نبيل شبيب
تصدير المادة
المشاهدات : 3945
شـــــارك المادة
حمل السلاح المشروع ضدّ استخدام السلاح في القمع غير المشروع يدور الحديث عن «عسكرة الثورة» في سورية.. وعن «وقف إطلاق النار».. و«هدنة يومية مؤقتة» .. وما شابه ذلك من كلمات تبدو وكأنها مصطلحات ثابتة التعريف، دخلت في نصوص بيانات رسمية لمجلس الأمن الدولي وسواه، أو في كثير من التصريحات السياسية، حتى تلك الصادرة عمّن يعدُّون أنفسهم «الساسة المعارضين» باسم شعب سورية.. وفي جميع هذه التعابير قدر كبير من التضليل عن حقيقة بسيطة فاجعة: إنّ ما توحي به هذه الكلمات مضلّل، إذ لا توجد حرب بين طرفين، بل حرب نظام استبدادي قمعي مدعوم خارجياً ضد شعب أعزل لا يجد حتى الآن دعماً فعالاً من خارج الوطن.. وإن وجد «تأييداً» كلامياً كثيراً.
من الذي سعى وما يزال يسعى من أجل تحويل «الصورة» المتداولة عن ثورة، من ثورة شعبية سلمية تاريخية بطولية، إلى «انتفاضة مسلّحة»؟..هذا مع التأكيد أنّ مشروعية حمل السلاح في مواجهة نظام استبدادي قمعي همجي فاجر - كما هو في حالة سورية - ثابتة من مختلف زوايا النظر الحقوقية دون استثناء. مسؤولية الاستبداد القمعي: انطلقت الثورة الشعبية في سورية في آذار/ مارس 2011م، واعتمدت على المظاهرات الشعبية السلمية بكل معنى الكلمة، وبدأت مواجهتها من اللحظة الأولى بالاعتقال والتعذيب والقتل، كما تشهد الحالات المبكرة لقتل الأطفال، مثل اغتيال حمزة الخطيب تعذيباً، وتسليم جثمانه الطاهر وعليه آثار التعذيب لأهله إرهاباً للآباء والأمهات والأطفال أن يمضوا قدماً في طلب الحرية والكرامة والعدالة.. ومضوا على الرغم من ذلك. لم تشهد الشهور الستة الأولى على الأقلّ سوى المظاهرات الشعبية دون سلاح ولا «من أحجار الأرض أو حتّى البيض»، مقابل الاعتقال العشوائي بالألوف والقتل الهادف بالعشرات.. يومياً، على الرغم من ذلك أدّى عجز ما يوصف بنظام الحكم عن كسر الإرادة الشعبية السلمية، فأصدر رئيسه بشار في نهاية إيلول/ سبتمبر 2011م مرسوماً آخر من مراسيمه، حمل رقم 114، وتناول المرسوم الجديد ما سمّاه «التعبئة». هنا نقف -لبيان ما تعنيه كلمة عسكرة الثورة من تضليل- وقفة قصيرة مع عملية تشويه المصطلحات التي تلعب دوراً كبيراً في «التضليل» بصدد حقيقة ما يجري في سورية، فالحديث عن سلام.. وحوار.. وأمن.. وعصابات.. وانتخابات.. وحقوق.. وشعب.. ومجلس الشعب.. وإصلاح.. إلى آخره، حديث يغيّب حقيقة معاني هذه الكلمات جميعاً وأمثالها، مهما تكرّر ذكرها. وبين أيدينا مثال كلمة (المرسوم) فهو في الجمهورية الأسدية عبارة عن أمر فردي لا مثيل لمشروعيته المزيفة من مشروعية ما قد يشابهه لفظاً في الدساتير المعتبرة، وقد أعطي منزلة قانون دون أي قيد، حتى القيود الدستورية المرتبطة بقوانين تصدر عادة عن مجلس نيابي منتخب، فالمرسوم الأسدي ليس إلاّ صورة من صور التعبير عن اغتصاب سلطة التشريع منذ اللحظة الأولى لنشأة «الجمهورية» الأسدية. ويسري شبيه ذلك على كلمة تعبئة، فلا علاقة لها بالمعنى الاصطلاحي للكلمة، عندما يكون استخدامها دستورياً، ومحدداً بصيغة حقوقية سليمة في الدول المعتبرة. التعبئة مرتبطة عادة بحالة حرب، ولا توجد في سورية حالة حرب، ولا يوجد أي شيء يشير إلى العزم على «تحرير الجولان» مثلاً، أمّا حالة الثورة الشعبية، فبغض النظر عن استحالة تشبيهها بحالة حرب تهدد الشعب (فهو الثائر) والوطن (فهو المغتصب أسدياً) لم يلجأ أطفال الثورة ونساؤها وشبابها وشيوخها حتى تلك الفترة من الشهر السادس للثورة، التاسع من عام 2011م، إلى حمل السلاح، أو التهديد بحمله، أو الدعوة إلى ذلك.. فبقي السلاح عبارة عن «صدور عارية.. وحناجر هاتفة»، وحتى الشرفاء من الضباط والجنود الذين بدؤوا يرفضون إطلاق النار على المتظاهرين السلميين من أبناء شعبهم، وينفصلون عن الأجهزة القمعية المسلّحة، كانوا هم أنفسهم لا يكادون ينجون من القتل، فلم يكونوا يقومون بعمليات دفاعية ولا نوعية، حتى تلك اللحظة التي شهدت إصدار «المرسوم الأسدي بالتعبئة»، ولهذا يمكن التأكيد بصورة قاطعة، أن توقيته مع التفاصيل الواردة فيه، يكشف مباشرة عن نيات الاستبداد القمعي منذ ذلك الحين، فالمرسوم يعني أمراً واحداً هو توسيع نطاق الحرب التي يمارسها الاستبداد القمعي ضد الشعب الثائر، وتؤكّد ذلك عبارة وردت في نص المرسوم: (حدوث اضطرابات داخلية تهدد أمن الوطن) لتسويغ إعلان (حالة التعبئة) -المادة الثالثة- وهو ما يعني العزم على توسيع القمع إضافة إلى ما سبق من استخدام ميلشيات مسلّحة إجرامية ملحقة بالجيش، ولا تتردّد عن قصف المدنيين وقتل الشرفاء من العسكريين الرافضين القبول بالمشاركة في تلطيخ وجه الجيش نفسه بدماء شعبه. والمرسوم مثال واحد من أمثلة عديدة لا ينفسح المجال لذكرها، للدفع باتجاه «إكراه الشعب على حمل السلاح» وقد جرى تنفيذ المرسوم على أوسع نطاق، فوصل إلى ما نشهده هذه الأيام من قصف متواصل في مختلف المدن السورية، ومن إبادة عوائل بكاملها ومن ذبح علني في الشوارع ومن تسوية أحياء سكنية كبرى بالأرض، على الرغم من ذلك «لم يحمل الشعب المدني المتظاهر السلاح» وما تزال الجماهير الغاضبة من المواطنين العزل تنزل إلى الشوارع تحت القصف دون سلاح، كما يشهد يوم الجمعة 6/4/2012م في أثناء كتابة هذه السطور، بينما تحاول حمايتها «كتائب» شكّلها الجنود والضباط الشرفاء الذين حرّروا أنفسهم من قبضة القمع الأسدي المفروض على الجيش والشعب معاً، وهي «كتائب» لا تملك ما يكفي من السلاح أصلاً، وما تزال في حاجة إلى كثير من التوجيه، لتكون بالفعل قوّة حامية لشعب ثائر.
المخاوف من ظاهرة استخدام السلاح: إن الذي نشر حالة مِن القلق في فترة دخول الثورة عامها الثاني هو المقارنة غير المتوازنة بين هتافات «سلمية سلمية» في شهرها الأول، وانتشار الدعوة إلى حمل السلاح في أوّل شهور عامها الثاني. ولم تستقرّ بعد النظرة العامة إلى مجرى الأحداث ومتغيراتها، هل هو انتكاسة وفق ما أراده نظام العصابات المسلّحة؛ ليحّول الثورة إلى معركة بين طرفين مسلّحين غير متكافئين، أم أنّه تطوّر يعطي الثورة قوّة إضافية لتحقيق هدفها بوسائل إضافية مشروعة. وهنا يجب عدم الاستغراق في محاولة الإجابة عن هذه التساؤلات، ولا في محاولات «تبرير وتسويغ» في إطار جدل لا قيمة له ولا طائل من ورائه، إنّما يجب تحديد رؤية الوضع الآني كما هو، للتعامل معه في الاتجاه الصحيح، وهذا الاتجاه الصحيح لم يتبدّل: إسقاط الاستبداد بجذوره وفروعه، وتحرير إرادة الشعب تحريراً ناجزاً لإعادة بناء المجتمع والدولة. إنّ دخول عنصر العمل المسلّح عبر الجيش الحر (الذي أصبح هو المسمّى المفضل بغض النظر عن الارتباطات التنظيمية المباشرة) ومختلف المسميات الأخرى، مع ازدياد التنسيق والتنظيم بشكل أفضل مما كان خلال لحظة نشأتها الأولى، يعطي مسار الثورة شكلاً جديداً، ومحاور جديدة للعمل الثوري، مما يطرح عدداً من الأسئلة البالغة الأهمية، ومنها: 1- هل تتحوّل قيادة الثورة من أيدي القائمين على فعاليات شعبية سلمية في أحياء المدن والأرياف، إلى أيدي القائمين على الجناح المسلّح وتوجيه عملياته العسكرية، أم يجب إيجاد صيغة جديدة تجمع بين ميزات هذا وذاك معاً؟.. والجواب: توجد جهود تبذل على نطاق واسع بين القادة الميدانيين للثورة الشعبية السلمية والقادة العسكريين للكتائب المسلّحة لتحقيق تنسيق يمنع من الازدواجية المحتملة في مثل هذه الحالات. 2- هل يبقى مسار العمل المسلّح مقتصراً على الدفاع عن الفعاليات المدنية السلمية أم ينبغي أن يتحوّل في اتجاه ضربات وقائية تشلّ قدر الإمكان عصابات النظام المسلّحة قبل تعرّضها للفعاليات المدنية السلمية، وما الذي يحتاج إليه هذا الجناح المسلّح للثورة لأداء مهمته؟.. الجواب: لا يمكن تقدير ذلك إلا من جانب المسؤولين عن الكتائب المسلّحة، فهم أعلم بحقيقة العصابات المسلّحة التابعة للنظام الأسدي القمعي، وبالطرق المجدية لشلّ قدرتها على مواصلة توجيه الأسلحة الثقيلة إلى المواطنين العزل، كما أنّهم هم الأعلم بقدراتهم الذاتية لتحقيق هذا الهدف. 3- ما الذي يجب صنعه «الآن» كيلا يخرج الجناح المسلّح «مستقبلاً» من مسار الثورة إلى موقع محاولة السيطرة على الثورة وحصيلتها، ومن مرحلة السعي للتنسيق والتنظيم والتوحّد تحت ضغط الحاجة، إلى مرحلة قد يصنعها «النصر» فتصبح مرحلة التشرذم والخلاف والنزاع؟.. الجواب: لا يمكن حالياً الوصول إلى أكثر من تعهدات، هي قائمة على أرض الواقع، علاوة على أنّ الثورة الشعبية السلمية نفسها عبّرت عن درجة من الوعي السياسي والبطولة المنقطعة النظير، لمنع أي انحراف من هذا القبيل، فمن خرج في سورية بالذات ثائراً بجسده وصوته، لإسقاط طاغوت عاتٍ كالطاغوت القائم منذ نصف قرن، المدجج بالسلاح من كلّ صنف، والمدعوم خارجياً من عدة جهات دولية.. هذا الصنف من الثوار لن يترك أحداً يتجرّأ على محاولة بذر بذرة طاغوت استبدادي بديل في قادم الأيام. 4- بعد ما شهده العام الأوّل من الثورة من تجاذبات ونزاعات على مستوى العمل السياسي المعارض، بين داخل وخارج، ومنظم وغير منظم، وإسلامي وعلماني، ما السبيل الآن إلى عمل سياسي يواكب الوضع الجديد لمسار الثورة، بالارتفاع إلى مستواها المتألٌق العالي، وليس عبر «جرّها» إلى مستوى ما كانت عليه قبل الثورة أو حتى مستوى «محاولة اللحاق بها» بعد انطلاقها؟.. الجواب: لئن لم يكن لذلك علاقة مباشرة بالعمل المسلّح رديفاً للعمل السلمي في الثورة الشعبية في سورية، فهو يكشف عن مسؤولية «الجناح الثالث» لها، أي ما يوصف بالمعارضة السياسية، وهنا يتحوّل مضمون السؤال إلى: كيف يظهر عمل سياسي «ثوري» الآن لا يقتصر على طرح الثورة طرحاً سياسياً على المستويات الشعبية والإقليمية والدولية فقط، بل يتمكن في الوقت نفسه من الحيلولة دون توظيف احتياجات الثوار المدنيين (الإغاثة) واحتياجات الثوار المسلّحين (السلاح) لتحقيق أغراض سياسية أنانية.. وليس أغراض الثورة؟.. الحرب الأهلية.. خطر مزعوم: التحذير من نشوب «حرب أهلية» هو في مقدمة التحذيرات المتكررة على ألسنة من يقولون: نؤيّد الثورة، ثم لا يفعلون، أي لا يقدّمون للثورة ما تحتاج إليه فعلاً من «التأييد» العملي. وليس صحيحاً تفسير هذا التحذير بأنّ أصحابه لا يدركون حقيقة «شعب سورية الثائر» الآن وحقيقة أن ثورته وحّدت مكوّناته أكثر من أي وقت مضى على الرغم من الصورة السلبية التي تعطيها المعارضة السياسية التقليدية عن نفسها وليس عن الشعب الثائر، إنّما توجد أسباب أخرى لعدم التأييد الفعال، ويحتاج هذا الامتناع البعيد عن قيم أخلاقية أو حقوقية إلى «مبرّرات» سياسية وإعلامية، فتصدر هذه التحذيرات وأمثالها في محافل دولية، أو تصدر ذرائع من قبيل انقسام المعارضة على نفسها، وما شابه ذلك. لا ينفي ذلك وجود مخاوف ممّا بدا وصفه بفوضوية عسكرة الثورة، بعد أن أصبح تعبير «العسكرة» شائعاً لوصف الحالة الخاصة المشار إليها من مسار الثورة الشعبية في سورية حالياً. ليست المشكلة في حمل السلاح في مواجهة مجرمين مسلّحين متسلّطين، وليست المشكلة في غلبة مفعول الوجدان لدى الضباط والجنود الأحرار على مفعول «الرعب» الذي تقوم عليه البنية الهيكلية للتسلّط بأسلوب العصابات، إنّما جوهر المشكلة كامن في أمرين: أوّلهما أنّ عملية التحرّك المشروع بقوة السلاح انطلقت من «قلب مسار الثورة»، وليس نتيجة تخطيط وتنظيم على امتداد فترة زمنية طويلة سابقة، فكان من المحتم عدم توافر (قوة مقاومة ثائرة نظامية موحدة توجيهاً ومسلّحة تسلّحاً فعالاً) بين ليلة وضحاها، والأمر الثاني قدرة توظيف عنوان «عسكرة الثورة» من جانب العصابات المتسلّطة لصناعة الذرائع لدى من يشاركون في «حصار الثورة» إقليمياً ودولياً. لقد أراد «العقل المدبّر الإجرامي» أن تتحقق عسكرة الثورة.. ولكن سعى سعياً حثيثاً كي تكون عسكرة فوضوية، ولأنّه يمتلك من القوّة الإجرامية ما يملك، ولأن القوى الإقليمية والدولية تساهم في تمكينه من مواصلة البطش وتصعيده، فقد قطع في تحقيق ما يريده شوطاً كبيراً، ولهذا أصبح في مقدمة «واجبات المرحلة الحالية» أن تتحوّل عسكرة الثورة، المشروعة في مواجهة الإجرام، إلى حالة مستقرّة و«نظامية»، على الرغم من الظروف والمعطيات المعيقة، كي تفعل مفعولها عبر مزيد من موجات تحرّر الضباط والجنود، ومزيد من تنسيق المهمة التي تناط بالذراع المسلّح المشروع للثورة الشعبية السلمية البطولية. إذا كانت حصيلة استخدام العصابات المتسلّطة لقوّتها المسلّحة الإجرامية «موجعة» تثير الآلام والأحزان وتنشر المآسي بلا حساب، فإنّ هذا بالذات، هو ما يجعل استمرار الثورة حتى النصر محتماً، وإن ارتفع الثمن، فثمن العودة عنها - إن حصلت لا سمح الله - أفدح وأكبر.. إنّه «السحق الكامل» عبر مزيد من الإجرام.
المصدر: مجلة البيان
صالح القلاب
رضوان زيادة
حسان حيدر
نجوى شبلي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة