..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الاختلاف: قواعده وآدابه

مجاهد مأمون ديرانية

٢ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4854

الاختلاف: قواعده وآدابه
image001[3] الخلاف.jpg

شـــــارك المادة

لم يعش الناس معاً إلا واختلف بعضُهم مع بعض: الأخ مع أخيه، والزوج مع زوجته، والشريك مع شريكه، وزمرة الطلاب في المدرسة، وجماعة المصلّين في الجامع، وساكنو العمارة الواحدة وأهل الحي الواحد. لا يمكن أن يعيش الناس متفقين الوقتَ كله، بل لا بدّ أن يختلفوا، والاختلاف من سنن الله في خلقه: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين... ولذلك خلقهم}. صحيحٌ أن الآية تصف الاختلاف في الدين والاعتقاد، ولكن المعنى عام ويصلح لوصف كل اختلاف كما قال بعض العلماء.

 

 

إن العقلاء لا يحاولون منع الاختلاف وقطع الخلاف بين الناس بالكلّية لأن هذا مُحال، وإنما هم يسعَون إلى تهذيب الاختلاف وحل الخلاف، وصيانته عن التحول إلى نزاع يوغر الصدور ويهدم العلاقات فيُغضب الرحمن ويُرضي الشيطان، ويسعَون إلى تحكيم قواعد الاختلاف بين المختلفين.

قواعد الاختلاف

1- الاختلاف لا يُحَلّ إلا بالود والتفاهم والتراحم، ولا يُستعمَل فيه أي نوع من أنواع القوة: لا قوة العلاقات أو الجاه التي يعتمد عليها الناس في وقت السلم، ولا قوة السلاح التي يعتمدون عليها في وقت الحرب.

2- إذا كان الاختلاف في مسألة عامة وعجز طرفا الخلاف عن حلها فينبغي أن تُحال إلى لجنة تحكيم تضمّ بعض العقلاء والوجهاء من أهل الحي، ويختار أعضاءَها طرفا المشكلة (قياساً على التحكيم في الخلاف الزوجي)، وتتوصل اللجنة إلى الحكم بالأكثرية وهو مُلزِم للطرفين.

3- إذا وقع الاختلاف في قضايا اختصاصية فيجب الرجوع إلى أهل الاختصاص ليقطعوا فيها بالرأي، فلو اختلف جماعة في مسألة شرعية فالذي يحكم فيها هو العالم، ولو اختلفوا في مسألة طبية فإن الذي يحسمها هو الطبيب، ولو اختلفوا على أمر قانوني فليستشيروا محامياً أو واحداً من القضاة، وهكذا في كل اختصاص.

قاعدة إضافية تخص أهل السلاح دون سواهم

يا حامل السلاح: إذا اختلفت مع سواك فرُدّ الأمر إلى العقلاء من أهل الحي أو المنطقة، وضع مشكلتك بين أيديهم وارضَ بحكمهم كما يصنع كل واحد من عامة الناس. كل الناس في الحق سواء؛ لا فرق في الحق بين مسلّح وغير مسلح ولا بين غني وفقير ولا بين أمير وحقير، وإلا فإننا سوف نفقد الأمان وتتحول بلادنا إلى غابات يأكل فيها القوي الضعيفَ لا قدّر الله. وتذكر أنك إنما حملتَ السلاح لتُحِقّ الحق وتدفع الباطل لا لتنصر الباطل على الحق، وحملت السلاح لتُرضي الرحمن لا لتتبع نزغ الشيطان.

إياك يا حامل السلاح أن تفكر في حل مشكلتك مع إخوانك بالسلاح. إياك أن ترفع سلاحَك في وجه أخيك أو تهدده برفع السلاح! اسمع ما يقوله نبيّك عليه الصلاة والسلام: "من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه". واعلم أن المسلم نُهي عن أن يشهر سلاحه على المسلم مهما يكن السبب، حتى ولو كان مازحاً؛ قال صلى الله عليه وسلم: "لا يشيرُ أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري أحدُكم لعل الشيطان ينزِغ في يده فيقع في حفرة من النار".

وللاختلاف آداب منها

1- لا يفترض أي من الطرفين أنه على حق مطلق وأن خصمه على خطأ مطلق، فكلا الطرفين يحتملان الخطأ والصواب.

2- لا يفرض أحدُ الطرفين رأيَه على الآخر بالقوة ولا يستعين بغيره من الأقوياء ضد خصمه (أقوياء الجاه أو العلاقات أو السلاح).

3- لا يتجاوز أي من طرفَي الخلاف مع الطرف الآخر حدود الدين والأدب، فلا يسبّ ولا يحقّر ولا يتهم بغير بيّنة، ولا يغتاب خصمَه ولا يذيع عنه قالةَ السوء.

4- لا يسمح أي من الأطراف للاختلاف بأن يفسد القلب، فلا يكره ولا يحقد، وليضع رضا رب العالمين بين عينيه ويتذكر على الدوام ما أعدّه الله من جزاء عظيم للمتسامحين والمتجاوزين.

 

المصدر: الزلزال السوري

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع