ميمونة جنيدات
تصدير المادة
المشاهدات : 7349
شـــــارك المادة
يمكن تقسيم تاريخ جماعة الأخوان المسلمين في سورية إلى ثلاثة مراحل:
1/ المرحلة الأولى : تمتد من مرحلة تأسيسها في ثلاثينيات القرن الماضي على يد المرحوم مصطفى السباعي حتى أحداث الثمانينات من نفس القرن . ولا يمكن لأي منصف أن يتجاهل الدورالمؤثر والبصمات الإيجابية التي وضعوها في بناء الفرد وتطوير المجتمع في تلك المرحلة حيث نجحوا في إيجاد فرد فاعل ناضج قوي الارتباط والتأثير الايجابي في محيطه الصغير الأسرة مرورا بالأصدقاء والجيران ........انتهاءً بالمجتمع عموما ثم الوطن و الأمة .
كانت تلك الحقبة تتميز بوضع خاص يتجاذب فيها عملية بلورة وتطوير ثقافة المجتمع تياران هما التيار المتقوقع المتحجر والذي هو امتداد ٌ لقرون سابقة من الفهم الخاطئ للدين ولسنن الكون متشحا ًبنظرةٍ سلبيةٍ لكل مايرد عبر عجلة التطور والنهوض الحضاري الغربي . والتيار الثاني هو التيار العلماني الذي بالغ بشد الحبل نحو اليسار ساعيا ًلنسف كل ماحوت الحقبة السابقة بخيرها وشرها ولو قاد هذا لاجتثاث الدين كله من حياة الناس وتقويض الدعائم الأخلاقية للمجتمع . وفي هذا الظرف البالغ الحساسية برز دور الجماعة في إيجاد جيل وسط يمسك العصا من المنتصف ويجمع بين التمسك بمبادئ الدين الحقيقية بعيدا ًعن الجهل والتخلف والتعصب والتقوقع والسلبية ..وبين الانفتاح على الحضارة الغريبة واستجلاب المفيد النافع الذي لا يتعارض مع أخلاقيات وقيم المجتمع الاسلامي والتي تُعتَبَرُ سمة ً إيجابيةً مميزةً له . فنشأ في ظلها أناسٌ يتمتعون بقبولٍ واحترامٍ وحبٍ من أطياف المجتمع السوري الذي رأى فيهم الاخلاص والحس العالي بالمسؤولية والرغبة الصادقة بإصلاح المجتمع . وبعد سيطرة حزب البعث على السلطة أصبحت نشاطاتهم شبه سرية وضُيِقَ عليهم كثيرا واضطُهِدوا وسجنوا وعذبوا إلى أن استُدرجوا لحمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم بما يسمى أحداث الثمانينات .
2/المرحلة الثانية : مرحلة احداث الثمانينات...كانت الاعتقالات وما يرافقها من تعذيب ٍوحشيٍ قد يؤدي للموت أو الإعاقة مصدر خوف وقلق لكل فرد في الجماعة وعائقا لاتساع نشاطها ،هو ما ميز بداية تلك المرحلة ،وكذلك إقدام حافظ الأسد على إحكام السيطرة على كل مقدرات البلاد ومفاصل التحكم بالدولة صغيرها وكبيرها بطريقة طائفية فجة جعلت قسما من الجماعة يستشرف المستقبل الأسود الذي سيلف البلاد إن بقيت الأمور تسير بسلاسة في هذا الاتجاه ،فانفصلوا عن الجماعة باسم الطليعة المقاتلة للأخوان المسلمين مؤمنين بضرورة إيقاف هذا المد الطائفي السرطاني بالمواجهة المسلحة طالما أن النشاط السلمي محارب وينتهي بصاحبه إلى أقبية السجون حيث تفضي إلى الموت أحيانا أو الإعاقة ...ونجحوا في زعزعة أركان النظام وخاصة في حلب وحماة وكثير من البلدات الشمالية ، فالتف الناس حولهم بقوة وبدأت تخرج المظاهرات الحاشدة –في حلب خاصة – وطالبوا بإسقاط الرئيس منادين لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس ،وأٌغلقت الجامعة والمدارس وبعد صراع مرير رجحت كفة النظام ,فقتل واعتقل وشرد مئات الآلاف من افراد الجماعة و المناصرين لها حيث قام بالسيطرة على حماه بعد أن دمرها وارتكب فيها أفظع المجازر وقتل فيها من 30- 45 ألف شخص ،وكذلك احكم الخناق على حلب والبلدات الشماليةالتي كانت حواضن للجماعة, فقام بإذلال ممنهج للسكان وعمل على إفقارهم وتركيعهم واضطهادهم ،فجمد البنى التحتية والحركة الإقتصادية وأوصلهم الى حالة مرثية من الرعب والخضوع , مع شن حربٍ إعلانيةٍ شعواء على الجماعة وتشويه صورتها ابتداءً من المدارس وانتهاءً بالإعلام استمرت سنين طويلة.
كل هذه العوامل مجتمعة قادت الى تبرؤ كثيرٍ من الناس من الجماعة وتخليهم عن أفرادها وتحميلهم مسؤولية ما جرى سابقاً وما عانوهُ لاحقاً من بطش النظام ,فأصبح أفراد الجماعة مرتين هم الضحية وكبش الفداء , ونشأ جيل جديد – في ظل خوف المجتمع من الحديث عن تلك الحقبة –لايعرف الحقيقة وينظر إليهم كإرث تاريخي دمر البلد وأرجع الحريات العامة والتطور عقوداًللوراءِ. أما في خارج سوريا فلنسمها مرحلة الشتات حيث انتشرمن بقي من أفرادها في كل انحاء المعمورة مشردين ،وكثير منهم بغير أوراق ثبوتية على أمل انفراج أزمتهم بعد شهور أوسنين ..وطال الانتظار ... وتزوج جيلٌ منهم ليلد جيلاً جديداً في المنفى لا يحمل الجنسية السورية لأن السفارات السورية تمتنع عن إعطائهم ثبوتيات الزواج وتسجيل الأبناء،وتزوج الجيل الثاني لينجب جيلاً ثالثاً ولم يتغير الحال ..فمنهم من حصل على جنسية البلد التي لجأ إليها ومنهم من عاش حياته مهدداًمع أسرته بالترحيل لأن البلد التي لجأ إليها لا تمنح الحق بالتجنيس لمن أقام على أرضها مهما امتدت إقامته ، وقضى كثير من الجيل الأول ميتاً حسرةً وكمدا ًبعيداً عن تراب الوطن ..وتتالت السنون عشراً خلف عشر... ولم يعد لهم بنية متماسكة بعد أن تفرقو في الأمصار ونسيهم من بقي لهم من أهل داخل سورية وكذلك باءت كثير من المحاولات المتتالية لتسوية أوضاعهم وطي صفحة الماضي مع النظام بالفشل فاختلفت أوضاعهم وتنوعت أحولهم ... فمنهم من بقي صابراً محتسباً صافياً كطهر الملاك . ومنهم من بدل وغير. ومنهم من اعتزل الجماعة وانخرط ليعيش مع أبنائه وأحفاده كمواطن في بلد المنفى. ومنهم من لازمته عقدة النقص فراح يقدم تنازلات إثر تنازلات لعلها تلقى قبولاً واستحساناً من النظام واصدقاء النظام ،وكلها لم تقربه من النظام زلفى ولا من أدعياء الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم الغربي الذين تجاهلوا ملف الإخوان عشرات السنين ما دام في سورية حكم قوي مستقر يحرس أمن إسرائيل ....إلى أن بدأت المرحلة الثالثة وهي قيام الثورة السورية بشكل مباغت أذهل الجميع .
عابدة فضيل المؤيد العظم
أبو مارية القحطاني
مجاهد مأمون ديرانية
محمود نديم نحاس
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة