غزوان طاهر قرنفل
تصدير المادة
المشاهدات : 3546
شـــــارك المادة
ربما لاتشي مبادرة السيد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض بحنكة سياسية فالرجل لم يزعم قط أنه سياسي مخضرم ، لكنها بكل تأكيد تفصح عن وطنية خالصة تنضح بها نفسه، وشعور فائض بالإنسانية الراقية ربما لم يعهدها عالم السياسة والسياسيين. فالسياسة في عرف ذاك الطراز من الوطنيين هي علم إدراك المصالح العليا وصياغة الأدوات والوسائل للوصول إليها، وإدارة الصراعات بسبل شتى تتسق فيها وتتناسق السبل والغايات...
ولاشك أن الخطيب لايهدف فحسب من مبادرته تحرير آلافا من المعتقلين ومجرد تجديد وثائق سفر ، ولا أظن أن تتقزم المسألة الوطنية عنده وذاك الدم المسفوح إلى هذا السقف من المطالب.. لكنها ربما ذاك الثقب في جدار الصمت والفرجة الدولية على أكبر وأفظع المجازر في التاريخ الحديث. ومع ذلك فأنا ممن يعتقدون أن السيد الخطيب تسرع - إن لم نقل أخطأ - في تلك المبادرة... فصحيح أن المفاوضات هي شكل آخر لإدارة الصراعات لكنها في الحالة السورية، وضمن عدة معطيات ومحددات تجعل منها نوعا من إنهاء الصراع برفع الراية البيضاء. فالأسد الذي رفض الامتثال لمطالب شعبه.. ورفض -ومايزال- الخروج الآمن من السلطة رغم كل جرائمه، وأحرق البلد ودمر المدن واستباح المال والعرض، لن يقبل بتلك النتيجة بمحض مفاوضات مع طرف مايزال يريد أن يرى فيه مجرد أداة إقليمية ودولية للنيل من (صمود) نظامه و (ممانعته)... ثم إن إيران وروسيا اللتين وضعتا كل ثقلهما المادي والعسكري والديبلوماسي لتعويم الأسد ودرء الأخطار عن نظامه، وإبقائه في السلطة رغما عن إرادة شعبه لأنه يحقق لهما مصالح حيوية كبرى في المنطقة، لن يتنازلا عنه بجولة مفاوضات.. خاصة أنها تأتي ضمن معطيات وسياقات لاتجعل من الطرف الآخر قادرا على انتزاع شيء بها لم يستطع انتزاعه على الأرض... وبالتالي فإن أقصى مايمكن أن يتحصل عليه السيد الخطيب من مبادرته تلك هو إطلاق المعتقلين وتجديد وثائق السفر والمشاركة بحكومة تحت ظل الأسد الثقيل.. وتكون سلطة العصابة قد استعادت بذلك الاعتراف بمشروعيتها - على الأقل باعتبارها راعية للمرحلة الانتقالية - التي تطالب بها المعارضة، مع مايتطلبه ذلك من وقف للنار وإلقاء للسلاح بهدف إعادة بسط سلطة الدولة (المستعيدة لمشروعيتها) لا لشيء إلا لإعادة الأمن للناس والخدمات الدنيا لهم تمهيدا لخوض الانتخابات المزعومة والتي ستعرف أجهزة سلطة العصابة كيف تعيد إدارتها وصناعة نتائجها من جديد.. وستؤول الأمور مجددا وبعد سنتين من الثورة والقتال والدمار والشهداء إلى نقطة الصفر!!!. هل نحتاج إلى إعادة التأكيد على أن هذا النظام بحكم نشأته وطبيعة بنيانه وتكوينه المافيوي العصبوي، عصي على التحول -ولو المتدرج- نحو التعددية السياسية الحقيقية والتداول السلمي للسلطة؟؟؟ ألم ندرك بعد نصف قرن من الاستبداد أنه مجرد سلطة عصابة طائفية لاترى في سوريا وأهلها وطنا وشعبا بل إقطاعية وأقنان لاحقوق لهم إلا بما يجود ويمنَ عليهم به سيدهم؟! فالتحول الديمقراطي لايقبله من أدمن الألوهية والاستبداد ... ومن يرتكز في حكمه على محض إرادة دول أخرى يعمل خادما لمصالحها وضامنا لأمنها الإقليمي، وليس لإرادة شعبه وخدمته... ولم يجر في التاريخ تحولا ديمقراطيا قاده طاغية مستبد وكل التحولات جرت بعد رحيله أو سقوطه. وبالتالي فإن الصراع هنا يأخذ معنى وجودي عند تلك النظم لايحتمل إلا إفناء الآخر أوتركيعه .. وهو ماعبرت عنه بلاغته الاستبدادية في عبارة (الأسد أو نحرق البلد)!. صحيح أن المجتمع الدولي بموقفه البليد تجاه المذبحة السورية المتمادية خيب أمل السوريين ودفع البعض منهم للتطرف، لكن الصحيح أيضا أن المعارضة السورية أثبتت بجدارة أنها فاشلة بكل المعايير تتنازعها الخلافات والبحث عن الأدوار أكثر مما تعنيها القضية الوطنية وأثبت الكثير من المعارضين أنهم مجرد هواة سياسة أكثر مما هم سياسيون ورجال دولة.. فضلا عن أن العديد من الكتائب المسلحة المعارضة للنظام مجرد لصوص وقطاع طرق ومتطرفون أغبياء فشلوا في تقديم نموذج مغاير ومغر للناس، فكانوا على الأرض بديلا أسوأ بأشواط من النظام رغم كل جرائمه وبالتالي لم يكن النموذج مغريا للمجتمع الدولي المتعاجز أصلا ليرى فيه بديلا عن نظام العصابة. لكن ذلك كله لايجب أن يدفعنا للانهيار والهرولة وراء سراب حل - قد- يفضي لتجنب حرب أهلية مديدة لكنه لن يعطي السوريين بالمقابل إلا نصف قرن آخر من الاستبداد وجرعات متجددة من الإذلال والقهر. إن تخلي المجتمع الدولي عن الثورة السورية وحق السوريين بالحرية والكرامة.. وعدم رفع الغطاء - حتى الآن - عن سلطة العصابة الحاكمة في دمشق لايعني القبول بنصف ثورة.. لأنها تعني موتا سريريا محتما للمجتمع السوري وتحنيط أبدي له. بل لعل تقديم نموذج أفضل في إدارة المناطق المحررة ووجود سلطة مدنية بديلة تعبر عن إرادة الناس وخياراتهم، توفر الحد الأدنى من الأمن والخدمات لهم فيها، وإعادة تنظيم بنيان الجيش الحر بتراتبية عسكرية خالصة بعيدة عن الصراعات والتجاذبات السياسية الوضيعة، واستيعاب كتائب المسلحين في أطره بتراتبية وحرفية واعتبار كل من هو خارجه خارج عن القانون ومجرد عصابة مسلحة لاتختلف عن سلطة العصابة الأسدية الحاكمة.. والكف عن الخطاب الإعلامي المتطرف دينيا ومذهبيا والذي ينفر العالم ويدفعه للمزيد من الإحجام عن دعم مطالب السوريين وحقهم بالتغيير لعدم اطمئنانه للبديل، وتخلي أطر المعارضة السياسية عن أنانياتها وفردياتها وإعلاء الشأن الوطني على ماعداه من مكاسب سياسية رخيصة... كل ذلك من شأنه أن يعيد للثورة التألق والحياة ويشجع الآخر على القبول بها ودعمها. إن هذه الثورة انطلقت من رحم الظلم لتحقق أهدافا كبرى ترتسم من خلالها ملامح مستقبل وطن وأجيال... فلا تجهضوها بالمهادنة وأنصاف الحلول للحفاظ على - ماتبقى من - سوريا، لأن ماتبقى لم يعد يستأهل العيش بذل مستدام .. والثمن دفع مقدما ومزيدا من الإصرار والتماسك والتمسك بالأهداف هو وحده الكفيل بتحقيقها. هي إذا المسؤولية الوطنية والتاريخية الكبرى التي ألقيت على كاهل السوريين جميعا وهم أهل للتصدي لها بمزيد من الإيمان والإصرار على تحملها وانجاز أهدافها. فسورية العذراء لم تحمل جنين ثورتها سفاحا... لقد نفخ الشعب من روحه فيها، فلا تجهضوا حملها.. ولا تصلبوا مخلِصها.
مروان قبلان
وليد شقير
لقمان الحكيم
برهان غليون
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة