هشام محمد سعيد قربان
تصدير المادة
المشاهدات : 3128
شـــــارك المادة
إن صح الاستشهاد بالقول بأن العبرة بعموم القول لا بخصوص السبب، فلقد قالت الجموع في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا قولة كريمة مستقاة من كتاب لا ريب فيه، لقد قالوا بصوت لا مفر لقادتهم من سماعه وفهمه: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}، لقد سئموا وملوا من جريمة كبر مقتها وإثمها عند الله لأولئك الذين يقولون مالا يفعلون.
إن استمرار غياب البرهان في أرض الواقع والمنجزات يعمق هوة عميقة وسحيقة بين الإدعاء بالقول والتصديق بالعمل، فلم يعد للترقيع فائدة، فلقد بلي واهترأ ثوب الكذب، وكثر فتقه، وانشق كل سابق رتقه، وبانت سوآه لابسه للملأ، وفجأة حدث ما لم يكن في الحسبان، وانقلب السحر على الساحر، بل وأمن بعض اتباع السحرة. هاتوا برهانكم على إدعاء محبة أوطانكم ومواطنيكم... هذه مقولة وضعت تحت المحك الكثير والكثير، وسألتهم سؤالاً لا تنفع المراوغة والتضخيمات والمزايدات الإعلامية في التهرب منه. هذا السؤال هو: من أكبر: الشعوب أم قادتها؟ في ثنايا هذا السؤال ومضات مضيئة تهدى الساري في ليل الظلم، وتعلمه أن المصلحة العامة هي أعلى وأولى بالتقديم على كل المصالح الخاصة، وتذكر الجميع وكل الأدعياء بمعنى مغيب لحب الوطن والمواطنة، وهو أن الميزان الحق للمواطنة ليس شعارات جوفاء، وانتماءات اسمية، وصور معلقة، وأناشيد مسجوعة، بل هو تقديم وتغليب مصلحة الأوطان على مصالح أشخاص القادة والقلة المتنفذة وكل المواطنين مهما كان موقعهم في الهرم الاجتماعي والوظيفي. يعظم حجم البرهان المطلوب ومقداره كلما علا موقع الفرد في هذا الهرم - فكل راع مؤتمن ومسؤول عما استرعاه الله-، والبون شاسع بين سؤال راعي العشرة وسؤال راعي شعب بأكمله، ولا يخفانا الحديث النبوي الشريف الذي يتوعد من رعى أمر عشرة من الخلق فغشهم، فكيف يكون وعيد وعقوبة من ولي رعاية شعب بأكمله فغشه جيلاً بعد جيل؟ مما أسرني وأثلج صدري ظهور هذه المفاضلة المفاجئ في وقت الفتن، فلقد سمعتها في نداء مؤدب من أحد رفاق الأخ العقيد -الذي أفضى لما قدم- يقول له بحرقة ويذكره: بأن ليبيا كوطن وشعب هي أكبر من أشخاصنا، وحبنا لها لا يستقيم ولا يكمل إلا إذا كان أكبر من حبنا لأشخاصنا، ورؤانا، وتطلعاتنا. إن عظمة الفرد -أي فرد- تكون بمقدار نفعه لغيره لا بقدر نفعه لذاته الصغيرة، لأن أحب الخلق إلى الله أنفعهم لخلقه. من المؤلم حقاً أن ترى من ثار بالأمس على الظلم والظلمة، ورأت فيه الشعوب المظلومة والمقهورة بالأمس أملها ومنقذها ينسى اليوم وعود ثورته المجيدة، ويجحد دروسها المرة في دوامة وأسر تمجيده لذاته الصغيرة، والذي يجعله يظن واهماً أنه بمفرده هو الشعب بأكمله والوطن بمجموعه، ويا لها من هلوسة مخيفة وجنون قاتل يهدد الملايين. لقد كشفت الأحداث الأخيرة أوراق التوت عن كثير من السوءات. وزالت الأقنعة الوطنية والثورية عن بعض الوجوه فإذا خلفها ذئاب تختطف شعوباً بأسرها، وتقول لها حينما تتململ من سجنها مقولة محذرة: احمدوا الله على نعمة الحياة الآمنة، وإنني لم أعض رقابكم بأنيابي الحادة، وأكلكم كما أكل الذئب الآخر الخراف الآمنة في المزرعة المجاورة. يا لها من مساومة غير أخلاقية - تتستر بالدين أحياناً- بين الذئب والخراف حينما يبتزهم ويعرض عليهم خيارين الغبن ظاهر في كليهما: 1) إما الحياة والآمن المزعوم داخل أسوار مزرعتي العالية، ولكم المزيد من البرسيم الطري والعلف اللذيذ. 2) أو وضع رقابكم تحت أنيابي اللامعة، ومخالبي القاطعة. خياران لئيمان لا ثالث لهما: أحكمكم بظلم، أو أقتلكم بلا رحمة. يستعين الذئب كعادته بعدد من النعاج السمينة لتزين لهم الخيار الأول وتخيفهم من الثاني، وتحاول إقناعهم بكذب وسوء نية من يحدثهم عن المروج الخضراء الفسيحة، والحياة الحرة الكريمة خارج أسوار المزرعة وأسلاكها الشائكة. تصدق الخراف البريئة -على عادتها- الذئب الذي يكرم ولاءها بالمزيد من البرسيم الأخضر الحلو، والعلف المستورد الطري فتشتغل بأكله، وجمعه، والتفاخر به عن أحلام الحرية وندائها. إن رحمة الله بعباده لا تغيب، وإن شك فيه الشاك، وقنط منها اليائس، فالذئب المغرور نسي ولم يفطن في خضم جنون عظمته لأمر مهم وخطير فيه سر هلاكه، وهو أن للبرسيم والعلف تاريخ وأجل تنتهي فيه صلاحيته، ويضعف مفعوله، ويزول تأثيره المخدر. عندئذ تستيقظ الخراف من غفلتها يقظة لا نومة بعدها، وتكتشف حقيقة جهد الذئب في إخفائها سنيناً طويلة، فما الخراف إلا أُسود ضارية بعدت وضلت عن درب أبائها وسيرتهم، فجهلت ذاتها وشأنها. سوف تستيقظ الخراف بل الأُسود وتخبر الكون أجمع بالسر المغيب، وتشم عبق الحرية الذي لا يعدله كل برسيم الأرض وعلفها حتى لو كان مستورداً.
نجوى شبلي
زهير سالم
مجاهد مأمون ديرانية
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة