..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

هل من حرب سورية تركية؟!

أكرم البني

٢٠ أكتوبر ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3348

هل من حرب سورية تركية؟!
12=بابة تركية.jpg

شـــــارك المادة

وجهتا نظر يجري تداولهما بين السوريين حول احتمال نشوب حرب مع تركيا بعد تكرار قصف مواقع على جانبي الحدود، أبرزها مقتل خمسة أتراك بقذيفة أصابت منزلا في قرية «أغجا كالي» ردت أنقرة بقصف مواقع عسكرية في منطقة تل أبيض، تلاها تفويض البرلمان التركي لحكومته بشن عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية إذا اقتضى الأمر.


ترجح وجهة النظر الأولى خيار الحرب، مستندة إلى تقديرها بوجود مصلحة اليوم لدى حكام دمشق في جر تركيا إلى حرب مباشرة بدل غير المباشرة القائمة من خلال دعمها للثورة، وما يعزز هذا الخيار حضور مصلحة إيرانية في تغير قواعد اللعبة، لتوسيع رقعة المشاركين في دعم النظام السوري من جهة وللالتفاف على تفاقم أزمتها الاقتصادية وقد بدأت تنعكس بتمردات شعبية ضد تدهور الوضع المعيشي.
هو أمر مألوف أن تلجأ الأنظمة المأزومة إلى افتعال حروب خارجية لربح الوقت والتهرب من معالجة الأسباب الحقيقية لأزماتها، لكن ما يعطي هذه الحقيقة زخما إضافيا في الحالة السورية، شعور أهل الحكم بالعجز عن الحسم في المناطق المتاخمة للحدود التركية، وبأن الركون إلى عامل الوقت لم يعد في صالحهم أمام توسع المساحات التي تخرج عن السيطرة والتكلفة الباهظة للعمليات العسكرية.
ويضيف أصحاب هذا الرأي أن أهل الحكم يتطلعون من افتعال حرب مع تركيا إلى ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، كتوظيف أجواء الحرب وسلاح التعبئة لتعزيز الضبط الداخلي وتمرير المزيد من الفتك بأقل ردود، والرهان على الشعارات الوطنية ضد العدو الخارجي في تمييع شعارات الثورة المتعلقة بالحرية والكرامة، وتاليا تمزيق وحدة الحراك الشعبي وشق صفوف المعارضة وتشويه سمعتها، ثم التعويل على مناخات الحرب في ترميم قاعدتهم الاجتماعية المتهالكة وإعادة رص صفوف القوى العسكرية التي بدأت تعاني تصدعا وانشقاقات متواترة، وفي الطريق التطلع إلى أن تفتح الحرب بوابة للتدخلات السياسية الخارجية التي قد تعيد للنظام بعضا من دوره الإقليمي المفقود، أو ربما تفضي إلى خلط الأوراق العربية والإقليمية والعالمية وتخلق حراكا في التفاعلات السياسية الجارية حول الوضع السوري تزيد قلق المتشددين وتشجع دعاة التريث والتعاطي الاحتوائي.
ويعزز هؤلاء موقفهم بأن تصعيد أنقرة يحمل معه هذه المرة جدية المواجهة العسكرية، وأن خيار الحرب بات يشق طريقه على أرض الواقع في ضوء تفويض البرلمان التركي وإشارات الدعم الأطلسية، ومعهما إدراك أردوغان حجم الضرر على شعبيته وموقع حزبه في حال استمر في «بلع» التجاوزات السورية المتواترة منذ إسقاط الطائرة التركية في يونيو (حزيران) الماضي.
في المقابل تستبعد وجهة النظر الثانية حدوث حرب مع تركيا بل تعتبر ذلك واحدا من الخيارات الأصعب على نظام غير مؤهل عسكريا لمعركة واسعة وقواته تنتشر على مساحة البلاد وقد أنهكتها المواجهات اليومية الدامية، ويتساءل هؤلاء ألم يفقد أهل الحكم وبعد عام ونصف من عمر الثورة، فرصة المناورة بالحرب للالتفاف على الأزمة الداخلية وتشويه أسبابها؟!
وألا يؤدي افتعال صراع عسكري خارجي في الظرف الراهن إلى عكس الأهداف التي يبتغونها؟! وبالتالي من قال إن شحن الأحاسيس الوطنية ضد عدو خارجي كتركيا، يمكن اليوم أن يطعم المجتمع «خبزا» ويرده إلى السكينة والخضوع، أم ثمة من لا يزال يشكك بأن الناس لم تمل شعارات المواجهة والممانعة وتعافها نفوسهم وهم أكثر من خَبَرَ كيف وظفت هذه الشعارات لتعزيز أسباب التسلط والاستئثار والقمع والفساد؟!
وأيضا من قال إن مناخات الحرب سوف تفضي إلى توسيع جماهيرية الحكم وتشجع الالتفاف حوله، وأنها لن تؤدي، مع استمرار حال التأزم الاجتماعي والاقتصادي، إلى كشف عمق الهوة التي تفصل بين مصالح نظام اهتزت شرعيته وبين مصالح المجتمع، وتعجل تاليا من ردود أفعال الفئات المترددة أو السلبية وتشجعها على حسم خيارها في دعم الثورة والتغيير؟!
ثم أي رهان خاسر التعويل على أجواء الحرب مع بلد كتركيا في كسب تعاطف الشارع العربي وفي إزاحة مشاعر الغضب والألم التي رسخت في نفوس أبنائه من مشاهد القمع والتنكيل ضد السوريين العزل، أو في إعادة بناء موقف جديد للصف العربي، الذي خبر جيدا لعبة الحروب وتوظيفها في أزمات الأنظمة وصراع المحاور!
ويعزز أصحاب هذا الرأي موقفهم بوجود حسابات مصالح تلجم دخول تركيا في صراع عسكري مفتوح مع النظام السوري تبدأ بخشيتها من تطوره لاشتباك مع إيران وحلفائها في العراق ولبنان وما يستتبع ذلك من تداعيات قد تضع القطار التركي على سكة لا يريدها، وربما تستنزف قواه وتهدد طموحاته في حال طال أمد المعركة وتعددت قواها، مرورا بتخوف أنقرة من تأثيرات الحرب على الداخل وأن يستثمرها حزب العمال الكردستاني لتصعيد عملياته، انتهاء، بحرصها على عدم التورط منفردة في الحرب دون قرار أميركي يجعل جيوش الأطلسي أداتها الرئيسة، وهي العارفة بأسلحة تمتلكها سوريا قادرة على الوصول إلى العمق التركي.
سياسة أنقرة، سياسة براغماتية فاقعة لا تخفى على أحد، تحكمها حسابات الربح والتكلفة قبل المبادئ والقيم، وفي عرفها يجب أن لا يفضي حنينها إلى الماضي العثماني الإمبراطوري، ومحاولة الإفادة من الثورة السورية لتعزيز نفوذها الإقليمي، إلى أي خسارة، ما يفسر الفجوة الكبيرة بين تصريحاتها النارية وضعف الفعل الملموس!
والنتيجة، إذ يحاول النظام السوري توجيه الأنظار إلى الجبهة التركية لمحاصرة دعمها للثورة والتهرب من الاستحقاقات الداخلية، تتحسب أنقرة من دفع الأمور إلى نهايتها، قبل توفير أوسع غطاء عربي وعالمي، أو قرار أممي يضمن حياد روسيا ويحاصر التدخل الإيراني، لكن ليس ثمة وقت طويل للرقص على الحبال وامتصاص الاستفزازات، فهامش مناورة الطرفين محدود وقد لا يسمح بأن تبقى لعبة المناوشات العسكرية في حيز الآمان.

 

المصدر: الشرق الأوسط

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع