..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الخازوق ستينغر

طلال عبد الله الشواف

٧ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6862

الخازوق ستينغر
1 الجيش الحر.jpg

شـــــارك المادة

جميل أن يكون الإنسان صاحبَ مبدأ، لكن الأجمل أن يجعل هذا المبدأ ناظمَ فكره، وموجهَ عقله، ينطلق منه في أموره كلها، هذا الإنسان يفرض احترامه فرضاً، ويُشعرك بالأمان وأنت تناقشه أو تحاوره، ذلك لعلمك بأنه ينطلق من ثوابت، ويدافع عن مبادئ.

ولعل معظم مصائبنا من أولئك الهلاميين المائعين المتلونين، حيث لا هدف ولا ثوابت ولا منطلقات، فَطوراً ذات اليمين حيث تكون المصالح، وطوراً ذات اليسار حيث هوى النفس، وحيناً معك وحيناً عليك، وكلُّ ذلك تحت حجة واهية هي (اللعبة السياسية)، فانقلبت السياسة كذباً، وخداعاً، ومراوغةً، وخيانةً، وغباءً في كثير من الأحيان.

 


ومنذ بداية الثورة، حين بدأت تتضح الصورة وتتبلور المواقف، كان الكثيرون يستغربون تهليل البعض وتصفيقهم للموقف الأمريكي (الداعم للثورة السورية)، وحين كانوا يُسألون عن الأدلة التي تدعم موقفهم كانوا يتفننون في طمس الحقائق ويتسابقون في اللف والدوران، كل ذلك لـيُظهروا أنفسهم بمظهر السياسي الحاذق الفاهم، وأن غيرهم مازال غراً في السياسة، ومبتدئاً في تعلم وفهم قواعد اللعبة السياسية.

أمثال هؤلاء، كانوا يهللون ويطبلون ويزمرون، لكل كلمة أو تصريح من أي سياسي غربي - خصوصاً إذا كان أمريكياً – يحمل في ثناياه تلميحاً لدعم الثورة السورية، ويستبشرون بالخير القادم من (أصدقاء الشعب السوري)، ويبنون الآمال الكبيرة على الوعود الكاذبة، ناسين أو متناسين أن الذئب الشرس لن يكون حملاً وديعاً، ولو حصل ذلك لكان خلافاً لقوانين الكون.
وحين كانت تساق لهم الأدلة الدامغة الموضِّحة لحقيقة الموقف الأمريكي من كل ما هو مسلم وعربي بالإجمال، كانوا يتحذلقون ويتفذلكون بأن الشأن السوري أمر آخر، وأنهم على يقين بأن أمريكا صديقةٌ للشعب السوري وعدوةٌ لهذا النظام الذي أوغل في الإجرام، حتى كانت الأيام الأخيرة، التي تبلور فيها الموقف الأمريكي الحقيقي، وكشرت السياسة الأمريكية عن أنيابها السوداء المسمومة، لتفضح الأغبياء وتكشفهم أمام عيون الجميع، والقماش لا زال في أيديهم لتنظيف وتلميع الموقف الأمريكي القذر، لتبدو أمريكا أكثرَ التزاماً بمبادئها من هؤلاء الأغبياء، فهي كانت وما زالت ولن تحيد عن موقفها الثابت، بأنها ضد كل تغيير يحمل بين طياته الخير والحرية للشعوب، وأنها كانت ولا تزال وستبقى تدعم كل نذل وخسيس ومجرم ليصل إلى سدة الحكم، وأن ملايين القتلى والجرحى والمعتقلين والمفقودين لا تساوي في نظرها شيئاً مقابل تحقيق مصلحة واحدة من مصالحها في بلادنا، وأولها الإبقاء على نظام آل الأسد أو استبداله بمثله، وتدمير هذه الثورة المباركة أو حرف مسارها للوجهة التي ترضى هي عنها.

وبقراءة متأنية للمواقف الأمريكية من كل قضايا الأمتين العربية والإسلامية، بل من كل قضايا الشعوب الراغبة بالتحرر، نستطيع تـلمحَ سياستها ومواقفها من ثورتنا منذ بداياتها، ونحن حين نتوقع القادم من مواقفها لا نكون نرجم بالغيب، بل في الحقيقة نكون كمن يتوقع شكل المنتج الصناعي قبل أن يخرج من الآلة، وهل لعاقل يقف أمام آلة تنتج الأحذية (مثلاً) أن يتوقع خروج علبة دواء منها في وقت ما؟ إلا إذا كان غبياً مهما ادعى خلاف ذلك!؟
ثورتنا قامت بإذن ربها .. ولأنها في سورية، ولظروف خاصة كثيرة (ليس الآن وقت تفصيلها)، وقفت كل شياطين الإنس – وأهمها وأولها وأكبرها إسرائيل وأمريكا وإيران وروسيا والصين – مع الشيطان النظام المجرم تدعمه وتؤازره، وتــُركت الثورة وحيدةً، إلا من دعْم أهلها وصمود ثوارها وثبات شعبها، ومُــنعت عنها كل أسباب التفوق على النظام الأسدي، خصوصاً السلاح الذي يصد الدروع والطائرات، وبرغم هذا كله، أراد الله لهذه الثورة الاستمرار، إعجازاً منه سبحانه، وإكراماً لهؤلاء الذين خرجوا من المساجد من أول يوم يعلنون غايتَها (هي لله هي لله) ويرفعون رايتها (يا الله مالنا غيرك يا الله).
واستمرت الثورة على ضعفها وقلة عـُـدتها مؤيدةً بنصر الله واثقة منه، فبدأت الوعود تنهال من أمريكا تتحدث عن الدعم القادم (المال والسلاح) وخصوصاً النوعي منه، تدغدغ أسماع الجهلة الأغبياء بالكلمة السحرية (صاروخ ستينغر الذكي المضاد للطائرات)، لكنها السياسة الأمريكية التي لا تعرف إلا المكر والخداع، طالبت الثورةَ مقابل ذلك، بخفض سقف مطالبها، والقبول بمبادرات صبيانها (السماسرة) الذين ما توقفوا عن طرح المبادرات وحقن النظام الأسدي المتهالك بكل أسباب البقاء، ولأنها ولأنهم لا حكم لهم ولا سلطان – حتى الآن!! –
على الثوار الذين أعطوا أمريكا (قفاهم) وانطلقوا بأمر ربهم يكملون تنفيذ أمره، راحت تحاول تنفيذ مخططها من خلال المجلس الوطني السوري، الذي – على عُجَره وبُجَره – لم يرضخ لا لأمريكا ولا لصبيانها، فقررت تدميره من داخله وهي ستفعل ذات الشيء مع الثوار في المستقبل.
سيتم اختيار شخصيات تافهة، يتم انتقاؤهم بعناية، أشخاص مصابون بالكثير من أمراض النفس، لهم مآرب ورغبات خاصة، من أولئك الذين تكلمنا عنهم في البداية ممن يحسبون أنهم يفهمون السياسة، أو ممن يتسترون وراء هذه الخديعة لتنفيذ مخططاتهم، وممن تدغدغ أسماعهم كلمات (المساعدات وصواريخ ستينغر الأمريكية( لينقلبوا على المجلس الوطني والثورة، زاعمين أن مصلحة الثورة قادمةٌ على أيديهم، وهم في حقيقتهم أحد شخصين، إما خائن عميل مجرم متآمر على الثورة مهما كانت تبريراته، وإما حمار يلبس بنطالاً مهما كان لونه، وكلا النوعين موجود.
لهؤلاء نقول انطلاقاً من مبادئ الثورة السورية الربانية بإذن الله، واعتباراً من قراءة التاريخ، أنهما احتمالان اثنان لا ثالث لهما ينتظرانهم، إما (نجاحهم) وتسليم الثورة لأمريكا تفعل بها ما تشاء، وإما (فشلهم) لتبقى تورتنا تنفذ أمر ربها بيد ثوارها الشرفاء.
فأما إن كانت الأولى - لا قدر الله - فوالله لن تعطيكم أمريكا مقابل وعودها (المساعدات وصواريخ ستينغر) إلا الكذب والخداع، لتكتشفوا بعد حين أن ما كنتم تحسبونه مساعدات لأجل سواد عيونكم، ليس إلا ثمناً زهيداً تقدمه لكم أمريكا مقابل ثورتكم بكل ما فيها من دماء الشهداء ودموع الثكالى وآهات المعذبين وغصص الحرائر العفيفات، بعتموها لها توجهها وتوظفها كيف تشاء، وأنها لن تدفع لكم دولاراً واحداً قبل أن تنزع عن كل واحد منكم شرفه ونخوته (هذا إن كان عندكم منها شيء)، وأن الصناديق الأنيقة التي سترسل لكم داخلها صواريخ ستينغر، لن تجدوا بداخلها عندما تفتحونها إلا الخوازيق الأمريكية، وستحرص أمريكا (التي تحبكم جداً وتحترمكم جداً) على أن تكون هذه الخوازيق مشابهة - ما أمكن - للصواريخ لتكون مقنعة للأغبياء التافهين، فهي ستكون انسيابية .. لتخفيف الاحتكاك، وذكية .. تعرف تماماً مَن وأين ستضرب، وموجهة .. لا تضللها بالونات الحرارة التي سيطلقها الهاربون.

وأما إن كانت الثانية - وهذا حسن ظننا بالله ثم أملنا بالثوار أصحاب كلمة الفصل – فستأتيكم أمريكا راغمةً ومعها كل المجرمين الداعمين للنظام الأسدي الساقط والساكتين عنه، وهم يرون هذا النظام المجرم يتهالك أمام الثوار.
نعم .. ستأتيكم صاغرة، وستقدم لكم ما تريدون من الدعم لتخطب ودكم، عندها .. نتعامل مع أمريكا معاملة الند للند، وعندها .. نكون قد لعبنا السياسة بشكل صحيح، منطلقين من مبادئنا، محافظين على عزنا وشرفنا ومكتسبات ثورتنا، شاكرين لربنا الذي أكرمنا بهذه الثورة وشرفنا بالانتساب لها.
قد يكون قبل حدوث هذا .. مصاعب ومكائد وثمن يدفع، فليكـــنْ! .. نعم فليكـــنْ! .. وهل نحن إلا في ثورة وجهاد؟
وماذا يكون في الثورات غير تقديم التضحيات والثبات والصبر؟
ثم بإذن الله يكون النصر المؤزر، وبين كل هذه الأمور يكون دور الساسة أصحاب المبادئ والقيم، يسددون ويقاربون ويلعبون لعبة السياسة، بهامات مرفوعة، وكرامة مصانة، كأي ثائر مجاهد على أرض الوطن الحبيب ...
هذا فهمنا للسياسة.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع