آمال شحادة
تصدير المادة
المشاهدات : 3555
شـــــارك المادة
بعد يومين من حادثة «طائرة حيفا»، الطائرة من دون طيار التي ادعت اسرائيل أنها أطلقت من لبنان وأسقطها سلاح الجو قبالة شواطئ حيفا، تجاهل رئيس الحكومة، بنيامين نتانياهو، الحادثة على رغم تهديدات مسؤولين في حكومته وجنرالات سابقين بالرد القاسي عليها والدعوة إلى اغتيال الأمين العام لـ «حزب الله»، السيد حسن نصرالله، كما جاء على لسان رئيس بلدية حيفا، يونا ياهف، وهو جنرال احتياط في الجيش.
ولم يكن التجاهل صدفة، مع العلم بأن نتانياهو نفسه كان قد هدد بالرد، في اليوم نفسه الذي أسقطت فيه الطائرة. وعندما راح يتحدث في جلسة حكومته عن المخاطر التي تتعرض لها اسرائيل، هدد حركة «حماس» وكل التنظيمات المسلحة في قطاع غزة التي تطلق الصواريخ على اسرائيل. ولم يهدد فحسب، بل اتخذ قرارات عقابية كإغلاق معبر كرم أبو سالم الذي تنقل عبره المواد الغذائية وغيرها من البضائع الإسرائيلية التي تباع للغزيين، ومعبر بيت حانون، الذي يمر منه يومياً مئات المرضى الفلسطينيين الذين يعالجون في المستشفيات الإسرائيلية. وكل هذا من دون أن ينبس بكلمة حول «الطائرة من دون طيار». هذا ليس صدفة، لأن هذا التوجه يعكس الأجواء التي تعيشها اسرائيل، في أعقاب هذه الحادثة وما رافقها من أحداث في المنطقة، جعلت اسرائيل تعيش في تناقضات وتقلبات يومية في مواقفها. وكان أبرز هذه التناقضات في الموقف من استخدام السلاح الكيماوي في سورية وكيفية التعامل معه ارتباطاً بالملف النووي الإيراني. بدا الإسرائيليون مرتبكين وعقد نتانياهو، بعد جلسة حكومته، اجتماعاً طارئاً ومطولاً للمجلس الوزاري المصغر، لبحث الملف الكيماوي السوري. صعّد الإسرائيليون تهديداتهم تجاه «حزب الله» ولبنان، منذ الإعلان عن إسقاط الطائرة، وأصروا في البداية على تسجيل الحادثة كنقطة ضد حزب الله. ثم وجدوا أنفسهم في حال إرباك بعد نفي «حزب الله» علاقته بالطائرة فراحوا يوجهون الاتهام إلى إيران مباشرة. وكما هو الوضع خلال السنتين الأخيرتين كذلك هذه المرة، فأي حديث عن حادث يتعلق بلبنان يظهر الملف السوري في الأفق وعندما يذكر الإسرائيليون «حزب الله» وسورية يضيفون إليهما إيران. قبل يوم من حادثة الطائرة أدخلت اسرائيل نفسها في نقاش مع الولايات المتحدة الأميركية لدى إعلان رئيس وحدة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية، ايتي بارون، ان لدى اسرائيل معلومات استخباراتية تؤكد ان الرئيس السوري، بشار الأسد، استخدم مادة «السيرين» الكيماوية ضد المتمردين. وأعلنت الولايات المتحدة موافقة نسبية على تقرير بارون، بما يتعلق باستخدام الكيماوي. في هذه الأثناء أعلنت اسرائيل عن إسقاطها طائرة من دون طيار، وقبل أن تعثر على حطامها أو تملك أية معلومات حولها، سواء نوعها ومن أطلقها وإذا كانت تحمل مواد متفجرة وما الهدف منها، حسمت إن الطائرة إيرانية الصنع وأرسلها «حزب الله»، وهو عمل خطير ويحمل في طياته أكثر من رسالة. وفي نقاش الطائرة أيضا تضاربت المعلومات. مراسل تلفزيوني معروف بقربه من المؤسسة العسكرية أعلن عبر شاشة التلفاز أن الجيش عثر على حطام الطائرة وبقي له أن يفك لغزها، لكن جهات أخرى تجاهلت الخبر ولم تؤكد أو تنفي إذا تم العثور على حطام الطائرة، وفي الحالتين اسرائيل مربكة، حيث النقاش داخلها يحتدم حول السلاح الكيماوي السوري فيما الاتصالات مع الولايات المتحدة للتنسيق حول الموضوع، وقدرت جهات، رغبت في طي حادثة الطائرة من دون طيار، أن «حزب الله» أراد من إطلاقه هذه الطائرة تغطية الأحداث التي تشهدها سورية والنقاش حول تدخل «حزب الله» في الداخل السوري. وكما رأى مسؤول إسرائيلي أن عدم الرد الإسرائيلي على الطائرة من دون طيار يأتي في ظل تشابك الملفات والإرباك في التعامل معها، بخاصة مصلحة اسرائيل في التدخل بسورية أو عدمها. لبننة الأراضي السورية: النقاش الإسرائيلي حول السلاح الكيماوي السوري والتدخل فيه، وصل ذروته في مؤتمر معهد الأبحاث للأمن القومي في تل أبيب، فقد سيطر الملف السوري على معظم أبحاث المؤتمر وندواته. وعندما تحدث رئيس وحدة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية عن استخدام السلاح الكيماوي تجاه المتمردين، كانت مواقف القيادة الإسرائيلية متناقضة ما بين ضرورة تدخل إسرائيلي في سورية وحسم الموضوع بإسقاط الأسد ومواقف تحذر من خطورة أي تدخل إسرائيلي. والموقف الذي طرحه ايتي بارون، لدى عرضه التقرير الاستخباراتي حول استخدام مادة «السيرين»، أثار لهجة حربية في قاعة المؤتمر. فبارون حذر من خطر نقل هذا السلاح الى «حزب الله» في لبنان او جهات إسلامية متطرفة. وأبدى قلقه حيال الصمت العالمي ودول المنطقة، وقال: «الحديث هنا عن حيازة سورية ترسانة ضخمة من الأسلحة الكيماوية والصمت أمام استخدام مادة «السيرين» يعني منح الشرعية لاستخدامها». وادعى المسؤول الإسرائيلي أن لدى سورية أكثر من ألف طن من السلاح الكيماوي وآلاف الرؤوس الحربية، يمكن تفعليها لاستخدام السلاح الكيماوي. وبارون وجد مسانداً لموقفه هو رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق ورئيس معهد الأمن القومي، عاموس يدلين، الذي عرض موقفاً واضحاً وصريحاً ومتطرفاً، لم يسبق ان عرضه مسؤول إسرائيلي، فدعا الى اتخاذ خطوات تضمن تفكيك ما تسميه اسرائيل محور الشر «إيران وحزب الله وسورية»، من خلال إضعاف الرئيس السوري، بشار الأسد، والعمل على إنهاء ولايته في اقرب وقت، معتبراً سقوط الأسد مصلحة لإسرائيل لأنه سيساهم بشكل فعلي وكبير في إضعاف «حزب الله» وإيران. يدلين رسم أمام الحضور سيناريو للحرب التي يتوقعها في حال دخلت سورية إلى المعركة، فقال صراحة ان الجيش السوري هو جيش له قدرات وأي حرب معه لا تعني حرباً مع «حزب الله» أو حماس، بل ستكون حرباً قاسية لأن الحرب مع الجيش السوري تعني سقوط سكود على تل أبيب وربما أيضا صواريخ أكثر تطوراً وخطورة». لكن جهات اسرائيلية ردت على يدلين بالقول أن النظرية التي تقول أن سقوط الأسد سيكون ضربة قاضية لإيران و «حزب الله»، هي مجرد نظرية غير مثبتة على الإطلاق وفقدت في السنة الأخيرة مفعولها. وبرأي الخبير في شؤون الشرق الأوسط، أمنون لورد، فإن العكس هو الصحيح. وقال: «يبدو أنه إذا ما اختفى الأسد وقواته، فستحصل «لبننة» تامة للأراضي السورية وفي داخلها ستنمو منظمة «حزب الله» محلية، والإيرانيون سيزدهرون. إن الوضع القائم، طالما استمر، هو وضع مريح للأميركيين ولإسرائيل على سواء». وبرأي لورد، فإن الأمر غير المريح لإسرائيل والولايات المتحدة «أنهما تبحثان عن شيء ما يزين ضميرهما في ضوء اجتياز الخط الاحمر في استخدام سلاح الدمار الشامل. لقد قررت اسرائيل مسبقاً إن خطها الأحمر هو نقل مثل هذا السلاح إلى خارج سورية، إلى «حزب الله»، مثلاً. إذا كانت هناك متابعة استخباراتية من النوع الذي كشف النقاب عنه العميد بارون، فإنه توجد إمكانية لتنفيذ هجمات موضعية وعدم الادعاء بالعمل بشكل عرضي مثلما تعهد الأميركيون». لكن رئيس أركان الجيش، بيني غانتس، ذهب إلى ابعد مما يراه لورد ويدلين بكثير، فأعلن أن بلاده لن تنتظر حتى يتم نقل الأسلحة الكيماوية إلى «حزب الله» أو تنظيمات معادية. وفهم من حديث غانتس، إن الحرب قريبة، وحتى يقطع الشك باليقين في حديثه، راح يقول أن جيشه انتشر على طول الحدود مع سورية وتم تكثيف الدوريات ويستكمل تدريباته على كيفية ضرب سورية وإحباط كل عملية تهريب أسلحة إلى «حزب الله» في لبنان أو تنظيمات أخرى معادية. وحتى يقنع غانتس المشاركين في المؤتمر بضرورة توجيه ضربة استباقية تمنع نقل الأسلحة، قال: «سورية باتت تشكل منطقة عدم استقرار ونشوء حالة سلبية تتطور باتجاه تفكك سورية، فيما سيطرة الرئيس الأسد آخذة في الاضمحلال مقابل اتساع مركبات عدم الاستقرار وعندما يجري الحديث عن أسلحة لها أهمية استراتيجية كبرى يتصاعد خطر انتقالها إلى «حزب الله» وجهات معادية تخطط لاستخدامها ضد اسرائيل». استنزاف متبادل: أمام النقاش المحتدم في الملف السوري، تجد اسرائيل نفسها في معضلة حول كيفية التعامل وإذا كان لمصلحتها التدخل في الأحداث في سورية. فبالنسبة إليها، إذا بقي الأسد فإنها ستضمن الهدوء النسبي، أما إذا سيطرت جهات إسلامية متطرفة وإرهابية، فإن الوضعية ستنقلب رأساً على عقب وحتى إن حسابات اسرائيل في الحرب مع سورية لن تكون حرباً بين جيوش إنما مواجهة منظمات إرهابية. الباحث في معهد الأمن القومي، رؤوفين باركو، رأى أن أي تدخل إسرائيلي يعمل في غير مصلحة اسرائيل. ودعا متخذي القرار إلى إعادة تشكيل الرؤيا الإستراتيجية بما يضمن أن تكون شأناً سياسياً خالصاً. وقال: «أمام الوضع الذي تشهده سورية يتوجب أن يقتصر الدور الإسرائيلي على المستويات الاستخباراتية في تقديم المساعدة سراً بمعطياتها وتوصياتها». وانتقد باركو التقرير الذي قدم حول استخدام الكيماوي في سورية، مشيراً إلى أن ما يظهر من مواقف سياسيين وعسكريين ان اسرائيل تفضل وضع استنزاف متبادل وعدم حسم بين النظام السوري و«الجيش السوري الحر» المؤلف من المنظمات الإرهابية الإسلامية المؤيدة للقاعدة وجبهة النُصرة. وأضاف متهكماً: «أن رواية الجهات الاستخباراتية في الجيش الإسرائيلي المناقضة لموقف الأميركيين، ستحضّ على إسقاط النظام وإمساك الإسلاميين في سورية بتدخل غربي كما يتضمن شرط الرئيس الأميركي باراك اوباما. وهذه الصيغة الأخلاقية المعلنة على ألسنة أولاد محرقة اليهود موجهة الى الشعب السوري المعادي تعمل بغير المصلحة الإسرائيلية»، على حد رأي باركو الذي أثار حديثه نقاشاً بين جهات مختلفة، بخاصة لدى مناقشة الولايات المتحدة التقرير الاستخباراتي الإسرائيلي وانتقاد عملية عرضه. «سلاح يوم القيامة»، هكذا وصف سياسيون إسرائيليون السلاح الكيماوي في سورية وذلك للمساهمة في دعم موقفهم الداعي إلى إطلاق ضربة إسرائيلية قوية ضد هذا السلاح. ايتان هابر، الذي شغل منصب مدير مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، السابق، إسحاق رابين، وكانت له مساهمات في مفاوضات السلام مع سورية، وصف السلاح الكيماوي بالسلاح الاستراتيجي الذي يهدد اسرائيل، وقال: «اسرائيل ترى بهذا السلاح «سلاح يوم القيامة»، لذا مهم جداً بالنسبة إليها إلا يكون في أيدي العدو. ولكن بعد أن تجاوز السوريون الخط الأحمر الذي وضعته اسرائيل والولايات المتحدة، يطرح السؤال: هل ننتظر ليتدخل الأميركيون عسكرياً ويسفكوا دمهم من أجلنا، أم ننتهز الفرصة ونرسل سلاح الجو الإسرائيلي لتخليصنا من عقاب السلاح الكيميائي؟ ويجيب هابر: «يكاد ألا يوجد خيار من وجهة النظر الإسرائيلية لأنه لا يجوز على أي حال من الأحوال أن يقع السلاح الكيماوي في أيدي منظمات إرهابية مجنونة كالقاعدة وأشباهها. والاستنتاج هو أننا في اسرائيل على شفا ما يبدو ويُسمع أنها حرب، المتوقع أن تنتهي الحرب الأهلية في سورية كي يتحدوا على اسرائيل. ولكن عندما رأى رئيس الحكومة، نتانياهو، أن النقاش حول سورية أصبح قضية أساسية ليس في اسرائيل وحدها بل في الغرب أيضاً، بدأ يتراجع. وأرسل النائب تساحي هنغبي، المقرب منه، ليحذر من الانشغال الزائد في الموضوع السوري قائلاً إنه يغطي على مشكلة التسلح النووي الإيراني. ويحذر من مغبة هذا التطور ويقول إن على العالم ألا ينشغل في الموضوع السوري – «فهناك قتل حتى الآن 80 ألف سوري، من دون أن يتدخل أحد بشكل جدي. فما الجديد؟». وطالب بأن يركز الإسرائيليون والغرب على مكافحة التسلح الإيراني باعتباره القضية المحرقة والخطيرة. وقد بدا واضحاً أن هنغبي يتكلم باسم نتانياهو وليس باسمه وحده في هذه القضية، حيث إن مكافحة النووي الإيراني هي قضية القضايا لدى رئيس الحكومة الإسرائيلي، التي يريد أن يتجند لها العالم وأن يتبنى الغرب موقف اسرائيل القائل إن طهران تجاوزت الخط الأحمر في تطوير السلاح النووي ويجب أن يطرح الخيار العسكري في شأنها بقوة أكثر من أي وقت مضى.
الحياة
سامر كعكرلي
إياد أبو شقرا
عبد الوهاب بدرخان
عبد الرحمن ناصر
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة