سعد محيو
تصدير المادة
المشاهدات : 6469
شـــــارك المادة
هل ستكون عملية تبادل الرهائن الإيرانيين بمواطنين سوريين، والتي لم تك دمشق لتقبل بها على هذا الشكل المهين لولا ضغوط هائلة مارستها عليها طهران، بداية فك الارتباط بين جمهورية إيران الإسلامية وبين النظام السوري "العلماني"؟
للوهلة الأولى قد يبدو هذا السؤال غريباً. فإيران كانت ولا تزال الناصر الأمني- العسكري الأول للنظام السوري، والمُموّل الأول له، والطرف الإقليمي الوحيد تقريباً الذي يقف معه إلى درجة تهديد تركيا بحشد 400 ألف جندي إيراني على حدودها إذا ما تدخلت عسكرياً في سورية.
وهي قبل أيام، كانت الدولة الوحيدة في العالم التي اعتبرت خطاب الأسد الأخير "مبادرة إيجابية"، على رغم أنه لم يتضمن في الواقع مبادرات بل مجرد تكرار لشروط قديمة عمرها من عمر الأزمة السورية قبل سنتين. فكيف يمكن، والحالة هذه، أن تغيّر إيران موقفها من النظام السوري، أو على الأقل من عائلة الأسد، خاصة وأنها كانت تعتبر هذا النظام خط الدفاع الأخير ليس فقط عن حزب الله اللبناني (وهو أهم انجازاتها في السياسة الخارجية طيلة ثلاثة عقود) ونفوذها في العراق وفلسطين، بل حتى عن نظامها نفسه في الداخل؟
اللغز يتفكك حين نتذكّر المحرّك الأول في تاريخ البشر: الاقتصاد. فالجمهورية الإسلامية، كما بات معروفاً، تمر بأخطر أزمة اقتصادية في تاريخها. أزمة باتت تهدد بتفكيك نسيج الوطن الإيراني نفسه: - فإنتاج النفط، وهو المورد الرئيس للدخل الإيراني، انخفض إلى النصف تقريبا بفعل العقوبات الدولية، والعد لا يزال مستمرا. - وقيمة العملة الإيرانية، الريال، هبطت إلى النصف هي الأخرى خلال سنة واحدة، والمضاربات عليها لم تتوقف بفعل ثقة المساهمين بمستقبل الاقتصاد الإيراني بل لأن الدولة تدخلت بكل قوتها الأمنية وأوقفت معاملات العرض والطلب عليها. - وسياسات الرئيس نجاد الاقتصادية الشعبوية أسفرت عن زيادات كبيرة في عمليات الاستيراد من آسيا وأميركا اللاتينية، ووجهت ضربة قاسية إلى الصناعات المحلية الإيرانية، الأمر الذي فاقم من مشكلة البطالة التي وصلت خلال السنتين إلى أرقام فلكية تقدرّها مصادر غير رسمية بما يتراوح بين 35 إلى 40 في المائة. هذا في حين أن التضخم بات يبدو كقطار سريع فقد سائقه السيطرة عليه. - وفوق هذا وذاك، كانت التجربة الإسلامية الإيرانية التي وعدت في مطالعها بتحقيق جنة الله على الأرض من خلال حكم رجال الدين "الطاهرين"، تتعرّض إلى شرخ مؤلم حين صنفت "مؤسسة الشفافية الدولية" إيران في المرتبة 133 من أصل 176 دولة من حيث الفساد. وهذا العامل، وربما أكثر من أي عامل آخر، كان السبب الرئيس لخيبة الأمل في أوساط الشعب الإيراني الذي كان يتوقع أن تتساوق انجازات النظام الواضحة في مجالات التعليم والصحة وقدر من التصنيع مع المُثّل العليا الدينية التي نقلها(نظريا) النجاح المذهل لثورة الخميني العام 1979 من ملكوت السماء إلى مملكة الأرض.
الآن، إذا ما أضفنا إلى هذا العوامل الخطيرة التكلفة الهائلة للسياسة الخارجية الإيرانية، خاصة بعد أن تحوّل النظام السوري إلى ما يشبه الثقب الأسود الذي يمت مليارات الدولارات الإيرانية سنوياً (التقدير بأن طهران تدفع مليار دولار شهرياً لتمويل رواتب موظفي الدولة السورية البالغ عددهم نحو 7 ملايين، جاء من مصادر رسمية سورية)، فسيمكننا القول أن إيران قد تبدأ من الآن فصاعداً النظر إلى الأزمة السورية ليس من خلال نظارات نفوذها الإقليمي، بل عبر معطيات مصالح نظامها الداخلي وفي مقدمها وضعه الاقتصادي. لقد قال أحد مستشاري الإمام خامنئي لكاتب هذه السطور قبل ثلاث سنوات، رداً على سؤال، أن القيادة الإيرانية تعي أن أميركا تجرها إلى سابق تسلح اقتصادي وعسكري وسياسي بهدف إفلاسها كما فعلت قبل ذلك بنجاح مع الاتحاد السوفييتي، لكنها (القيادة) لاتجد سبيلاً للدفاع عن نفسها في مواجهة الحرب الغربية المستمرة ضدها منذ 30 سنة سوى التصدي والصمود. حسنا. لكن هل هذا الصمود لازال ممكناً الآن، بعد أن وصلت البلاد إلى حافة هاوية اقتصادية حقيقية؟ معظم المحللين والمراقبين يردون بالنفي. وهم يقولون أن الشعب الإيراني الصبور كان سيتحمل أكثر من موقع قومي وإيديولوجي، لولا أن النظام الحاكم غارق في الفساد والتخبط الاقتصادي في الداخل فيما هو يمارس ثورة "طهرانية" وثورية في الخارج. لكن الصورة في طهران وأصفهان وقم ليست على هذا النحو هذه الأيام. وهذا ما يعيدنا إلى سؤالنا الأول عن أبعاد صفقة الرهائن، لنقول أنها قد تكون بالفعل المؤشر الأول على بدء عملية فك ارتباط إيرانية تدريجية ليس بالضرورة عن النظام السوري بل عن عائلة الأسد التي بات يبدو، بعد خطاب الرئيس السوري التصعيدي الأخير، إن دحرجة رأسها بات مطلوباً دولياً كثمن لوقف تفاقم الأزمة السورية، كما ألمح إلى ذلك مؤخراً الأخضر الإبراهيمي.
وإذا ما كان هذا الافتراض صحيحاً، والأرجح أنه كذلك، يمكن أن نتوقع أيضاً بدايات تغيير في مواقف القيادة الإيرانية حيال طبيعة التعاطي مع الغرب غداة الانتخابات الرئاسية المقبلة. لماذا؟ لأن طهران لن تبيع جلد الأسد مجاناً للغرب، بل يفترض أن يكون ذلك جزءاً من صفقات عامة تقايض فيها سياستها الخارجية والنووية بضمانات تتعلق بأمن نظامها، ولكن أيضاً وبالدرجة الأولى ضمانات أخرى برفع حالة الخنق والحصار عن اقتصادها السقيم.
اليوم غدا
إسماعيل ياشا
عبد الحميد الأنصاري
مجاهد مأمون ديرانية
أحمد منصور
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة