..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

لماذا يجوع السوريون؟

فايز سارة

١٦ يناير ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3037

لماذا يجوع السوريون؟
السوري1.png

شـــــارك المادة

ربما لم يتوقع أحد ممن يعرفون سوريا والسوريين، مجيء يوم يقال فيه أن ثمة سوريين يطحنهم الجوع.
بل وفي أغلب الظن، لم يتوقع أحد، أن يتجاوز الأمر ما سبق، وأن يتضمن تقرير للأمم المتحدة تأكيداً، على أن هناك مليون سوري، صاروا فريسة للجوع.
وقد صدر التقرير قبل أيام، بعد تقارير أممية،لم يأخذها كثيرون على محمل الجد، تحدثت في الأشهر الماضية عن جوع، يهدد ثلاثة ملايين سوري في مدى قريب.

 


غريب أن يتهدد الجوع السوريين.
تاريخ هذا البلد معروف، كان يعرف بـ إهراءات روما .
تغيرت معطيات كثيرة منذ ذلك الزمان. لكن الغرابة، تستند إلى معطيات داخلية، بعضها يتعلق بالأرض، وآخر يتصل بالسكان.
فسوريا التي تصل مساحتها إلى مائة وخمسة وثمانين ألف كيلو متر مربع، وفيها نحو ثلاثة وعشرين مليون نسمة، تملك قدرات زراعية كبيرة، وخاصة في ميدان الزراعات الغذائية والإنتاج الحيواني، حيث هناك أراض ومياه وتنوع بيئات، نجدها مكثفة في سهول الجزيرة السورية، التي تنتج الحبوب، ولاسيما القمح، وفي سهول الشمال في حلب وإدلب، التي تشارك الساحل السوري الأشجار المثمرة والخضار، وهي السمة العامة للزراعة في وادي العاصي، فيما تتعدد أنواع الإنتاج الزراعي في سهول ومرتفعات الجنوب، لتشمل الخضار والأشجار المثمرة والحبوب، وخلاصة حالة الإنتاج الزراعي الغذائي في سوريا، أنها بين بلدان قليلة في المنطقة، حققت اكتفاءً غذائياً، واحتياطاً استراتيجياً في القمح ومحاصيل أخرى على مدار عقود مضت، بالتزامن مع إنتاج حيواني كبير، فيه نحو خمس عشرة مليون رأس من الأغنام، وعدد هائل من إنتاج البيض ولحوم الدواجن، وكان يصدر فائضه إلى دول الجوار على نحو ما هي عليه حالة الإنتاج الزراعي من الغذاء.
ولم يكن الإنتاج الغذائي خارج إطار الاهتمام الكبير الذي يبذله الفلاحون السوريون المعروفون بجدهم واجتهادهم، فقد غرسوا في العقود الثلاثة الماضية خمسة وسبعين مليون شجرة زيتون في أراض دخلتها زراعة الزيتون لأول مرة، كما هو حال سهول حوران والجولان، وزرع الفلاحون مساحات واسعة من أشجار التفاح والحمضيات والفستق الحلبي في جنوب وشمال البلاد والساحل، وأغلبها لم تكن زراعات رائجة ومنتشرة في السابق، وهذه مجرد أمثلة على جدية الفلاحين وعلى قدرتهم في تجديد إنتاجهم استناداً إلى الظروف المحيطة، ومنها قلة المياه، وحاجة سوق الاستهلاك، والعائد الاقتصادي للزراعة.

إن نجاح الزراعة السورية في أحد وجوهه، كان يمثل تحدياً جدياً من جانب الفلاحين للبيروقراطية الحكومية وفسادها، التي كان يمكن ان تدمر الزراعة كلها، وليس الإنتاج الغذائي وحده بفعل تحكمها بالقروض التي تقدمها الحكومة، فيأخذ الفاسدون والمقربون من النظام أكثرها، ومن خلال التحكم بالبذار والأسمدة اللذين توزعهما الحكومة عن طريق الجمعيات الفلاحية ويحصل عليهما أصحاب الحظوة، ومن خلال سياسات الفرض الزراعي على الفلاحين لنوعية وحجم الإنتاج لبعض المحاصيل مثل القمح والقطن والتبغ، وقد استطاع الفلاحون بفعل جدهم وصبرهم، تجاوز تلك السياسات والالتفاف عليها من اجل الاستمرار في دورهم الإنتاجي.
غير أن قدرات الفلاحين وبيئة الزراعة السورية في العامين الأخيرين، اختلت بعد أن تعرضت لانتهاك وتدمير، تجاوزا حدود سياسات البيروقراطية والفساد المعروفة، إلى سياسات أمنية انتقامية، شاعت في اغلب مناطق الريف السوري من دير الزور شرقاً إلى أرياف حمص وصولا إلى ريف اللاذقية، ومن سهول حلب في الشمال إلى سهول درعا مروراً بإدلب وريف دمشق، وكلها مناطق شهدت حركات احتجاج وتظاهر، قبل أن يتحول أغلبها إلى مسرح للأعمال العسكرية، في الصدام بين القوات الحكومية وقوى المعارضة المسلحة، وهو تحول سبقته وتمت في إطاره عمليات دمار للأراضي الزراعية ومنشآت الإنتاج الحيواني نتيجة لأسباب أمنية، وغالباً لانتقام أو لإلقاء الرعب في قلوب الفلاحين ومنعهم من الاحتجاج والمشاركة في أعمال المعارضة المسلحة.
وترافقت تلك الأعمال مع تدمير لمناطق سكنية في كثير من الأرياف، والأمثلة في ذلك لا تحصى، من قرى درعا وريف دمشق، وقرى حمص وإدلب وريف حلب، وترتب على دمار البنى التحتية للزراعة، وصيرورة الريف ميداناً للصدامات العسكرية، أن هجر أغلب السكان قراهم.
لقد فاقمت ظروف أخرى في تدهور الزراعة السورية وخاصة الغذائية، كان أبرزها تدهور وضع الطاقة ومنه فقدان المازوت وارتفاع أسعاره لأكثر من ثلاثة أضعاف، وتقنين أو انقطاع الكهرباء، وفقدان البذور والأسمدة ونقص السيولة المالية، وارتفاع تكاليف النقل من أماكن الإنتاج إلى أسواق الاستهلاك، ثم صعوبات الانتقال ليس بين المحافظات، انما داخل المحافظة الواحدة وسط أجواء أمنية شديدة الصعوبة والخطر، ما أدى إلى تدهور في الناتج الزراعي ومنه الزراعة الغذائية، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فان الزراعة السورية ستموت في قسمها الأكبر، ويزداد عدد الجائعين في سوريا بصورة كبيرة.
 
 
السفير

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع