..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الحكومة الانتقالية: لحظة الحقيقة في الثورة السورية

وائل مرزا

٥ أغسطس ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3502

الحكومة الانتقالية: لحظة الحقيقة في الثورة السورية
123الحكومة الانتقالية لحظة الحقيقة في الثورة السورية.jpg

شـــــارك المادة

قد يتسامح الشعب السوري مع أي ممارسةٍ قامت بها المعارضة السياسية السورية حتى الآن، لكنه لن يجد مجالاً للتسامح إذا دخلت أطراف هذه المعارضة في مسلسلٍ هزليٍ يتعلق بتأليف الحكومة الانتقالية.
أخطأت المعارضة في كثيرٍ من مراحل الثورة. وبغضّ النظر عن الدخول في ملابسات الأخطاء وأسبابها ومقترفيها، إلا أن الثوار في الداخل استطاعوا بتضحيتهم وإصرارهم إيصال الثورة إلى هذه اللحظة المفصلية في مسيرتها.

 

وهي لحظةٌ بات البحثُ فيها عن الحكومة الانتقالية مشروعاً ومطلوباً مع تصاعد ملامح سقوط النظام، وإقرار العالم بذلك، تجنباً لحصول أي فراغٍ سياسي في سوريا. من هنا، يُصبح الخطأ في التعامل مع مشروع هذه الحكومة خطيئةً هو في حقيقته أقرب للخيانة العظمى للثورة السورية.
لم يعد مهماً في هذا الوقت الحديثُ عن اسمٍ هنا أو جهةٍ هناك، ومن المرفوض توجيه إصبع الاتهام إلى طرفٍ دون غيره. فالكلُّ مسؤولون الآن. وأي جهةٍ تتحرّك دون خطةٍ مُحكمةٍ سياسياً ستكون مُتلاعبةً بمصير الثورة، بغضّ النظر عن النيّات.
يُخطئ من يعتبر البحث في مشروع الحكومة الانتقالية مجرد استجابةٍ لمطالب خارجية. فبقراءةٍ سياسية للواقع الراهن محلياً وإقليمياً وعالمياً، يظهر أن تكوين الحكومة بات حاجةً ملحةً للاستعداد لمرحلةٍ حساسةٍ قادمة، قد لا يستطيع أحدٌ التكهّن بتاريخ بدايتها على وجه الدقة، لكنّ كثيراً من المعطيات توحي بأنها باتت قريبة. فالجيش الحر يخلق على الأرض واقعاً جديداً في مختلف أنحاء البلاد، بدءاً بالنقط الحدودية وصولاً إلى المدن، مروراً بمساحاتٍ كبيرة من المناطق المحررة خارجها. واستقالةُ كوفي عنان تبدو مؤشراً على طيّ صفحة مبادرته التي تحولّت إلى طوقٍ لإنقاذ النظام السوري، وعلى إدراك مؤيدي النظام لطبيعة الواقع الجديد الذي يحمل دلالات انهياره بشكلٍ متسارع.
من هنا، أصبح ضرورياً إظهار جدّية المعارضة السورية في العمل على تشكيل حكومة انتقالية، وإلا فإن هذه المعارضة بأسرها ستفقد صدقيّتها أمام الشعب السوري أولاً، وأمام النظام العالمي الذي يمكن أن يستعمل فشل المعارضة في الاستجابة لهذا الطلب ذريعةً لتأخير أي قرار يمكن أن يساهم في حسم موضوع إسقاط النظام.
إن رفض تشكيل حكومة انتقالية لا يُشكّل خياراً سياسياً منطقياً الآن. فإضافةً إلى استخدام هذا الرفض من قبل الآخرين كذريعةٍ لاتهام المعارضة بالفشل الكامل، قد يكون ممكناً لجوء بعض القوى إلى وضع توليفة تشمل رموزاً منتقاةً من النظام مع شخصيات هامشية من المعارضة لتشكيل حكومة انتقالية، ثم محاولة فرضها كأمرٍ واقع ربما يُصبح مقبولاً من خلال مناورات سياسية ومالية على مستوى دولي. وسيكون هذا طعنةً في ظهر الثورة وسبباً لفوضى سياسية ومعنوية في هذه المرحلة الحساسة خاصةً لدى الشعب والثوار في الداخل.
لا مفرّ من الشفافية والوضوح في هذا المقام، فنحن نتعامل مع عالمٍ متوحّش تحكمه المصالح من كل جانب، ووحدة السوريين هي العنصر الوحيد الذي يمكن الركون إليه الآن ولاحقاً لتحقيق مصالح سوريا وأهلها.
لهذا، سيكون نجاحُ المعارضة في تشكيل حكومة انتقالية بالشروط التي تحقق أهداف الثورة الحقيقية، وتقديمُ هذا العرض إلى المجتمع الدولي، مدخلاً للضغط عليه وإحراجه سياسياً وإعلامياً. ويُصبح المجال أمامه ضيقاً للتلاعب بمصير الثورة من هذا المدخل في لحظة سقوط النظام. ويمكن من خلال مساعدة الأصدقاء الحقيقيين للشعب السوري وبالتنسيق معهم فرض التصور الذي تطرحه المعارضة كخيارٍ سوريٍ عليه درجةٌ كبيرةٌ من إجماع الداخل والخارج، ويجب على الآخرين قبوله والتعامل معه، أيضاً كأمرٍ واقع.
لكن التحدي الحقيقي أمام المعارضة يكمن في تأمين شروط نجاح تشكيل الحكومة واستمرارها وقدرتها على أداء مهماتها. وتجنباً للتكرار، يمكن الإشارة في هذا المجال إلى البيان الذي صدر عن (لجان التنسيق المحلية) والذي يتضمن إشاراتٍ هامة ينبغي أخذها بعين الاعتبار: «يجب أن تأتي [الحكومة] نتيجة مشاورات متأنية ين القوى السياسية والتنسيقيات والجيش الحر، وأن لا تثير لدى أي قطاع من السوريين شعورا بالاستبعاد أو التهميش، وأن تنال أوسع إجماع وطني ممكن. وهو ما يقتضي أن تتشكل من شخصيات ذات مصداقية تتحلى بأخلاقيات الخدمة العامة. وفي ظروف الثورة السورية الراهنة، تقضي الحكمة بأن تكون حكومة صغيرة، قليلة الكلفة، وقادرة على التحرك الفعال داخليا وخارجيا. وللأسف فإننا بين ملايين السوريين، نلحظ تهافتا متسرعا من قبل هيئات وشخصيات، على تشكيل الحكومة المأمولة. وهو ما يضرب بعرض الحائط قيم الثورة، ويهين شهداء الشعب السوري وتضحياته الكبرى، خلال نحو عام ونصف من الثورة المجيدة، وقبلها خلال عقود من حكم الطغيان.
ثورة الكرامة تتوقع الكرامة والنبل من ممثلي الشعب السوري. ومن أول قيم الثورة أن السوريين متساوون كرماء، وأن العمل العام تكليف وليس تشريفا، وأن طالب الولاية لا يولى، على ما تقول القاعدة الحكيمة من تراثنا. والمعيار العملي الذي نرى أن تكون له المكانة الأولى في تسمية أعضاء الحكومة الانتقالية هو استعداد أعضائها للإقامة الفورية داخل البلد، وأن يضعوا أنفسهم في مصاف جميع السوريين المعرضين للمخاطر في كل حين. وأن تتجسد مبادئ المواطنة والكرامة والمساواة في سلوك السياسيين الذين تقدموا لأداء هذه المهمة.
ومؤكدين من جديد على أن الأولوية التي يتعين على الحكومة تحقيقها، هي الإجماع الوطني، بعيدا عن روح التنافس السلبي والتناحر، ومواجهة هذا الاستحقاق السياسي بمسؤولية بعيدا عن الأنانيات الخاصة والضيقة».
هذه مبادئ عامة لن يختلف معها أحدٌ تهمه مصلحة الثورة، وإذا لم تستطع المعارضة العمل وفق ملامحها فسيكون هذا الفشل مسماراً في نعشها قبل أي شيءٍ آخر. قد يؤثر الأمر سلبياً على الثورة كما ذكرنا، لكن كل ماعرفناه عنها على مدى عامٍ ونصف يؤكد بأنها ستكون قادرةً على أن تتجاوز هذا الظرف، وتُفرز قيادةً تليق بها لتؤدي هذه المهمة في نهاية المطاف.

 

المصدر: أخبار الثورة السورية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع