..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

سيناريو حمص بين الإعجاب والاستنكار

أبو عبد الله عثمان

١٨ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4871

سيناريو حمص بين الإعجاب والاستنكار
-الجريحة-600x346.jpg

شـــــارك المادة

يظنه البعض سيناريو خاصاً بحمص..!! وخاصة أولئك الذين ينظرون إلى الحدث في آنهِ منقطعاً عن ظروفه التي دعت إليه، بل ويسارع البعض ليعتبره مجرد خطأ ثوري علينا أن نتعلم منه لكي لا يتكرر . ولقد تلقى سابقاً أهل حمص وأمثالهم _ فوق ما هم فيه _ كثيراً من الهمزات واللمزات حول أسباب حملهم السلاح إلى أن وجدت أغلب المحافظات الأخرى الحاجة الملحة التي دعت إلى حمله!!

 

 

وهذا السيناريو الذي يخشون من مثله اليوم هو ما يتردد على صفحات البعض من مخاطر التمترس في المدن والذي من شأنه أن يلحق الدمار بها ويدعو أهلها إلى التشرد والنزوح كما حدث لكثير من المحافظات وأكثرها حمص ..

والغريب أن مثل هؤلاء يغفلون بينما هم ينشرون تخوفاتهم عما يعرفه كل العالم من أن أسلوب التدمير الوحشي والنزوح لم يقتصر اليوم على حمص فحسب بل توسع ليشمل عشرات من البلدات مما يدعو هؤلاء لمزيد من الدراسة والنظر في أسباب ذلك وخصوصاً إن كانوا من رموز الثورة أو في مواقع قيادية في صفحات الثورة أو صفوف المعارضة..

لا أريد التحدث اليوم عن سبب حمل السلاح فلقد توسعتُ في توضيحه في مقالة سابقة بعنوان ( لماذا تسلحتم ) ، لكني أحاول أن أوضح بعض الأسباب التي أرغمت أهل حمص على التمركز فيها وعدم الخروج منها وتسليمها رغم الدمار والدماء والنزوح والتشريد . لكني قبل كل ذلك أريد أن أذكّر الجميع أن الحرب التي تخوضها البلاد ليست مع عقلاء يمكن لأحد التكهن بما يمكن أن يقوموا به بل إننا في حرب مع وحوش بكل ما للكلمة من معنى ..وحوش لا يقيمون وزناً لأي قيم أو آلام أو مشاعر أو دماء أو دمار .. وحين كان الرصاص يخترق رؤوس شبابنا لم يكن أحد يظن أن هذا النظام سيبلغ به الجرم ليرسل صواريخه وبكل حنق وحقد إلى أملاك وبيوت الناس ويحولها إلى كومات من الحجارة ويرسل شبيحته إلى الحارات التي نزح أهلها ليسرقوا ما فيها حتى إذا لم يبق فيها إلا الذكريات ، أخرجوا ما معهم من أدوات الإحراق وجعلوا البيت كتلة من النيران مطبقين بذلك مقولتهم التي يقدسونها عن الأسد أو إحراق البلد..

وحينما ارتجت حمص أول مرة وكان الصاروخ الأول الذي تتلقاه باباعمرو بصدرها ...وقفت حمص كلها وهي تنصت إلى قوة الانفجار ذاهلة غاضبة.. لم تكن تظن بذلك الوحش الأرعن أن يصل التجبر به وبداعميه إلى هذا المستوى..ولكن لم يكن من خيار فلقد كانت الثورة بأمس الحاجة إلى الصمود والتضحية فآثر أهل باباعمرو الكرام دمار بيوتهم وتشريد أهاليهم ونزف دمائهم على أن تخمد تحت ذلك القصف جذوة الثورة ويظلم الأمل في قلوب الأجيال .. ارتجت أرض حمص أياماً وأياماً وأبناؤها في باباعمرو صامدون وطال الأمد واشتدت الظروف وقست ... وناشدت باباعمرو أهل سورية أني أُقصف ونادت العالم أني أُدمر ...وأَرسلت الصور والتقارير أني أُمسح من على وجه الأرض.. ولكن ذلك الصوت لامس الأسماع ولم ترتج له القلوب كما كانت الأرض ترتج بانفجارات الصواريخ التي تخترق سقف البيوت وتحولها إلى ركام .. انتهت تلك المعركة بانسحاب جميع البشر من باباعمرو وهدأت حمص لأيام وكان النظام يظن أن معركته مع الثورة السورية انتهت بانتهاء معركة باباعمرو ولذلك أراد ذلك المختل الأرعن بشار أن يكون ميدانياً في أرض خراب خاوية وهو يحاول أن يثبت لمن حوله أنه قد انتصر وأنهى الثورة حين صور نفسه يهبط بطائرته ويدنس تراب باباعمرو الطاهر .. وهنا أريد أن أذكّر الإخوة الذين يتساءلون عن بقاء الثوار في حارات حمص أن النظام بعد باباعمرو مباشرة بيومين أو أيام قليلة كان عليه أن يكمل السيطرة على حمص كلها وأريد أن أوضح لهؤلاء طبيعة حمص وأن حوالي ثلثها هم من المؤيدين للنظام... وأن أعداداً كبيرة منهم هم شبيحة له.. وأن هؤلاء الشبيحة لن يترددوا في الانتقام من أهل مدينة حمص التي صمدت بالثورة وحافظت على شعلتها حتى كانت بحق هي عاصمة لها ... ولذلك كانت الخطة التي نهجها النظام بعد باباعمرو وخاصة بعد أن استنفذ وقتها الغطاء الدولى للقصف والتدمير وحرب الصواريخ هي أنه اعتمد على القوة الإجرامية لشبيحته فتوالت المجازر والمذابح.. وكانت أولها مجازر العدوية وكرم الزيتون وكان هدفه منها واضحاً لأهل حمص أنه يريد أن يبث الرعب في أهالي تلك الحارات التي كانت ملاصقة لحارات الشبيحة والتي لم تكن تملك من القوة الكافية للصمود بسبب محاصرة الشبيحة لها وقربهم منها .. ولقد كان هدفه من بث ذلك الرعب هو هروب الحاضنة الشعبية للمسلحين ونزوحهم خوفاً من تكرار المجازر.. وهو فعلاً ما حدث بعد أن انتشرت صور ذبح الأطفال في كرم الزيتون والعدوية فنزح الأهالي إلى الحارات الأخرى خوفاً من الشبيحة وبقي مسلحون وبعض الجيش الحر يدافعون عن تلك الحارات إلا أنه لم يكن الصمود طويلاً بسبب قوة تداخل تلك الحارات مع حارات الشبيحة على خط طويل لا يسهل السيطرة عليه فسقطت تلك الحارات واقترب الجيش بدون أي ضجيج من قلب المدينة .. وكان مثل ذلك في كل الحارات الملاصقة لحارات الشبيحة كالخضر وجب الجندلي وأمثالها... حتى إذا اقترب وبدأ يحيط بقلب المدينة حيث يصعب على الشبيحة الاقتراب بدأ بأسلوب الخداع مع تلك الحارات ..وكان أولها باب السباع حيث أرسل للوجهاء أنه يريد الدخول إلى باب السباع لمجرد التفتيش فقط وصرح لهم طلبه من المسلحين الانسحاب ليدخل إلى باب السباع فيفتش تفتيشاً شكلياً كما قال ثم يعود أدراجه.. ولم تكن تلك الأساليب الماكرة تنطوي على الثوار.. وكانت باب السباع حينها تعج بالنازحين..فتشاوروا بينهم وتبين لهم أن النظام يريد أن يقتحم باب السباع ليصل مباشرة إلى حدود حمص القديمة ويطبق الحصار عليها فتجاهلوا طلب النظام منهم بالسماح له بالدخول... وبدأت قذائف الهاون تتساقط وسارع الناس إلى النزوح وبدأت معركة باب السباع التي لم تطل إلا أياماً وذلك لصغر الحارة واستخدام الـ تي 72 في القصف والتدمير والاقتحام ولم يكن وقتها بين أيدي الثوار مضادات لمثلِ تلك الدروع مما اضطر الثوار للانسحاب إلى داخل حمص القديمة .. وما حدث في باب السباع حدث في القرابيص وجورة الشياح والقصور إلا أن تلك المناطق كانت واسعة وبعيدة عن الشبيحة فأصر ثوارها على الصمود حماية وظهراً لقلب حمص ودفعوا ثمن ذلك نزوحاً ودماراً كبيراً ..وبقيت حمص حتى اليوم على عهدها ترسم حروف الصمود وتحافظ على القلب النابض للثورة رغم توقف قلوب مئات من أبنائها عن النبض وارتحالهم إلى دار البقاء. لقد ركز النظام معظم وحشيته على حمص وتحدى أبناءها بما لديه من مختلف أنواع الإجرام والعنف لأنه يعلم أنه لو قضى على حمص وأسقطها فسيكون لذلك وزن كبير عنده وعند شبيحته في الداخل والخارج، ولذلك كانت حمص إحدى أهم محاور حديثه مع لافروف عندما استقبله في دمشق. لكن ثوار حمص وثوار المحافظات الأخرى كانوا ينظرون بعتب إلى دمشق وهم أسفون حزانى على أن كل ما يبذلونه سيذهب هدراً إن لم تقم دمشق معقل النظام ورموزه .. كانوا يعلمون أن معركتهم لا تنهيها المظاهرات ولا المليونيات لأنها ليست معركة مع عقلاء إنما هي مع مجانين وشبيحة ورأس سفيه أحمق لهم لا تزيحه إلا القوة ولو توقفت سورية كلها عن الحياة .. إن ثوار حمص الذين قاموا بصنع ذلك السيناريو هم متأكدون وعن تجربة أنهم لو انسحبوا لكانت خسائرهم أكبر بكثير مما حصل من الدمار الذي يرونه اليوم... وما تلك الحارات التي نزح أهلها عنها من شهور وهي خاوية عنهم ببعيد، حيث لم يسمح النظام لأحد من أصحابها أن يعود إليها بل اعتقل وقتل وذبح من يعودون ويجلسون في بيوتهم يظنون الأمان.. إنهم على يقين أن النظام يريد أن يعيدهم إلى بيوتهم بيديه وعلى طريقته بعد أن يدمر ما في قلوبهم ويغسلها من كل معاني الثورة ويعيد إليها ما كان قد صبه فيها من خوف وجبن وإذلال .. إن هذا السيناريو أيها السادة كما نرى قد اضطرت إليه أكثر المحافظات والبلدات في سورية ولقد بلغ الدمار ما بلغ ليس بسبب الثورة .. فالثورة حافظت على سلميتها شهوراً طويلة وقدمت آلافاً سلميين من الشهداء بل لأن ذلك النظام المحتل هو نظام أفاك حاقد أثيم لا تحرجه الضغوط ولا جميع موازين السياسات فهو أحمق يخوض معركة مصيره ولن يتنازل عنها إلا حينما تتنازل روحه النتنة عن جسده الخبيث . إن كل ذلك الدمار الذي ارتسم على أرض سورية ستحدد دمشقُ قيمته حينما تقبل به ثمناً لتضحي بهدوئها وتجارتها وبعض زخرفتها وتنال شرف إزالة أشد الطغاة إجراماً .. فلقد وصلت اليوم الكرةُ إلى دمشق واقتربت من الهدف ..فإلى مزيد من البذل والتضحية فلقد قارب المركب على الغرق.. على أهل دمشق اليوم أن يصبروا على أصوات القذائف فلطالما حكى التاريخ عن بطولاتهم ضد الطغاة وعن صبرهم عند الملمات والحروب وعن شهامتهم .. على أن أموراً ستة , أمورلابد أن يفطنوا لها وهي:
تأمين المدنيين وحمايتهم عند كل تصعيد في أي حارة وتأمين الملاجئ والزاد
والأمر الثاني هو توحيد العمل العسكري في كل العاصمة فإن معركة العاصمة لا يصلح معها أي ارتجال.. ولا بد من حسن التنسيق بين كل الكتائب وسد كل الثغور وتأمين طرق الإمداد.
والأمر الثالث هو قطع أوردة الحياة التجارية والأسواق العامة والعصيان المدني مهما كلف الثمن ولتقتصر كل حارة على محلاتها وبعض أسواقها الهامة.
والأمر الرابع عدم التركيز على حارة واحدة في دمشق بل محاولة إشعال كل حاراتها وذلك بهدف إنهاك النظام واقتسام الضغوط بين عدد من الحارات.
والأمر الخامس وهو الصمود وعدم التوقف فهي معركة نهاية الأسد ويجب أن لا تقف أو تخمد حتى تحقق غايتها بعون الله تعالى وإن طالت.
والأمر السادس هو أن عليهم الانتباه إلى كثير من مؤسساتنا في دمشق وما فيها من كثير مما يجب علينا حمايته من أولئك السارقين القتلة الذين يعملون على الانتقام والتخريب والإحراق ...
إن على دمشق اليوم أن لا تجزع من حمص وسيناريوهات حمص فإن لكل محافظة وضع وظرف وضرورات لكن عليها أيضاً أن تعلم أن المعركة في دمشق لا يمكن أن تتحقق بدون بعض الدمار والتضحيات والقذائف وإن حمص وأخواتها قد حملت على كاهلها الحجم الأكبر من الدمار فلم يبق لدمشق بإذن الله إلا القليل فعليها أن لا تتردد في بذل ما لابد منه.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع