محمد ويلالي
تصدير المادة
المشاهدات : 8296
شـــــارك المادة
الخطبة الأولى كنا قد حددنا مفهوم أركان الأسرة في ثلاثة عناصر: الزوج، الذي يصير أبا، والزوجة التي تصير أما، والأبناء، الذين هم إخوة فيما بينهم. وكنا انتهينا من الحديث عن حقوق الزوجة على زوجها، وحقوق الزوج على زوجته، والحقوق المشتركة بينهما. وننتقل اليوم - إن شاء الله تعالى - إلى ضبط العلاقة بين الآباء والأبناء، ونستهلها بحقوق الأبناء على الآباء.
إن الأبناء زينة الحياة الدنيا، وأحد مصادر سعادتها وبهجتها. جعلهم الله - تعالى - سبيل استمرار النسل، وثمرة العلاقة الزوجية الناجحة، مع تكثير سواد المسلمين، وتقوية صفوفهم. ولذلك جعل الله -تعالى- من الأنبياء نسلا باقيا إلى يوم القيامة. قال -تعالى-: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ﴾ [الرعد: 38]. وقال - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 33، 34]. وكان من دعاء زكرياء - عليه السلام - أن قال: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [آل عمران: 38]. ولا شك أن صلاح الأبناء هو صلاح للأسرة، بل صلاح للمجتمع الإسلامي كله، ومصدر قوته وعزته. ولذلك اجتهد أعداء الإسلام منذ القديم في تدمير هذا النشء المسلم، والتحكم في تربيته كما يريدون هم، عبر وسائلهم المؤثرة، كالقنوات الفضائية، والمواقع الإلكترونية التي غزت بيوتنا، وصحبتنا في كل مكان عبر هواتفنا وحواسيبنا، بحيث صار من الصعب منعها أو التحكم فيها. بالإضافة إلى تأليف ونشر الكتب والقصص الجنسية، التي تزين الفاحشة، وتغري بالرذيلة، وبخاصة حين تُحول إلى مسلسلات تلفزيونية مدبلجة، وأفلام سينيمائية مغرية.
فهذا أحد حكام الغرب على إحدى البلاد العربية يقول - بمناسبة مرور مائة عام على احتلال هذه البلاد -: "يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم حتى ننتصر عليهم". ودعت السلطات اليهودية اليهوديات للاختلاط بالعرب، وخصوصا على شاطئ البحر، وأوصتهن بتعمد دعوة هؤلاء الشباب إلى الزنا بهن، حتى يرتفع معدل الجرائم الخُلقية، وينتشر مرض السيدا. وقال قائلهم: "كأس وغانية يفعلان في الأمة المحمدية مالا يفعله ألف مدفع". ويقول الآخر: "جهودكم أن تملأوا هذا الجيل بالشهوات، قدموا له المرأة العارية، والمجلة الخليعة، وكأس الخمر". وقال أحد المبشرين: "يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني، لأن كثيراً من المسلمين قد زُعزِع اعتقادهم بالإسلام وبالقرآن حينما درسوا الكتب المدرسية الغربية، وتعلموا اللغات الأجنبية". • ومن حكمة شرع الله - تعالى - أن أمرنا بالاعتناء بالأبناء ليس - فقط - في أثناء نشأتهم، بل قبل ولادتهم، حين أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - باختيار الزوجة الصالحة، التي تنجب الأبناء الصالحين، حين قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فاظفر بذات الدين تربت يداك" متفق عليه. وجعل إنجاب الصالحين غاية إحدى أهم مقاصد الزواج فقال: "تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ" صحيح سنن أبي داود. وهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب - رضي الله عنه -، "جاءه رجل يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر هذا الابن، وأنَّبه على عقوقه لأبيه، فقال الابن: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوقٌ على أبيه؟ قال: بلى. قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: أن ينتقي أمه، وأن يحسن اسمه، وأن يعلِّمه الكتاب (القرآن أو القراءة). فقال الابن: يا أمير المؤمنين، إنه لم يفعل شيئاً من ذلك، أما أمي فإنها زنجيةٌ كانت لمجوسي، وقد سماني جُعْلاً (أي: خنفساء) ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً. فالتفت أمير المؤمنين إلى الرجل وقال له: أجئت تشكو عقوق ابنك؟ لقد عققته قبل أن يعقَّك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك". فجعل اختيار أمه حقا من حقوق الولد على أبيه، وهو الحق الأول. • أما الحق الثاني فاتباع السنة في المعاشرة، المفضية إلى إنجاب الولد، بأن يدعو الأب ربه قبل الجماع بما عَلَّمَنَاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي قال: "لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ الله، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، ثُمَّ قُدِّرَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا" متفق عليه، فيكون المولود ر بفضل الله تعالى - سالما معافى، ليس للشيطان عليه سلطان في بدنه ودينه. وقيل: "لم يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ، أي: لم يصرعه". ولذلك قال بعض أهل العلم: "إن هذا الدعاء من حق الأبناء على آبائهم". • أما الحق الثالث، فهو التأذين في الأذن اليمنى للمولود، لمن رأى العمل بشواهد الحديث الضعيف، كما ذهب إلى ذلك ثلة من أهل العلم، منهم ابن القيم - رحمه الله -، الذي جعل السر في الأذان: "أن يكون أولَ ما يَقرع سمع الإنسان كلماتُه المتضمِّنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادةُ التي هي أول ما يدخل بها في الإسلام. فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها". • وأما الحق الرابع، فهو حق التحنيك، بأن يمضغ الأب أو غيره تمرة، ثم يضع شيئا من ريقه في فم المولود، ويحكه بأصبعه، حتى يكون أولُ ما يدخل جوفه شيئا حلوا. فعَنْ أَسْمَاءَ - رضى الله عنها - أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِ الله بْنِ الزُّبَيْرِ. قَالَتْ: فَخَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ (أتممتُ تسعة أشهر)، فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلْتُ بِقُبَاءَ، فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءَ، ثُمَّ أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ، فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ، ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ" متفق عليه. الخطبة الثانية: • أما الحق الخامس، فأن يتخير الأب لابنه الاسم الحسن، وهو الاسم الذي يُذكر به يوم القيامة، كما في حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَيقال: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ" متفق عليه. وبوب عليه البخاري في الصحيح فقال: "باب ما يدعى الناس بآبائهم". قال القرطبي: "فتوهَّمْ نفسك يا أخي إذا تطايرتِ الكتب، ونُصِبتِ الموازين، وقد نوديتَ باسمك على رؤوس الخلائق: أين فلان بن فلان؟ هلم إلى العرض على الله تعالى". ولذلك أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نختار لأبنائنا وبناتنا أحسن الأسماء، وأن ينعت أحدنا الآخر بأفضل النعوت، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى الله: عَبْدُ الله، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ" مسلم. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى الله: عَبْدُ الله، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا: حَارِثٌ، وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا: حَرْبٌ، وَمُرَّةُ" صحيح سنن أبي داود. وقال - صلى الله عليه وسلم - لأحد الناس: "سَمِّ ابنك عبد الرحمن" متفق عليه. فلماذا البحث عن أسماء غابرة غير معروفة، أو أسماء أجنبية لا تمت إلى ديننا بصلة؟ ولماذا تقليد أسماء الأفلام والمسلسلات التي تروج لمعتقدات فاسدة، أو تقاليد بائدة؟. • وأما الحق السادس، فهو حق العقيقة، وهي ذبح شاة عن المولود شكرا لله - تعالى - على نعمته في هبة هذا المولود. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ غُلاَمٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَمَّى" صحيح سنن النسائي. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "مَعَ الْغُلاَمِ عَقِيقَةٌ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى" البخاري. • وأما الحق السابع، فهو الختان. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: الْخِتَانُ، وَالاِسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ" متفق عليه. وهكذا نجد ديننا الحنيف قد اعتنى بالأبناء قبل ولادتهم، وبعد ولادتهم، لتستمر تربيتهم على منهج الشرع الحكيم، حتى يكبروا، ويعقلوا، فيكونوا أدوات نفع لآبائهم وأمتهم.
الألوكة
هيئة الشام الإسلامية
فايز الصلاح
رقية القضاة
مركز عزام للدراسات والأبحاث
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة