلنة، وأنها تعزز جهود التشيع سورية.
يذكر أنه في مدينة داريا القريبة من دمشق، بدأ الإيرانيون في إنشاء مركز شيعي واسع، تحت اسم مقام السيدة سكينة، وزار مسؤولون إيرانيون بارزون الموقع للتعبير عن دعمهم لهذا المشروع، وفي مقدمتهم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، الذي حط رحاله في الموقع خلال زيارة له إلى سورية مطلع 2006م.
ولما كان سكان المدينة على بينة بما تبيته إيران لمدينتهم، احتجوا لدى رئيس البلدية الذي كان يؤيد وجهة نظرهم، ولكن النظام وأجهزته الأمنية، قرروا الرد على "الدارانيين" بحسم، فتم عزل رئيس البلدية المتعاطف معهم، وعُين آخر بديلاً له.
ولغاية مقصودة، حرص بشار على التقاط صورة له أمام لافتة تشير إلى "مقام السيدة سكينة"، خلال جولة نادرة له على حواجز قواته في داريا، نُشرت صورها في الأول من آب 2013م.

(4)

انتشار التشيُّع في المحافظات السورية:

1ـ دير الزور:
تعزى موجة التشيع في منطقة دير الزور إلى المُتشيعين من بلدة حطلة، حيث اعتنق (10 %) من سكان البلدة البالغين 30 ألف نسمة المذهب الشيعي، وبدأ الأمر مع "عمر الحمادي"، وهو رقيب أول في الجيش، خدم في غرب وجنوب سورية، تشيَّع في عام 1979م عندما كان في درعا، ثم أقنع "الحمادي" ابن عمه وصهره "ياسين معيوف" بالتشيع، وكانا المتشيعين الوحيدين في تلك المنطقة.
في عام 1982م دعت جمعية "المرتضى"، التي أسسها جميل الأسد، وجهاء وشيوخ العشائر السورية إلى مقر الجمعية في القرداحة، وطلبت تعاونهم مع أنشطتها الخاصة بالتشيع، وعُين "ياسين معيوف" رئيسًا لفرع الجمعية في حطلة.
وقبل حل جمعية المرتضى كان ياسين معيوف قد تواصل مع إيران، وأصبح واحدًا من "الطلاب" المبتعثين إليها، واستمر "معيوف" وآخرون -من بينهم إبراهيم الساير-، في تلقي الأموال من المستشارية الثقافية الإيرانية، ومن حوزة السيدة زينب، ومن عدد من التجار الشيعة في دول الخليج.
وبهذا فليست طهران المصدر الوحيد لـ"المال الشيعي" في دير الزور، فهناك شيعي من منطقة الخليج كان يتردد شهريًا إلى دير الزور، حاملاً معه أموالاً من شيعة الخليج، مع وجود احتمال قوي بأن الرجل كان يعمل بالتعاون مع المستشارية، ويعطي هذا الشيعي المال لـ"معيوف" و"الرجا" ويحدد لهما كيفية التوزيع على كل المتشيعين، يقال إن المبلغ المعتاد صرفه هو 5 آلاف ليرة شهريًا لكل متشيع.

ويعدّ هذا المبلغ ذا قيمة في عام 2009م، لأسرة ريفية، فكان يساوي أكثر من 100 دولار، وكانت سورية وقتها لا تزال تنعم بـ"نعمة" رخص المعيشة بشكل عام.
هناك عددٌ من المحسوبين على المثقفين في منطقة دير الزور كانوا ينشطون أيضاً في دعم حملة التشيع، من هؤلاء "أمير شبيب"، صاحب مكتبة القرآن الكريم الواقعة في ساحة دير الزور الرئيسة، و"عبد الله حمدان"، الذي تشيع والده أولاً، وتبعه هو في عام 1990م، وتربطه صلة قرابة بالمتشيع ياسين معيوف.
وكان "حمدان" يبيع الكتب على جسر الفرات بالقرب من مسجد السرايا، وقيل إنه كان يعير كتب الشيعة، ولاسيما للنساء والفتيات، مثل كتاب محمد جواد مغنية، "الاثنا عشرية وأهل البيت"، والملاحظ أنه كان يبيع كتبًا أخرى؛ للتمويه على نشاطه، وجذب مزيد من الزبائن.
قام هؤلاء المتشيعون ببناء ما لا يقل عن 6 حسينيات في سنة 2009م في بلدة حطلة والقرى المجاورة لها، فضلاً على عدد آخر في القرى المجاورة، وكان يتم شراء الأرض التي تبنى عليها الحسينية بمبالغ باهظة تحفيزًا لأصحابها.

وكانت مثل هذه الصفقات تُعقَد حتى في المناطق التي لا يوجد فيها متشيعون، وذلك طمعًا بالحصول على موطئ قدم فيها؛ تحسبًا لأية نشاطات مستقبلية لإيران فيها. فكان يتم شراء الأرض بمبلغ مليون ليرة (20ألف دولار) للدونم الواحد (ألف متر مربع)؛ على الرغم من أن سعره في الواقع لا يزيد على 50 ألف ليرة.
لقد جنَّد المتشيعون في "حطلة " أنفسهم كغيرهم من التجمعات الشيعية ليكونوا خنجرًا في ظهر الثوار ومقاتلي الجيش الحر، وقد سبّب غدرهم المتكرر بشن حملة على البلدة، قتل فيها 60 شبيحًا، الأمر الذي سماه النظام "مجزرة" وبعث رسالة خاصة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، مطالبًا بالتحرك ضد من "ارتكبوها.

2ـ الحسكة:
تشير المصادر إلى ازدياد نشاط العاملين في حقل التشيع في محافظة الحسكة التي تسكنها نسبة كبيرة من الأكراد.
لقد تم توزيع منشورات تدعو الناس إلى التشيع، وتستهدف بشكل رئيسي الشباب والعاطلين عن العمل، و وزعت في المحلات التجارية بمدينة، واحتوت على وعود براتب شهري يتراوح بين 5-10 آلاف ليرة (من100 إلى200 دولار وفق سعر الصرف حينها).
وكعادتهم كان العاملون في الدعوة للتشيع يستغلون الفقر في المنطقة، ويمارسون نشاطهم بعلم السلطات، ووفقا لبعض المصادر، فإن من يرعى نشاط التشيع في الحسكة هم الإيرانيون، وتحديدًا ملحقهم الثقافي في حلب (عبد الصاحب الموسوي: يتحدث العربية بطلاقة)، بالتعاون مع أجهزة استخبارات النظام.
لقد قام هؤلاء بشراء الأراضي لبناء حسينيات، وكانت آخر صفقة لهم في مدينة القامشلي (ذات الأغلبية الكردية السُنية)، كما تم بناء حسينية "آل البيت" في حي النشوة، بتمويل من رجل أعمال شيعي من الكويت.

3ـ حمص:
يوجد في ريف حمص أكثر من عشرين قرية شيعية، منها: (الحميدية، وأم العمد، والثابتية، والمختارية، والغور، وزيتا، والديابية، والمزرعة، والزرزورية، والدلبوز) هذا فضلاً على القرى، والأحياء العلوية.
إلاَّ المستهدف في التشيُّع هم أبناء السُّنة في المدينة على وجه الخصوص، فتمّ بناء مسجد شيعي، وعدد من الحسينيات تستَّر القائمون على الأمر عليها خوفًا من ردة الفعل التي ستواجههم من أهال حمص الذين لديهم حساسية مفرطة من أمر العلويين الذين استولوا على كرومهم وأراضيهم وحولوها إلى أحياء لهم مع مرور الوقت، ولاسيما بعد مجيء حافظ الأسد إلى السلطة.
و منها حسينية حي البياضة التي وقعت تحت أيدي الجيش الحر، و تمّ حرقها مع ما فيها من مكتبات ضخمة للكتب الشيعية، في:14/ 4/ 2012م.
هناك منطقة فيها اشتهرت بالنشاط الشيعي، لدرجة أنها كانت  تسمّى "حي إيران".

4ـ طرطوس:
نشط الشيعة الإيرانيون والعراقيون في الساحل السوري بشكل لافت للنظر، علمًا أنه قد سبق لرمز التشيع "جميل الأسد" أن تمدد هناك، بدعم وتشجيع من أخيه حافظ.
ويشار هنا إلى أن واحدة من ثمرات التشيُّع الباهرة في الساحل، يمثلها مدير أوقاف طرطوس حينها، "محمد عبد الستار السيد"، الذي دافع علنًا عن العقيدة الشيعية، في الصفحة الأولى من مجلة "المنبر" الإيرانية، وهي مجلة مكرسة للمتشيعين.
ويبدو أن هذا الموقف من "السيد" - هو ما أهله لنيل رضا بشار شخصيًا، فرقّاه مباشرة من منصب "مدير أوقاف طرطوس" إلى معاون لوزير الأوقاف في 2002م، ثم وزيرًا للأوقاف سنة 2007م، وظل محتفظًا بهذه الحقيبة في أكثر من تغيير وزاري، و كان من الوزراء الذين جدّد بشار ثقته فيهم خلال الأزمة.
لقد قام هذا الوزير (المُمالئ) بإضعاف التعليم الشرعي السني، ومنع استحداث ثانويات شرعية سُنِّية، ومنع قبول الطلاب الأجانب والعرب في أية مؤسسة تعليمية سورية، وطلب من الجهات الرسمية التضييق في منح الإقامات للقدامى منهم، ومنع التمويل الخارجي لهذه المؤسسات، وأعفى كبار القائمين على التعليم الديني من عملهم، مثل (الشيخ عبد الرزاق الحلبي، و الشيخ سارية الرفاعي، والشيخ صلاح كفتارو، و د. عبد الفتاح البزم، و د. حسام فرفور، ، و د. عبد السلام راجح).
كما أوكل إلى الدكتور المُتشيِّع عبد الله نظام، المعروف بعلاقته بالسفارة الإيرانية، وعينُها على كلية الشريعة في جامعة دمشق، أمرَ تنقية مناهج الثانويات الشرعية (السنية) من الأمور التي لا يرضى عنها الشيعة.

5ـ اللاذقية:
شهد محافظة اللاذقية علميات تشيع في ثمانينات القرن الماضي، بتحريض من جمعية "المرتضى" التي أسسها جميل الأسد إبان أحداث الإخوان المسلمين، عندما أراد النظام أن يخرج من حالة القطيعة مع المذهب الشيعي الذي يعدّ النصيريين كفارًا، لمواجهة أهل السنة الذين يتهمونهم بالكفر أيضًا، حيث بنت هذه الجمعية قرابة 76 حسينية في المنطقة، وكان أكبرها في منطقة دمسرخو، بمساحة تعادل 6 آلاف متر مربع، وأصغرها تلك في قرية عين التينة، بمساحة 40 مترًا مربعًا فقط.

لم تستخدم هذه الحسينيات في أول الأمر للدعوة للتشيع، بل كانت بمثابة أماكن لاجتماع المعارضين من أبناء الطائفة العلوية للحكومة، من أتباع رفعت، وجميل الأسد وابنه فواز، عقب الصراع الذي نشب بين حافظ وأخيه رفعت بعد مساعي حافظ لتوريث السلطة لابنه باسل؛ الأمر الذي أثار حفيظة رفعت وإخوته وأولادهم.
بعد موت حافظ الأسد، مكّن بشار طهران من كسب نفوذ متزايد في سورية، ولاسيما بعد سقوط بغداد، فبدأ الإيرانيون إدارة شؤون الشيعة في اللاذقية بأنفسهم، و بدأ الأمر بتدشين هذه المرحلة الأخيرة من بناء "حوزة الرسول الأعظم" في حي الأزهري، على قطعة أرض تابعة للوقف السني، وعيّن العراقي " أيمن زيتون"  ممثل الخامنئي في المنطقة، مديرًا لها، و بنت جمعية "المرتضى" (76) حسينية في منطقة اللاذقية، مساحة إحداهن تتجاوز ستة آلاف متر مربع، كما بني مركز ثقافي في حي الزراعة، يعمل فيه أكثر من 300 عراقي ولبناني، كانت مهمتهم الأساسية استمالة الناس، وتقديم المغريات لهم كي يتشيعوا.

يعدّ "أيمن زيتون"، الذي كثيرًا ما تظهر صوره في الصحف اليومية، من أبرز الشخصيات الشيعية نفوذًا في اللاذقية، وهو صاحب كلمة مسموعة في كل التعيينات الإدارية في المدينة، وهو يعد المتشيعين علنًا بالوظائف والقبول في الجامعات، وحتى بالزوجات، ويقوم بإرسال من يرغب في "الجهاد" منهم إلى جنوب لبنان، للالتحاق بصفوف مليشيا "حزب الله".
لقد بلغ نفوذه حدًا جعل محافظ اللاذقية، وأمين حزب البعث (وهما أعلى مسؤولين في المحافظة)، لا يذهبان إلى أي مكان من دون مرافقته، يذكر أنه في اجتماع مغلق ذات مرة تباهى زيتون قائلا: "الغرب يعتقد أننا سنهاجم من صيدا وصور، ولكننا سوف نفاجئهم من اللاذقية وطرطوس".
كان المسؤولون الإيرانيون يزورون محافظة اللاذقية بانتظام، وفي إحدى زيارات وزير الإسكان الإيراني للمنطقة، قدم 300 شقة جديدة إلى المتشيعين الجدد في اللاذقية، وقد زار رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران، هاشمي رفسنجاني المنطقة، ودعا السكان إلى زيارة إيران.
وتظهر آثار النفوذ الإيراني أيضا على الجامعة التي تضمها المحافظة؛ ومن ذلك قيام رئيس جامعة تشرين في آذار 2007م، بتخصيص مبنيين في الحرم الجامعي لإيران، لغرض إنشاء كلية شيعية ضمن الجامعة.

6ـ إدلب:
يوصف العاملون في التشيع على مستوى محافظة إدلب بأنهم نشيطون جدًا، حتى إن بعضهم يقدم مبالغ نقدية تقدر بـ2500 ليرة، فقط لمن يسمي ابنه الحسن أو الحسين!
شهدت المحافظة في نهاية 2006م، افتتاح كلية في بلدة الفوعة الشيعية، وكان منهاجها إيرانيًا خالصًا، وقدمت العديد من الحوافز للمستهدفين بالتشيع.
تعد قرية زرزور، القريبة من الحدود التركية في منطقة جسر الشغور، من أبرز مراكز النشاط الشيعي في المحافظة، شهدت أول حالة تشيع في عام 1945م، على يد المتشيِّع محمد ناجي غفري، الذي حافظت السفارة الإيرانية على اتصال منتظم معه، وساعدته في بناء حسينية كبيرة، هي أقرب ما تكون إلى مجمع شيعي بعموم منطقة الجسر، وقد تمّ الدخول، و السيطرة عليها من لدن الثوار منذ وقت مبكر من عمر الثورة، في: 12/ 12/ 2012م.

في سنة 2007م أصبح ربع سكان "زرزور" من الشيعة، وقد تشيعت أسر بأكملها، منهم: "طرمش، المنجد، السيد"، وانتشرت عملية التشيع أيضًا إلى بعض القرى المجاورة، ولكن بأعداد أقل.

7ـ درعا:
يوجد نسبة من الشيعة في بلدات من درعا، مثل بصرى الشام، التي سكنها الشيعة منذ قرن من الزمان، ولكن هؤلاء الشيعة كانوا يتظاهرون أنهم سنة، وكانت هذه حالهم حتى عام 1997م.
غير أن اللافت للنظر في أمر التشيع في درعا هو ظاهرة (زيدان غزالة من بلدة قرفا: ابن عمّ اللواء رستم غزالة، الرئيس السابق للاستخبارات السورية في لبنان، خلفًا لغازي كنعان، وزير الداخلية المنتحر، ابن طائفة بشار، لقد قربه بشار ورقاه تباعًا حتى عينه رئيسًا لجهاز الأمن السياسي).
لقد تخرج في كلية الشريعة: جامعة دمشق، وانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين في أول الأمر، ثم تركها إلى حركة "المرتضى"، ثم تشيع علنًا، وبدأ الدعوة للمذهب الشيعي، حيث كان يتلقى دعمًا ماليًا من إيران، ويقدم إغراءات للشباب، معتمدًا على دفع "الكاش" وتقديم الأثاث والكتب والملابس.
شجع "زيدان غزالة" الزواج المؤقت (المعروف بزواج المتعة)، مقدمًا فتيات صغيرات للرجال الباحثين عن تلبية احتياجاتهم الجنسية، من دون أن يرتبطوا برباط الزواج المعروف.
من كان ينكر على "زيدان" نشاطه هذا؛ يجد نفسه في السجن، أو مهددًا من قبل قوات أمن النظام، التي كان "زيدان" على صلة وثيقة بها، مستندًا في ذلك على نفوذ ابن عمه اللواء رستم.
كان زيدان إمام، وخطيب مسجد علي بن أبي طالب في حي الزاهرة بمدينة درعا، في عام 2007م،  وهو مسجد سُنّي استولى عليه زيدان قسرًا.
هناك جالية شيعية عراقية في محافظة درعا، كانت قد استقرت فيها قبل سقوط بغداد في عام 2003م، واستمرت في النمو، حتى بات هناك شارع كامل في مدينة درعا يحتله التجار الشيعة العراقيون، بنى هؤلاء التجار حسينية، وألحقوا بها مرافق عدة، مثل روضة الأطفال، وغرفة للحاسوب ومكتبة للأطفال.
ومنهم شخص اسمه أبو جعفر العراقي، له دورٌ بارز في نشر التشيع في درعا، ولاسيما بين الأثرياء والأطباء، الذين كان يعرض عليهم رحلات مجانية إلى إيران، كما كان يغدق الأموال والهدايا على الطلاب والفقراء.
وكان يحضر مناسبات يتم فيها لعن الصحابة الكرام، واتهام زوجة النبي عائشة رضي الله عنها بالفاحشة (التي نزهها عنها القرآن الكريم)، كما قام بتوزيع مئات من كتب الشيعة في أنحاء محافظة درعا جميعها، وأصبح خطيبًا في مسجد الرسول الأعظم الذي شيد مؤخرًا في عام 2007م في درعا.

يعدّ بناء الحسينيات مؤشرًا على تزايد التشيع في محافظة درعا، فضلاً على كونه أداة لتشييع مزيد من السوريين، فبناء أول حسينية في مدينة درعا كان في عام 1976م، بالقرب من المطار، لتكون إلى جانب اثنين من المساجد السنية.
وكان رجالات الشيعة (إيرانيون وعراقيون ولبنانيون وحتى سوريون) يقومون بزيارة هذه الحسينية، وفي مقدمتهم الدكتور المُتشيِّع عبد الله نظام (قيادي قوي) يشارك في كل محافل الشيعة في سورية.
وهناك حسينيات في بلدات أخرى من درعا، يتراوح سكانها بين 5 آلاف و33 ألف نسمة، يذكر أنه في بعض المناطق، مثل بلدة المليحة الغربية، أدى بناء الحسينية إلى انعزال الشيعة عن السنة، حتى إن الشيعة في هذه البلدة ميزوا حوانيتهم وورشهم بأسماء شيعية.
حدثت عمليات تشيع في عدد من البلدات والقرى التي لا توجد فيها حسينيات؛ كبلدة الصورة، التي تشارك عائلة شيعية منها بنشاط واسع في الدعوة للتشيع، وتوفر "حوافز" للشباب حتى يتشيعوا.

8ـ حلب:
ينشط التشيع في حلب، بفضل عمل عدد من سكانها البارزين في ذلك، ويعد "مسجد النقطة" قرب جبل جوشن المركز الرئيس لذلك في المدينة. و هناك في الريف بلدتان شيعيتان، هما نُبلْ والزهراء، يُعدُّ سكانهما من النشطاء في الشؤون الشيعية.
يسيطر الشيعة في حلب على مستشفى الهلال الأحمر، و هو تابع للقنصلية الإيرانية فيها، التي يرأسها عبد الصاحب عبد الواحد الموسوي، و لها نشاط كبير في نشر التشيع بين طلاب الجامعات، و هي واقعة قرب حرم الجامعة، وتقدم وجبات للطلبة على أمل جذبهم للتشيع.
عادة ما يقيم الشيعة في حلب احتفالات كبيرة في المناسبات الدينية، كـ "المولد النبوي"، وميلاد "الإمام جعفر الصادق".
يذكر أنه في احتفال "أسبوع الوحدة الإسلامية في: 30 أيار/ مايو 2002م، و بحضور القنصل الإيراني، الذي أقيم في "مسجد النقطة"، حضر قرابة 5 آلاف من الرجال والنساء الشيعة، معظمهم من "نبل" و"الزهراء"، ولم يخل الحضور من بعض السنة، وضعت شاشة كبيرة ومكبرات صوت وأجهزة عرض أعدت بعناية فائقة، وغطيت الجدران بصور كبيرة تحتوي على زخارف ومدائح للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، وتم افتتاح الاحتفال بتلاوة بعض الآيات القرآنية.
و كان حضور حزب الله كبيرًا في الاحتفال، فقد وضعت صورة "حسن نصر الله" بجانب صور "الخميني" و"خامنئي". ومَثَّلَ الحزب نائب زعيمه، المدعو "نعيم قاسم"، الذي تحدث عن "إنجازات حزب الله في جنوب لبنان". كما قرأ الشاعر الشيعي عبد الكريم تقي، قصيدة يمدح فيها التشيع والمتشيعين.
وفي نهاية الاحتفال تحدث الملحق الثقافي الإيراني، ذاكرًا عددًا من الكتب المفيدة لتعزيز إيمان الناس، مثل "نهج البلاغة" و"الصحيفة السجادية".
وكان أهم حدث في ذلك الاحتفال ترتيب "زواج جماعي"، حيث عُقِدُ قِرانُ 60 زواج على نفقة السفارة الإيرانية، كما أعلن مقدم الحفل، و وعد الملحق الثقافي كل عريس بالحصول على هدية من السفارة الإيرانية، ومكتب خامنئي.
   
          
----------------------------------------
( * ): من مواليد قرية الجشّ في الجليل الأعلى بفلسطين، أكاديمي، نذر جل بحوثه للتعمق في واقع الشيعة والمتشيعين: عقائديًا واجتماعيًا وأدبيًا، حتى غدا واحدًا من المراجع الدولية المعتمدة في هذا الباب، له مؤلفات ودراسات عدة في ذلك، من أهمها: "معجم مصطلحات الشيعة"، "وفاة فاطمة الزهراء عليها السلام"، "من شعراء الشيعة في جبل عامل": دراسة وتحقيق وشرح ، "ظاهرة التشيع في السودان"، و"دور الشيعة في سورية، الذي نشر في حزيران، سنة 2009م، في دورية "كرنت تريندس" (اتجاهات معاصرة)، التي يصدرها (هدسون إنستتيوت) الأمريكي.
نشر ما يزيد على 60 دراسة، ومقالاً في مجلات عالمية محكّمة، و10 كتب صدرت عن دور نشر عالمية، حصل على شهادة الدكتوراه عام 2000م عن أطروحته "مقتل الحسين بن علي في الأدب الشيعي ).

 

 

رابطة أدباء الشام

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع