نبيل يوسف
تصدير المادة
المشاهدات : 3513
شـــــارك المادة
يسعى كاتب هذا الملف، الذي قامت أورينت نت بمراجعته وتنقيحه، إلى إلقاء نظرة نقدية فاحصة على نشأة الجيش السوري، وتركيبته الداخلية، متتبعا الآلية التي تم تحويله عبرها من مؤسسة وطنية، إلى جيش مسكون بالولاء الطائفي والعائلي، ومستعداً لارتكاب كل جرائم (الخيانة العظمى) والمساس بقيم الشرف العسكري في سبيل الحفاظ على الولاء لمصالح أفراد، وفساد عائلة، واستبداد طائفة...
وهو أمر يبدو في كل ما قام به هذا الجيش من عمليات قتل وتدمير في طول البلاد وعرضها خلال عامين ونصف من الثورة، أكبر من أن يتصوره عقل أو عاقل! (أورينت نت)
"نزلوا وحوش عالساحة.. حيوا أسد القرداحة.. لعيونك يابو سليمان بدنا نحرر الجولان".. ما إن يقولها المجندون في ركضهم ضمن سياق فصلة عسكرية تجاه الساحة الرئيسية في إحدى مراكز التدريب، حتى يصيح الضابط أعلى أعلى أعلى.. ويعيدون صيحاتهم كونهم "رجال الأسد" لا مقاتلي جيش الوطن، وكونهم سيحررون الجولان كرمى عيون "حافظ الأسد" حياً كان أو ميتاً وليس لأنه قطعة من الوطن من واجب الجيش استعادتها.
جمل بسيطة يحفظها كل من أدى خدمته في الجيش السوري، إضافة إلى المشاهد التي لن يتبادر لذاكرة المجند بعد تسريحه سواها "العقوبة الجماعية أو الفردية، السوق إلى المطعم وشكل الطعام ونكهته، السوق إلى السجن، انتظار الإجازة، التفييش وسواها"، كل تلك الجمل تخص جيشاً لم يتفق مع ذاته أبداً بقدر اتفاقه في مواجهة ثورة الشعب السوري، فقد كان من المنطقي جداً أن ينقاد الجيش ذو التاريخ الأسود المتأصل في ذاكرة من أدى خدمته به أن يقف في صف المجرم ويصبح أداة الجريمة، ويسهم في إحراق البلاد بدلاً من إنقاذها. البنية العامة: عبر عقود مضت تتردد شائعات ودراسات بين فترة وأخرى عن قوة الجيش السوري وأنه يصنف بين أقوى الجيوش في المنطقة والثاني على المستوى العربي بعد الجيش المصري حسب بعض الدراسات، ويعود هذا التنصيف إلى مقوم أساسي هو الصواريخ والمضادات الجوية التي يمتلكها "الصواريخ ذاتها التي تستخدم حالياً في قصف المناطق المدنية"، إلا أن الدراسات الأكثر تمحيصاً وأكثراً خوضاً داخل المؤسسة العسكرية ربما كانت الأجدى والأكثر إقناعاً في رؤية هذا الجيش.
يقول نيكولاوس فان دام الباحث الهولندي المتخصص في السياسة السورية ومسؤول كبير سابق في وزارة الخارجية في حوار أجرته معه وكالة رويترز: "مصير كثير من كبار القادة مرتبط بشدة بمصير الأسد وإن أيه محاولة للقيام بانقلاب داخلي ستكون خطيرة للغاية على من يفكرون فيه. إذا اكتشف أمرهم سيقتلون رميا بالرصاص سريعاً"... الباحث هنا يضع النقطة الجوهرية التي تمس قمية المؤسسة العسكرية السورية ككل "الارتباط بالأسد" وهو تماماً ما يعطي الجيش انتماءً لصالح الإدرة الحاكمة على يسار الانتماء للوطن تماماً، وهو ما يلغي أصلاً عن الجيش صيغته السورية أو العربية السورية كما يدعى، وما يجعل مصطلح "الجيش الأسدي" الذي يمر كجملة عابرة في صفحات معارضة هو القول الأجدى والأقرب إلى صورة هذا الجيش.
وتتوضح يوماً بعد يوم عنصرية الجيش كمؤسسة تجاه الأفراد "المواطنين" بمعنى أن شعاراته القديمة ترمى على جنب، وحتى العلم لم يعد شعاراً فما يرفع الآن في المنطقة التي يستعيد الجيش السيطرة عليها هي صور الأسد أو يتم كتابة جمل تربط المكان "الوطن" بالأسد "الشخص" وتجعل الجيش "المؤسسة" حرس شخصي "عصابة" لشخص واحد "رئيس". باتريك سيل المحلل الأكثر قرباً وعرفة بنظام الأسد أيضاً يختصر الجيش بالأسرة الحاكمة فيقول "ما دامت أجهزة الأمن والجيش موالية للأسد فسيكون من الصعب جدا الإطاحة به".
في الجيش وأكاديميته: أقصى ما يمكن أن يتعلمه العنصر في الجيش، هو فك وتركيب البارودة الروسية، وإذا انتمى لسلاح أكثر تعقيداً كالدفاع الجوي أو المدفعية فإنه أيضاً يبقى رهين السلاح الكلاسيكي، الذي يوضح الواقع أنه لم يتغير وأن الحداثة التي دخلته مؤخراً إنما هي مساعدات دول كبرى للقضاء على الثورة، بمعنى أن تطوير هذا الجيش جاء نتيجة حالة وظيفية طارئة له وهي تدمير الوطن، بينما كانت العقود السابقة المتميزة بوقف إطلاق النار، هي بمثابة غبار يتراكم فوق الأسلحة السوفييتية، التي يتم تطويرها بشكل ضعيف وصيانتها الدورية بطرق كلاسيكية.
تكتيك ـ أنظمة خدمة ـ صحة عسكرية ـ دروس حزبية ـ رياضة ـ أسلحة ـ عتاد حربي.. هي محاضرات يتم تلقينها للعسكري ليل نهار بحيث أنها لم تختلف بمنهاجها منذ مطلع السبعينيات وحتى الآن، أما عن صمود هذا الجيش في المرحلة الراهنة فهو ليس أكثر من صمود كم هائل من الرصاص في وجه صدور عارية أو شبه عارية.
يتلقى كل من ينضم للجيش تلك الدروس من مثقفين وأميين، ويبلغ الاهتمام بالأمور الحزبية العقائدية أوجه في مختلف قطعات الجيش دون أدنى تطوير للخطاب، فالجميع ينتظر المعركة مع العدو وفق المفهوم النظري الذي يتلقاه العسكري، ويكفي أن نعلم بأن من توصيات آخر مؤتمرات القادية القطرية لحزب البعث في سورية هو "الاهتمام بالعسكريين غير الحزبيين وتوفير المناخ لهم من أجل تفاعلهم الإيجابي مع الحزب والثورة لصالح الوطن".
من جيش سوريا إلى جيش الأسد! لم يعتد الجيش السوري مع تأسيسه بعد خروج الاحتلال الفرنسي على عنصر بشري بعينه، إلا أن انزياح بعض قياداته نحو خلق تكتلات معينة ذات أسس سياسية وأحياناً طائفية كانت حاضرة إنما لم تكن صيغة عامة، فقد اجتذبت النشاط العسكري اهتمام أبناء الطوائف في فترات مختلفة، بوحي من تشجيع فرنسي منذ كان هناك ما يسمى (جيش الشرق) أثناء الانتداب. وقد أنتجت في مرحلة من المراحل انقلابات عسكرية وتصفيات، لكن رغم ذلك بقيت للجيش تقاليد ما، قد تطغى على السياسة وتتدخل بها، لكنها لا تصل إلى المساس بالشرف العسكري المتمثل بوحدة وسلامة الوطن، وباقتتال أبنائه... ولعل هذا الشرف العسكري هو الذي دفع الرئيس أديب الشيشكلي للانسحاب من الحكم بعد حدوث انشقاق عسكري ضده في حلب، رافضا أن يوجه جندي سوري بندقيته إلى صدر جندي سوري آخر ومقدما استقالته إلى الشعب السوري، ومغادرا البلاد في آذار من عام 1954.
مع دخول حافظ الأسد خضم القيادة العسكرية، غابت الكثير من المفاهيم، وراحت تختفي من الحياة العسكرية شيئاً فشيئاً فقد عمل على إحكام سيطرته على الجيش على النحو الذي تتبعت مساره بدقة كارولين دوناتي في كتابها: (الاستثناء السوري بين الحداثة والمقاومة) تقول: (الأسد الذي تخرج من كلية الطيران بحلب عام 1955، وانتدب إلى قاعدة المزة الجوية في ضواحي دمشق، أمضى حياته المهنية عسكريا في سلاح الجو حيث اختار مساعدين مخلصين له، وكون جهاز مخابرات خاصاَ به. وعندما عين وزيرا للدفاع في 23 شباط / فبراير 1966، عزز موقفه داخل الجيش من خلال نقل كل ضابط لم يكن متأكداً من ولائه. وقد ساعده في ذلك مصطفى طلاس الذي تعرف إليه في الأكاديمية العسكرية بحمص عام 1951 والذي أصبح فيما بعد رئيس هيئة الأركان).(1)
وتضيف دوناتي في موضع آخر من كتابها، موضحةً الجذور الأولى لتشكيل قوة عسكرية مخلصة لعائلة الأسد حزبيا وطائفيا: (بعد المؤتمر الإقليمي الرابع لحزب البعث أيلول/ تشرين الأول 1968، سيطر أنصار حافظ الأسد على المكتب العسكري للحزب، ومنعت الاتصالات بين المسؤولين المدنيين والعسكريين البعثيين. وأصبح رفعت الأسد بمثابة الذراع اليمنى "المسلحة" لأخيه حافظ في هذا الصعود نحو السلطة. بدءاً من عام 1964 تقلد قيادة قوة خاصة أنشأت في الأصل لدعم أنصار المجلس العسكري داخل الحزب. وتكونت كتائب الدفاع من عناصر مخلصة لعائلة الأسد، هذه القوة هي التي شكلت نواة الحرس العسكري لحافظ الأسد، وقد استعان بها رفعت للتخلص من أنصار صلاح جديد في الجهازين العسكري والمدني للحزب، لا سيما في المناطق العلوية كاللاذقية وطرطوس).(2)
الجيش الريفي: على صعيد القاعدة بدأ هذا الجيش بنموذج تأسيس جديد، معتمد أصلاً على هجرة الريف إلى المدينة، بحيث حاول حافظ الأسد سوق المتطوعين في قطع الجيش من ريف الساحل بالدرجة الأولى إلى مختلف التشكيلات الكبرى في دمشق وحمص ثم إلى باقي المحافظات، وبدأ استقرار المتطوعين الجدد في أحياء مغلقة إلى حد ما على أطراف المدن لتصبح أشبه بثكنات عسكرية ولائها المطلق للأسد الذي بنظرها "قام بانتشال أبناء جلدته من الريف الزراعي إلى الحضارة المدنية"، ولم يخل ذلك من اللعب على الجانب العقائدي "العلوي" تجاه أبناء طائفته والمصلحي التخويفي "تجاه أبناء الطوائف الأخرى"، وبرز ذلك جلياً في زج الجيش بمختلف قضايا السياسة المحلية والخارجية، فأصبح جيشاً غازياً بامتياز وتمثل ذلك بدوره في مجزرة حماه "1982" وقبل ذلك دخوله إلى لبنان في نهاية سبعينيات القرن العشرين، ولعبه على مختلف الصراعات الطائفية والسياسية في لبنان.
يقول الباحث حازم صاغية في كتابه (البعث السوري) واصفاً سلوك جيش الأسد في تدمير حماه: (جرّد الأسد حملة من ثلاثين ألف جندي تولوا على مدى أيام، تدمير المدينة القديمة، بما فيها أشهر مبانيها التراثية ودور عبادتها الإسلامية والمسيحية و"متحف العظم" الحافظ بعض ذاكرتها. وفي أخذها الصالح بجريرة الطالح، قتلت تلك القوات عدداً من أهل المدينة، خفّضه النظام إلى ثلاثة آلاف نسمة، ورفعه بعض معارضيه إلى أربعين ألفاً. ومن قبيل محو الجريمة، أقيمت في مكان المدينة القديمة، مدينة حديثة وذات طرقات عريضة ومبانٍ مرتفعة ومتاجر ذات واجهات مزركشة، إلا أن قيامها فوق الجماجم والأنقاض وسم "حداثتها" تلك ببربرية يصعب تمويهها). (3)
وفي جميع الحالات تم توظيف المفهوم الريفي والتركيز عليه، وتصوير المدينة على أنها "وحش" من واجب ابن الريف ترويضه بكافة الطرق، وتبرير السلوك الجرمي للعسكريين من قتل وسرقة بأنه مهمة وطنية وهو ما تمثل بمكتسبات الضباط والعناصر من لبنان ومن ثم عاد هذه الصورة مع بداية الثورة السورية، فما جرى في بيروت غربها وشرقها جرى في حمص وحلب وريف دمشق ومختلف البقاع السورية.
يقول ياسر نديم سعيد في دراسته "عسكر سوريا.. سوريا العسكرية" متحدثا عن تلك الريفية: (عكس الجيش في بنيته غلبة العناصر الريفية بعد أن كانت قياداته على الأقل مدينية، ثم طغى على قياداته العنصر الريفي العلوي الذي، عبر التنقل والترفيع والتعيين والتسريح وكان الناظم هنا فقط الولاء للقيادة).
منشقون: تعتبر أكثر التجارب جرأة بعد عام 2011 هي الانشقاق عن الجيش السوري، ففي البداية ذكر المحللون السياسيون والعسكريون بأنها قضية شبه مستحيلة، حتى أن المحللين الذين وقفوا مع النظام كانوا يتمسكون بأنه لا يمكن حدوث انشقاقات في الجيش، إلا أن الواقع على الأرض اختلف، وسجلت آلاف حلالات الانشقاق بين أفراد وضباط ربما لم تستطع أن تأخذ شكل انشقاق تشكيل كامل بسلاحه بسبب الوطأة الأمنية وتغلغل المخبرين داخل تلك التشكيلات، إلا أن تلك التجارب كانت هامة على أكثر من صعيد أولها الحقائق التي يحملها المنشقون عن داخل الجيش وماهية العمليات العسكرية وأشكال الجريمة ودلائلها، وثانيها قدرتهم على العمل المضاد في وجه الجيش كونهم خبراء فيه إلى حد ما.
ولم تعتبر القيادة العسكرية والأمنية والسياسية حالات الانشقاق بالخطرة عليها، بل رأتها خلاص للمؤسسة العسكرية من العناصر اللاوطنية وغير المنتمية لعقيدة الجيش، وبالفعل فإن مجرد عدم الانتماء لتلك العقيدة يعني الانشقاق والوقوف مع الشعب في وجه آلة القتل، إلا أن صعوبة حالة الانشقاق أدت إلى مقتل مئات العناصر أثناء محاولتهم الانسقاق أو عند رفضهم إطلاق النار على المتظاهرين وهو ما سجل موثقاً في حالات عديدة.
وأمام هذا المشهد كانت لدى بعض ألوية الجيش الحر مكاتب مسؤولة عن تأمين المنسقين مهمتها التواصل مع دااخل بعض القطع العسكرية وتأمين الفرار إلى خارجها، بحيث شكلت تلك المكاتب مايشبه المؤسسات الاستخباراتية التي استطاعت اختراق الجيش النظامي في عدة مواقع.
رؤية من الداخل: لم يعتمد النظام السوري من حيث الواقع على إمكانيات عناصره العسكرية المعنوية وخاصة من المجندين، كان الاتجاه دائماً نحو الصف الأول والثاني من العقائديين في هذا الجيش، بمعنى من لهم انتماء حقيقي للمؤسسة، الانتماء القائم على المصلحية والعقيدة الدينية بالدرجة الأولى، أي أن الضابط الفلاني ذو الرتبة العالية والذي حقق أمجاداً شخصية فلكية على حساب مالية الجيش واستطاع تطويع أقاربه ومعارفة وصلاته ضمن مراتب جيدة يستطعون من خلالها التدرج نحو القدرة على تحقيق السلطة والمال.. هؤلاء فقط "وهم كثر جداً" من بإمكانهم التعامي بشكل مطلق عن دور الجيش ما بعد آذار 2011، وارتكاب ما تشاء القيادة.. أما الآخرون من مجندين أولاً وغير مستفيدين ثانياً ولديهم عقيدة إنسانية فلا اعتماد عليهم أًلاً إلا كدروع بشرية في بعض الحالات وهم وبعد حوالي ثلاثة أعوام بين منشق وشهيد "تم تصفيته" وفار خارج أو داخل القطر.
والفئة التي لم يعتمد عليه الجيش السوري في حربه ضد الشعب السوري هي من حيث المنطق الفئة التي رأت المؤسسة العسكرية بوضوح وبساطة شديدين، هي الفئة التي تعرف أن أهم ما يمكن أن يحققه العسكري خلال خدمته مجنداً أو متطوعاً هو الإجاز أو الفرار من نوبات الحرس أو المناوبة الليلية والعملياتية، وهم من يعرفون أن كل ما هو داخل القطعة العسكرية ليس ملكاً للشعب يجب الحفاظ عليه وانما استثمار للضباط الكبار لا مشكلة بفقدانه، لذا فالفرار من حراسة هذه القطعة هو عملياً لمعرفتهم الضمنية أن ما هو ضمن هذه القطعة لا يمثلهم، وأن هذه القطعة مصدر تعب وذل لهم وليست مصدر اعتزاز ووطنية بسلاح الوطن، وعندما يقول مجند "ألف رنة جرس ولا نوبة حرس" هو يعرف ببساطة دون تعقيد أو فلسفة أنه لا يريد أن يحرس وأن يقضي ساعات الليل على أبواب منشأة لا مكان له فيها أصلاً.
جيش "فقدان القيمة": في عهد الأسد "الإبن" لم يختلف الجيش عملياً على الرغم من الدعايات التي انتشرت بأن القائد الجديد ليس ابن المؤسسة العسكرية، بل ما حصل هو أشد وطأة على المجتمع، فابن الشهادات الأكاديمية وابن الاقتصاد والبنوك والطب والمعلوماتية سخر كل ذلك لجيشه، بمعنى أن ما ورثه من سلطة عسكرية، جعله أيضاً قضية قابلة للتوريث ضمن قيادات الجيش، فالضابط الكبير يورث ابنه الضابط الأصغر، الذي أيضاً يعتبر أبعد عن الحالة العسكرية الكلاسيكية فنراه ضابطاً طبيباً أو مهندساً او اقتصادياً، لتخرج السيطرة العسكرية من مالية الجيش وتخل في حالة الاستثمار المدني، فنرى مشروعاً بتمويل ضباط، ومؤسسة خاصة تتبع للعسكر بشكل غير واضح للعيان، ونرى الضباط تجاراً لم يعودوا بحاجة للتحالف الكلاسيكي مع التاجر المدني فبعضهم بات أقوى منه، وفي ظل انعدام القيمة الإنسانية والوطنية بات هؤلاء الضباط عمالقة اقتصاد أيضاً وازداد تمسكهم بالسلطة، وبشكل طبيعي اتجهو نحو النظام وتمسكوا به بكل ما لديهم عندما قامت الثورة. فالمهدد اليوم هو هم وممتلكاتهم ومستقبل أبناءهم في الجامعات خارج سورية وفي المؤسسات الاقتصادية داخلها، ومركزية الجيش في تبعيته للقصر الجمهوري زادت مع تبعية الفساد العام وشخوصه للسلطة بشكل منحاز جداً ضد الشعب وقادر على التضحية بالوطن بسرعة، وما تردد على لسان مساعد أول بأن من الضروري محو درعا عن الخارطة تردد على لسان كيار رجال الاقتصاد والعلم ممن تربطهم بالجيش صلة مباشرة أو غير مباشرة، ليصبح الجيش يساوي السلطة والمال، والشعب يساوي مستهلك لامشكلة بالقضاء على نصفه إن تطلب الأمر، لتجد الثورة السورية ذاتها في مواجه كل شيء.. وهنا يقول المفكر عزمي بشارة في كتابه سوريا: درب الآلام نحو الحرية: (إننا إزاء ثورة مجتمع شديد التركيب والتعقيد تفجّرت ضد نظام استبدادي قمعي.. يقوم على نمط قاس من القمع الأمني، وعلى تداخل الأمن والسياسة والاقتصاد، مولّداً فساداً منتشراً من القمة إلى القاعدة، الفساد في سوريا ليس استثناء يحاربه النظام أو يتساهل معه، بل هو القاعدة... إنه النظام). (4)
نعم إنه النظام... وبيده أداة قتل وتدمير وتهجير اسمها: الجيش. الجيش الذي سيطرت عليه طائفة وفئة وعائلة، وانهارت قيمه الأخلاقية والوطنية في خضم عقود من الفساد السلطوي والاقتصادي وتحويل الخدمة الإلزامية إلى عملية سمسرة وابتزاز تباع وتشرى في زمن ما قبل الثورة... حتى إذا ما كانت الثورة... عبّرت بنية الفساد هذه عن أحط أشكالها: عقيدة الخيانة العظمى بحق الوطن والشعب، مقابل الوفاء لقاتل هذا الشعب وحده! ----------------------- *المراجع (1) و(2) "الاسثتناء السوري بين الحداثة والمقاومة" كارولين دوناتي- ترجمة لما العزب- دار رياض الريس 2012 (3) "البعث السوري: تاريخ موجز) حازم صاغية- دار الساقي 2013 (4) "سوريا: درب الآلام نحو الحرية" عزمي بشارة- المركز العربي للأبحاث: 2013 (5) صحف ووكالات: - جريدة الشرق الأوسط - جريدة النهار - جريدة الرأي السوري الالكترونية - مقابلة لـ وكالة رويترز أورينت نت
طارق الحميد
صالح عبد الله السليمان
غسان المفلح
حسان الحموي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة