..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

انتحار الثورة

سامي إبراهيم

٢٣ فبراير ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3289

انتحار الثورة
1112انتحار الث.jpg

شـــــارك المادة

الثورة السورية هي نهضة شعبٍ أبى الذلّ، هي مشروع شعب أراد الكرامة.
هي استنهاضٌ للعقول النيرة الحرة في وجه القهر والعنف والاضطهاد.
هي شروقٌ أسر ألباب الأحرار لشمسٍ اشتاقت لها النفس السورية.
الثورة السورية صرخة ضميرٍ حيٍّ في وجه الطغيان.

 


هي صراع وحرب ضروس ومعركة وجود بين قوى النور والتحرر ضد قوى الموت والظلام.
الثورة السورية استنهاض لكرامة إنسانٍ حلم ببناء دولة حرة، تسقط فيها إلوهية مرعبة وجلالة مكرّسة وسلطة مطلقة أذهلت العالم بوحشيتها وجرائمها.
ولأن المهام التي تقع على عاتقها هي مهام جسام تاريخية مفصلية، ولأن الثورة السورية حملت تعقيدات عالمية وتداخلات دولية وتشابكات إقليمية وارتباطات طائفية، رافقها قتلٌ ممنهج أريقت فيه دماء غزيرة سُفكت على مذبح الحرية وانهيار لمؤسسات الدولة وتهديم للمدن والقرى وتدمير للبنية التحتية وتشريد.

وبسبب نقص شروط نمو الثورة السورية الفعلي وبعض الشوائب التي تخللت الحراك الثوري، فقد ظهرت تصورات عديدة لتقدم حلولا تراها مناسبة للواقع السوري، تصورات تتقاطع في نقاط وتتناقض وتختلف في نقاط أخرى، جميعها تضع مشكلات الحاضر لتقدم رؤية تعالج فيها معضلات جسيمة أصابت المجتمع السوري ومزقت جزءا كبيرا من نسيجه الحيوي لتبني على هذه الحلول تطلعاتها، وترسم خطوطاً تحدّد شكل المرحلة الانتقالية.
كان لابد لطروحات الحل السياسي من أن تخلق إشكالية جدلية بين (نموذج) مُعطى مقولب يفترض حلاً سلساً يبغيه اغلب السوريين وبين (واقع) مفروض معاش أليم، بين ما (يُراد) الحصول عليه وما (يمكن) الحصول عليه.
الحل السياسي في ظل الظروف والنتائج التي وصلت إليها سوريا يبدو ضربا من المستحيل، لا بل هو العائق الأبرز في وجه الطموحات والتطلعات التي يصبو إليها الشعب السوري.
إن أي حل سياسي طالما لا يستجيب للهدف الأول الذي قامت الثورة من أجله وهو إزاحة النظام بكل رموزه وأركانه بالتأكيد هو حل يحكمه الفشل المحتّم، ومعظم الطروحات المقدمة مادامت تتفادى تحقيق هذا المطلب، لذلك فإن أي تصوّر لانتقال سلمي للسلطة في سوريا بعيداً عن العنف يبدو ضربا من المستحيل، لماذا؟!
لأن الأساس الذي بنيت عليه عملية المعالجة للمطالب الشعبية كان قائما على العنف والبطش، ولأن القانون الذي حكم الدولة عشرات السنين كان مبنيا على العنف، ولأن العنف وحده كان البنيان والصرح الذي شيّد عليه النظام إمبراطوريته المستبدة التي حكمت بالحديد والنار سنوات طويلة.
ومن هنا يبرز التناقض الصارخ بين الحل السياسي المرجو والمطروح من قبل البعض من جهة والحل العسكري الذي اختاره النظام منذ البداية وفرضه على المعارضة والمجتمع من جهة أخرى.
نظام الاستبداد لم يعرف معارضة، ولا يمكن له أن يتخيل معارضة، لذلك فإنه لا يوجد ولا يملك ما يمكن أن يقدمه للثوار، لا توجد أرضية يفاوض عليها ويحاور من اجلها، وبالتأكيد لن يفاوض على زواله وموته ومحاكمته.
ومن هنا يجب أن تعي المعارضة أن الحل السياسي كحل لمعالجة الحالة السورية يبدو فلسفة ساذجة سطحية تتستر في ثوب الحب والسلام لتعيد حالة الاستعباد للشعب السوري ولكن بظروف حديثة جديدة وبصورة منمّقة مجمّلة تحاول ذر الرماد في العيون.
جميع طروحات الحوار والتي كان رفض النظام لها واضحا وضوح الشمس مستهزئا مستخفا متعاليا ما هي إلا معوقات وكبح للانتصارات التي تم تحقيقها على الأرض ضد أعنف أنظمة التاريخ البشري وأقساها.
ردّ النظام على مطالب الشعب السوري بدموية كان يُعتقد أنها قد زالت مع تطور الزمن وزيادة الوعي بحقوق الإنسان وبناء مجتمع يعتمد قوانين إنسانية تناسب وتلائم عصر التكنولوجيا والانفتاح.
إنسانية ظنّت خطأً أنها تجاوزت المحارق والإعدامات والمحاكمات الميدانية.
                                                      ....................
هدف النظام من هذا التدمير هو إجبار الشعب على التخلي عن مطالبه التي ثار من اجلها من جهة، ومن جهة أخرى لردع أي معارضة تنشأ ضد النظام وجعلها تفكر في العواقب الوخيمة والكارثية التي ستجلبها معارضتها على البيئة المحيطة بها، لينجح النظام في خلق معارضة مضادة للمعارضة التي تطالب بالحرية والكرامة ومن ضمن البيئة نفسها، فيكسب النظام في معركتين أساسيتين:
الأولى أخلاقية:
ينجح النظام في جعل المنظومة العقلية لمناصريه وأفراد الكتلة الصامتة المتذبذبة والمنهكة أصلا وأفراد الجاليات السورية المغتربة المغيّبة عن الواقع تقوم بتمرير كل هذا القتل والوحشية والبطش من دون محاكمة عقلية منطقية عادلة، فتبرر منظومة التفكير هذا الكم الهائل من الدمار والقتل اليومي اللامعقول والتشريد والتجويع الذي سبّبه النظام.
لينجح النظام ولو جزئيا في جعل نفسه في كفة واحدة مساوية للثوار في سبب هذا التدمير الذي أودى بحياة عشرات آلاف السوريين ناهيك عن عشرات آلاف المعوّقين.
الثانية: استمراره بالحل العسكري الذي لطالما رآه خياره الوحيد ومهنته التي يجيدها في ظل تدفق الدعم المادي والمعنوي من قبل حلفائه الأساسيين وتغاضي دولي عن الجرائم التي يقترفها، عساه يسحق الثورة وإرادة الشعب المطالب للتغيير بالحديد والنار، أو على الأقل إجبار المعارضة على الرضوخ للحل وفق شروطه وشروط حلفائه، ناهيك عن التملص من أي محاسبة وعقاب في حال جلوس المعارضة معه على طاولة الحوار لأن الجلوس معه على طاولة واحدة سيعطيه الشرعية الدولية التي فقدها ومن شأنها فك العزلة الدولية عنه، وبذلك ينجح النظام في ترسيخ فكرة المساواة بالتدمير والانتهاك مع المعارضة، ولكن الأهم من هذا وذاك جعله جزءا أساسيا من الحل وعملية الانتقال للمرحلة الجديدة.
وعلى ضوء هذين الطرحين يحقق نظام القتل والإجرام سيطرة بواسطة العنف الدموي يعززه العقل والمنطق.
                                                        ...................
لأسأل جهابذة السلام ودعاة الحوار:
أي أخلاق تجعلكم تحاورون من جعل من نساء سوريا الأبيات العزيزات سلعة تباع في أسواق النخاسة في دول تخرج نخبة أطبائها ومهندسوها واقتصاديوها من جامعاتنا!
أي قيم تجعلكم تحاورن من جعل السوري الأبي يستعطف ويشحذ رغيف الخبز على قارعة الطرقات وأرصفة الشوارع في دول كنا نقدم لها الكهرباء والماء والوقود والدواء!
أي ضمير يجعلكم تحاورون مع من جعل السوري يخاف في كل لحظة يمشي فيها في شوارع سوريا الحبيبة من انفجار أي سيارة واقفة تودي بحياته وتدمر كل شيء بناه؟!
                                                        ....................
بحق الأطفال الذين يصرخون رعبا وهلعا من صوت القصف والرصاص لأسأل:
حواركم سيكون مع السفاح أم مع إيران؟! فأنا لا أعرف من صاحب القرار!
حواركم سيكون مع السفاح أم مع روسيا وأساطيلها؟!
أم ستحاورون حاميته إسرائيل؟!
                                                         ....................
بحق اليتامى الذين يرتعشون من البرد بدلا من أن يكونوا على مقاعد الدراسة..

بحق الأمهات الثكلى.. بحق الأرامل المنتهكات:
ماذا ستقولون لمن فقد جميع أفراد أسرته؟! وبيته؟! وارضه وكرومه ومواسمه وباب رزقه؟!
ماذا ستقولون لمن لم يستطع حتى هذه اللحظة انتشال جثة أبنائه من تحت أنقاض المباني المدمرة؟!
ماذا ستقولون لشاهدة قبر طفلٍ مات من البرد وآخر مات من الجوع وآخر مات من المرض في مخيمات الموت؟!
ماذا ستقولون لخمسة مليون مهجّر.. مشرّد.. منفي؟!
كيف ستقنعوهم بأن لا خوف عليهم من العودة لديارهم؟! وأن الأمان عليهم؟!
                                                          ..................
بحق السماء! أتحاولون إقناع الشعب أنكم دعاة سلام!
أنسيتم سنوات الرفيق الأمين المناضل الأب المفدى القائد الخالد رمز الثورة والأمة العربية..
والد الرائد الركن المظلي المهندس الشهيد..
أخو الدكتور الرفيق الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي الفريق القائد العام للجيش والقوات المسلحة..
مع من ستتحاورون:
مع القيادة القطرية.. أم مع القيادة القومية..
أم مع منظمة طلائع البعث.. أم مع منظمة اتحاد شبيبة الثورة..
أم مع الجبهة الوطنية التقدمية.. أم مع مجلس الدمى المتحركة وقوائم ظله..
أم مع الوزراء..
أم مع الشرطة في خدمة الشعب وعناصر قوى الأمن الداخلي الساهرين دائما على حماية امن المواطن..
أم ستتحاورون مع وزير الإعلام أم مع نائب الرئيس الذي رأيه يمثل رأيا واحد من خمس وعشرون مليون سوري؟!
هل ستتحاورون مع الجهات المختصة التي "تلاحق فلول الإرهابيين" في درعا وحمص ودمشق وريف دمشق وحلب وريف حلب وإدلب والرقة وحماه والحسكة والقامشلي! ما أحلاه من حوار وما أرقاه!
هل ستتحاورون مع من جعل سوريا محافظة إيرانية!
ستحاورون حزب البعث الفاشي الذي يحكم سوريا منذ واحد وخمسين عاما حكما عسكريا قمعيا إقصائيا شموليا مسميا حقبته "ثورة البعث المجيدة.. قائد الدولة والمجتمع"؟!
أم ستحاورون محور المقاومة والممانعة الذي باع الجولان محتفظاً على الدوام بحق الرد متحليا بالحكمة وضبط النفس مع العدو الإسرائيلي وعدم الرد على استفزازاته؟! في الوقت ذاته اعتمد الحسم العسكري لقمع مطالب السوريين.
                                                        ..................
فلنسامح! فلنغفر! فلننسى! ما أجمل الغفران والعفو! ولكن..
ألم يسأل دعاة الحوار أنفسهم:
كيف يمكن لهم أن يجلسوا على طاولة الحوار بينما لم يتوقف يوما واحدا هدير الطائرات الذي يشق عنان السماء لتقصف بحقد همجي شعبا عريقا بمدنه وقراه عمره آلاف السنين؟!
هل يمكن لحديث ونقاش أن يفهم وضجيج "سلاح الجو الذي ينفذ في اليوم الواحد عشرات العمليات النوعية مستهدفة تجمعات إرهابية" يصم الآذان..
يتحاورون! ومجنزرات الدبابات والناقلات لم تتوقف لحظة واحدة عن قلع الإسفلت الذي عبد شوارع سوريا..
يتحاورون! وسبطانات المدفعية التي لم تتوقف يوما عن دك بيوتنا وقرآنا؟!
يتحاورون! مع صواريخ سكود؟!
يتحاورون! مع القنابل الفراغية.. العنقودية.. الفوسفورية؟!
يتحاورون! مع راجمات الصواريخ؟!
يتحاورون! والكهرباء مقطوعة! ألا يعرفون أن ضجيج مولدات الكهرباء لن يدعهم يسمعوا أنفسهم عمّا يتكلمون.
                                                         ................
من يعتقد أن هناك حوار مع عهد وعصر الطغيان والاستبداد، فهو واهم.
من يظن أن الحوار مع التقتيل والتشريد والتجويع لقتل الأمل في نفوس السوريين ممكن، فهو يهذي.
ومن يفكر أن يتحاور مع سفّاحٍ سفك الدماء السورية لتجري انهارا في شوارع سوريا، فهو شريك له في القتل.
                                                        .....................
في سوريا الحبيبة فقط يسقط الشهيد تلو الشهيد ليسطروا بدمائهم أعظم وأشجع ثورة لتزيح من مناهج التدريس الثورة الفرنسية عن عرش الحرية، لتكون الثورة السورية شمسا خالدة مشرقة تبعث النور والدفء والحياة في وطن الحرية.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع