مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 5877
شـــــارك المادة
في سوريا اليومَ ثوارٌ جاهدوا بأنفسهم، منهم من يثور سلماً ومنهم من يثور حرباً، وفي كلٍ خيرٌ وكلٌ يسعى إلى الغاية ذاتها، وفّقهم ونصرهم الله. وفيها ثوار جاهدوا بأموالهم، يقدمون السلاح للمقاتلين والعلاج للمصابين والمأوى للمشردين، بارك فيهم الله وجزاهم عن الثورة والأمة خير الجزاء. وفي سوريا مجرمون وعملاء للنظام، قتلهم الله وجزاهم بما أجرموا شر الجزاء. وفيها عبيد للنظام ومؤيديون، نسأل الله أن يجمعهم مع من يحبون في الآخرة كما اجتمعوا معاً في الدنيا، وكفى بهذا المصير من جزاء.
كل هؤلاء معروفون وليس فيهم من يثير العجب،
فالأولون رزقهم الله قلوباً تشعر وعقولاً تدرك فهُدوا إلى الصواب واختاروا الثورة وثبتوا عليها رغم الصعاب. والآخرون لم يجدوا لهم مكاناً في الصفوف الأولى ولم يرغبوا أن يتخلفوا عن ركب الثورة المباركة، فاختاروا الدعم بالخفاء أو العمل من وراء.
الفريق الثالث هم سَفَلة الناس الذين لا يخلو منهم مجتمع.
أما الفريق الأخير فإنهم الرَعاع الذين لا يعقلون، فهم أقرب إلى الأنعام منهم إلى البشر الذين كرّمهم بالعقل ربُّ العالمين. الأكثر إثارة للعجب هم الفريق الخامس. قوم منا يعيشون معنا، يدركون ما ندرك ويرون ما نرى، لكنهم مدّوا أيديهم طائعين لتُغَلّ بالأغلال وفضّلوا العبودية على الحرية مختارين! صنعوا ذلك راضين مستسلمين، لأنهم يرون أن الشبع والأمان مع الذل والعبودية خيرٌ من الجوع والخوف مع الكرامة والحرية. وليست المشكلة فقط في خنوعهم واستسلامهم وتفريطهم بالحقوق التي وهبها الله لهم كما وهبها لكل من خلق من الناس، بل إنها تتجاوز ذلك إلى مشكلة أدهى وأشنع بما لا يُقاس: إنهم يريدون من الأحرار أن يشاركوهم حياة العبيد لئلا ينغّصوا عليهم حياة العبيد ولا يحرموهم من مزايا ومكاسب حياة العبيد! إنهم يرون ما يصيب الناس من بلاء وما ينزل بالبلد من خراب فلا يلومون النظام الذي يقتّل ويدمّر، وإنما يلومون الضحايا؛ يقولون: لولا أنكم ضايقتم النظام بالحرية التي تطلبون لما فعل بالبلد ما فعل من أفاعيل، فإنكم أنتم المَلومون! إنهم يذكرونني بالموزة وقرود القفص. أظن أنكم سمعتم الحكاية مرات، فهل أعيد روايتها؟ ولكنها ليست حكاية خرافية من بنات الخيال، وإنما هي تجربة علمية مشهورة انتشرت وذاعت حتى صارت من الأدب الشعبي الذي يتداوله الناس، وقد قام بها قبل نحو خمسين عاماً عالمُ نفسٍ أميركي اسمه هاري هارلو. ما هي الحكاية؟ حبس هارلو خمسة قرود في قفص ودلّى من سقفه موزة مربوطة بحبل، وكانت الموزة بعيدة عن متناول أي من القرود فوضع في القفص سلّماً يوصل إليها. عندما حاول أول قرد ارتقاء السلم للوصول إلى الموزة رشّ هارلو بالماء البارد القرودَ الخمسة، القردَ الذي حاول الاقتراب من الموزة والقرودَ الأربعة الأخرى التي لم تفعل. ثم كرر تلك "العقوبة الجماعية" كلما حاول أي من القردة الوصول إلى الموزة، وما زال يكررها مرة بعد مرة أياماً متتاليات حتى عرفت القردة أن الحصول على الموزة دونَه دفعُ الثمن واحتمال الألم، فتركت المحاولة ونسيت الموزة، ولم يعد أيٌّ منها يفكر بالاقتراب من السلّم الذي يوصل إليها.
لقد تعلمت أن الخنوع والخضوع للحرمان خيرٌ من الألم والعذاب. بعد عدة أسابيع أخرج هارلو أحد القردة وأدخل مكانَه قرداً آخر، ولم يعرف ذلك القادمُ الجديد شيئاً عن معاناة من سبقوه، فلما رأى الموزة اتجه إليها راغباً فيها، فانقضّ عليه أصحابه وجرّوه وخرمشوه ومنعوه من الاقتراب من السلم، وكلما عاود المحاولة عاودوا العقوبة، فارعوى وترك الموزة وهو لا يعرف السبب الذي حمل أصحابه على صنع ما صنعوا، فلا هم أكلوا ولا هم تركوه يأكل! بعد مدة أخرج هارلو قرداً آخر وأدخل آخرَ جديداً مكانه، فتكررت الحكاية كما في المرة الأولى، وانتهت بأن عزف القرد الجديد عن محاولة الوصول إلى الموزة. وما زال يُخرج كل حين قرداً ويُدخل آخرَ مكانه حتى خرج الخمسة الأوّلون جميعاً وحلّ في القفص محلهم خمسةٌ لم يشهدوا التجربة الأولى قط. وعندها بلغت التجربة ذروتها: أدخل هارلو إلى القفص قرداً جديداً. القرد الجديد حاول الحصول على الموزة. القرود الخمسة التي لم تُرَشّ بالماء قط حالت بين القرد الجديد وبين ما يريد. لقد تعلمت القرود أن تتخلى عن حقها في الحصول على الموز، وتعلمت ما هو أسوأ: أن تمنع غيرها من الحصول عليه، بل حتى من محاولة الوصول إليه! كم ذا يوجد بيننا من أولئك القرود! إنّا لنراهم حولنا حيثما تلفتنا؛ لم يفرطوا بحقهم خوفاً من دفع الضريبة فحسب، بل إنهم يمنعون غيرَهم من المطالبة بحقهم ويريدون منهم أن يكونوا شركاءهم في الخنوع والخضوع. ماذا نصنع معهم؟ بعض المتفائلين يحاورونهم على أمل أن يقنعوهم، فترى أحدَنا يقول لأحدهم: لكن الثوار لا يملكون مدافع ولا طيارات؛ ليسوا هم من يقتلون أولادكم ويهدمون بيوتكم فوق رؤوسكم، إنما يفعل ذلك نظام الاحتلال الأسدي المجرم الجبان. لا تتعب نفسك أيها الحر الكريم. مهما حاولت فلن تقنع من يدع المجرم ويلوم الضحية، فإن مشكلة من يردد تلك المَقابح والترّهات ليست في المنطق والتفكير، إنها مشكلة في موت الضمير. يقول فيلسوف الثورة الفرنسية، جان جاك روسو: "في المواقف الأخلاقية يمكن للمنطق أن يضللنا، الضمير وحده هو الذي يعصمنا من الخطأ". ماذا نفعل مع من ضاع ضميره منذ زمن فهو يعيش بلا ضمير؟
المصدر : مدونة الزلزال السوري
أبو طلحة الحولي
نجوى بركات
أحمد أبازيد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة