..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

إلى جبهة النصرة: قدرة الاختراق التدميرية للثورة تفوق كل سلاح فتاك

خالد حسن

١٣ إبريل ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7385

إلى جبهة النصرة: قدرة الاختراق التدميرية للثورة تفوق كل سلاح فتاك
00.jpg

شـــــارك المادة

ليس أمام الجيش الحر على تنوع مجموعاته وكتائبه المقاتلة وتباين آرائه، والمعارضة السورية عموما، إلا أن يتعاملوا بحكمة مع جبهة النصرة، والحذر من التأثر بالدعاية التحريضية الغربية، فالجهاديون أصحاب بأس في القتال والفداء والتضحيات وأهل مخاطرة ومغامرة وشهامة في المعارك، لكن تنقصهم الرؤية العميقة والإلمام بالوضع ويغلب عليهم التهور وضيف الأفق والنظرة.

 

 

وأما معاداتهم من الصف الثوري ومحاولة عزلهم وتشويههم ومجاراة الحملة الغربية العدائية ضدهم، فلا يخدم هذا قضية الثورة.
وقد يستبد بهم التهور فيعادون ويخاصمون إخوانهم في القتال. وربما تصدر منهم أعمال وتصرفات تضر بقضية الشعب السوري الثائر، مما يسهل اختراقهم وتوظيفهم وخلط الأوراق.
والاختلاف معهم قد لا يظهر بشكل قوي ومؤثر الآن، لكن بعد تحرير سوريا من العصابة الإجرامية الحاكمة في دمشق، سيبرز التحدي الأكبر في القدرة على الوصول إلى صيغة للتعايش وإدارة المرحلة الانتقالية.
والمعارك تجمع لكن السياسة وبناء الدولة والتحول الديمقراطي يفرق، وهنا لا سبيل لتجاوز الانقسامات إلا بمحاولات احتواء التصدعات والوصول إلى تفاهمات والاستفادة من الخبرة التاريخية في مثل هذه الحالات..
وليس ثمة وصفة جاهزة للتعامل مع تصورات جبهة النصرة وتطبيقاتها، لكن مهم الصبر والنفس الطويل والبحث عن قواسم مشتركة والحوار البناء والاستعانة بالسلفية الجهادية في الأردن وببعض عقلائهم لتذليل بعض الصعاب.
وهم ليسوا نسخة واحدة، وليس من الصواب استبعادهم، لأن هذا يعني التورط في صدام مباشر ومزيدا من الغلو والتطرف والعناد، صحيح أن فيهم مجموعة أغلقت عقولها ولا ترى إلا السيف مذهبا لحسم من ينازعها "أرضها المحررة"، وكأنها أصبحت ملكا لكيان معين.
فالشعب السوري ثار ليطهر بلده من حكم العصابة الإجرامية الدموية التي استأثرت بالقرار والحكم، وليس ليستبدلها بحكم الكيانات وملوك الطوائف، وهناك مجموعات داخلها يمكن محاورتها والوصول إلى صيغة للتعايش معها تحت سقف بلد واحد ومناطق واحدة..
وأما إذا استحكم فيها الاختراق واستجابت جبهة النصرة لإملاء متطرفي قاعدة العراق المخترقة، التي كانت أحد عوامل إجهاض المقاومة الشريفة في العراق، بتورطها في الاقتتال والتصفيات الداخلية والهيمنة على ساحة المواجهات، وفرض رؤيتها وتخبطاتها وجهلها على باقي مكونات المقاومة العراقية، فإن قدرتها التدميرية  للثورة حينها لا توصف.
وأرجو أن تنتبه حركة المقاومة في سوريا، ذلك أن النزوع جبهة النصرة نحو الهيمنة والاستئثار والتمدد (وهو ما لم يحدث إلى الآن) وصولا إلى مطالبة الآخرين بالذوبان، مثلما حدث في العراق وقبله في التجربة الدموية في الجزائر (مع الفارق بين المقاومة العراقية والفوضى الجزائرية المسلحة)، يرتبط في الغالب باختراقات نوعية على مستوى صفها القيادي.
إذ الاختراق، في أكثر الحالات، يدفع نحو مزيد من التطرف والغلو والاقتتال الداخلي، وأحد أهم أهدافه: تمكين الطرف المخترق من بسط نفوذه على ساحات القتال والمعارك، وحرق أوراق المقاومة بعمليات إجرامية تشويها للمقاومة وصرف الناس عنها وتأليب الرأي العام ضدها.
وإن كان إلى الآن ليس ثمة ملامح اختراقات، غير أن محاولة قاعدة العراق السطو على جبهة النصرة وخلط الأوراق وفرض الوصاية عليها يبعث على الريبة، فإن مدت جبهة النصرة يدها لقاعدة العراق بصيغ الاندماج والذوبان، فهذه بداية الاختراق النوعي لها، أما إن كان الأمر لا يتعدى المجاملات وقبول المدد والعون في حدود معينة، فقد لا يتطور الأمر إلى ما سيسيء إلى الثورة ويضرها كثيرا.
الاختراق الفكري والميداني مما أبدعت فيه المخابرات العربية وحققت فيه "انتصارات"، وقدرته التدميرية أقوى من أي سلاح فتاك، وقاعدة العراق مخترقة، وعملياتها خدمت المالكي وإيران أكثر من أي طرف داخلي آخر.
وأحد قادة الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، المدعو جمال زيتوني المجرم الدموي الذي مهدت لقيادته وصنعت منه دوائر الاستخبارات "القائد الميداني الشرس والعنيف"، قتل هو نفسه ومجموعاته المقربة والمخترقة من خيرة دعاة الجزائر وشبابها (ومنهم الشيخ الألمعي محمد السعيد) ما لم يستطع العسكر تصفيته، وهي قصة طويلة من الترويض والتجنيد، بدءا من المعتقل، إلى تلميعه وتصفية من كان قبله قائدا، ثم الدفع به إلى رأس الجماعة المقاتلة، وفي الأخير مطالبة باقي المجموعات المسلحة بالذوبان في كيانه وإلا فالسيف لمن أبى، ليس هذا مقام التفصيل في أحداثها، لكن مهم الاعتبار والاستفادة من المرارات التاريخية السابقة.
ولا أنسى، حسبما أراني الثقات ومنهم أحد قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ (الشيخ كمال قمازي) كيف ذهب الشيخ محمد السعيد (أحد العقول والنوابغ النادرة في الجزائر، وكان يلقب بـ"ـشاطبي الجزائر"، عقلية مقاصدية مميزة) ضحية محاولته (وتحفظ عليها حينها كثير من محبيه والمشفقين عليه) لتوحيد الجماعات المسلحة لاحتواء خط التطرف والخلل المخترق في المعارضة المسلحة في الجزائر، وكسر التفرد في القرار، فأهانه جمال زيتوني وصحبه، وجعلوا منه خادما في الأيام الأخيرة من حياته، يقضي في الطهي وغسيل الثياب، ثم قتلوه غدرا هو وبعض رفقائه.

فمن حق الثورة الشعبية السورية على جبهة النصرة أن يكون قرارها بيد أهل الداخل، وهي محل احترام وتقدير ما حافظت على شرف المقاومة والتعايش مع غيرها من كتائب الثوار أو تفرض رؤيتها على غيرها، فليس لها ذلك، وليس من صيغة لحكم سورية بعد الأسد إلا التعايش والتفاهم والتسوية، والصندوق في الأخير يحسم التنافس السياسي.
ثم ما هو مهم أيضا، أن أوضاع ما بعد الأسد بدأ ترتيبها من فترة، وفي هذا ترى أمريكا وإسرائيل وتركيا أنها معنية أكثر من غير بمستقبل سوريا، وقد يتفقون على صيغة معينة لترتيب الأمور، وما لم يترفع النسيج الداخلي للثورة وقادتها السياسيين حتى مع تباين آرائهم وتوجهاتهم على الاستئثار والتفرد بالقرار، وما لم يخضعوا أمورهم للمشورة والتسويات والتفاهمات فيما بينهم، وأن يتنازل كل طرف  بقدر لمصلحة مستقبل سورية  فإن صيغة الحكم ستفرض من الخارج، أيا كانت، فمهم التنبه لهذا، وإظهار قدر كبير من المرونة والتعايش والتجاوز والتجميع والتوافق.

 

 

العصر

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع