شريف عبد العزيز الزهيري
تصدير المادة
المشاهدات : 3828
شـــــارك المادة
يوم الاثنين الموافق التاسع من أبريل تحل الذكرى التاسعة لسقوط بغداد عاصمة العراق؛ تلك المدينة العريقة الضاربة في وجدان التاريخ الإسلامي لأكثر من ألف وثلاثمائة سنة إلا قليلاً، على يد قوات التحالف الصليبي الذي يقوده الأمريكان، وبعد مرور تسع سنوات ما زال المشهد العراقي ملهاة مأساوية بكل ما تعنيه الكلمة، وصراعاً محموماً على المصالح بين شركاء أو قل فرقاء الساحة السياسية، صراعاً اختلطت فيه كل عناصر الاحتقان والانفجار من طائفية وقومية وعنصرية ونفعية وعمالة لأطراف خارجية، فصار العراق وبكل جدارة ولثالث عام على التوالي البلد الأكثر فشلاً وخطراً في نفس الوقت على مستوى العالم.
صراع المصالح هو العنوان الأبرز وربما الأوحد على الساحة العراقية منذ الخروج الصوري للأمريكان من العراق، فالأمريكان قد خرجوا من العراق بعد أن تأكدوا أن هذا البلد لن تقوم له بعد قائمة وسيظل ميداناً ومسرحا لتصارع القوى الخارجية، واستعراض للعضلات بين إيران وأمريكا وإسرائيل وغيرهم ممن له مصلحة خاصة على أرض العراق والضحية الأكيدة في هذا الصراع هو العراق نفسه وشعبه من أهل السنة الذي أصبحوا مثل الغنم القاصية في الليلة الشاتية. أمريكا كانت حريصة عند خروجها من العراق على تلغيم الحياة السياسية، وتفخيخ كل المكتسبات الصورية والهشة التي ادعت تحقيقها من عراق جديد ديمقراطي ومنفتح وخالي الإرهاب والطائفية والعنصرية، وتصور بعض الحمقى أن هذه الأمور حقيقية، وأن ثمة بلداً جديداً بالمعايير والمبادئ الغربية والأمريكية قد ولد في منطقتنا الإقليمية، ولكن الأمريكان غادروا العراق وهم يعلمون أن انشطاره وتفجيره مسألة وقت لا غير، بعض أن بذروا أسوأ منتج سياسي يمكن أن يدمر البلاد المستقرة، ألا وهي بذرة الطائفية السياسية، وذلك على يد الطاغية الطائفي المحترق برفضه وجعفريته الكذوبة نوري المالكي. الأمريكان اختاروا نظاماً هو الأسوأ في حكم بلد متعدد الأعراق والطوائف والمزدحم بالمشاكل الإثنية، اختاروا لهم النظام البرلماني الذي يكون فيه البرلمان هو المتحكم في الحياة السياسية، والرئاسة صورية عديمة الصلاحيات، وهذا النظام يصلح للبلاد الواعية المتقدمة اقتصادياً وحضارياً، والخالية من المشاكل الطائفية والعرقية، لأن هذا النظام إذا طبق في بلد متخم بالآفات الاجتماعية والسياسية فسوف يتحول لقنبلة انشطارية عنقودية، تتوالى انفجاراتها من حين للآخر، والأمريكان قد رأوا عاقبة هذا النظام المعيب في بلد مثل لبنان، والمشاكل السياسية التي لا تنقطع في هذا البلد الفسيفسائي، فطبقوه على العراق ليستنسخوا المشاكل اللبنانية على العراق، فالنظام البرلماني يرتكز على فكرة المحاصصة الحزبية التي هي على أرض العراق ذات مرجعيات طائفية تتلاقى في نهاية الأمر بين الشيعة والأكراد وأهل السنة. المالكي هذا الطائفي البغيض وممثل حزب الدعوة الشيعي تولى رئاسة الوزراء في العراق بعد صراع مع الأحزاب الشيعية الأخرى، وعلى خلفية تعهده لسائر القوى الشيعية ومن قبلهم إيران بالإطاحة بأهل السنة من الحياة السياسية وعزلهم تماماً من المناصب العامة وتتبع رؤوسهم وزعمائهم والتنكيل بهم، فالهدف العام المشترك بين الشيعة والأكراد وإيران وأمريكا هو تنحية أهل السنة تماماً من المشهد العراقي العام وتحويلهم من أغلبية حاكمة للأقلية مضطهدة، وهو ما نجح فيه المالكي لحد بعيد أذهل به حتى خصومه أنفسهم، فقد بالغ في إقصاء أهل السنة واضطهدهم بفجاجة وغلظة وقامر بدماء العراقيين بلا تمييز من أجل بسط نفوذه وهيمنته على العراق، ولم يتورع عن سفك دماء الشيعة بني دينه أنفسهم من أجل ذلك، حتى استطاع بكل جدارة أن يحوذ لقب جزار أهل السنة الأول، وظن أن الجو قد خلا له بذلك، حيث أنه كان مطمئناً من ناحية الأكراد، فرغم أنهم في الأصل أهل سنة إلا أنهم قوميون يديرون القضية من وجهة نظر عنصرية وعرقية، ولكن الريح أتت بما لا يشتهي السفن. فالعلاقات والشراكات المبنية على المصالح هي أهش العلاقات وأضعفها وأسرعها انحلالاً، إذا تعرضت هذه المصالح للخطر أو الارتياب من أحد الطرفين، وهو ملخص التوتر الحادث هذه الأيام بين محافظ كردستان العراق مسعود بارزاني ونوري المالكي، والذي أخذت حدته في التصاعد حتى أصبح على شفا الانفجار، وكلمة السر غير المعلنة في هذا الصراع هو "النفط". فقد عقدت شراكة سياسية بين الجانبين سنة 2010م تم بموجبها حكومة وطنية بقيادة المالكي، وللأكراد فيها خمس حقائب وزارية، وخمس مقعد مجلس النواب، كما أقرت صلاحيات أوسع للإقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي منذ الاحتلال الأمريكي سنة 2003م، وظل شهر العسل بين الجانبين ووقف الأكراد غير مبالين بما يحدث لأهل السنة من مذابح سياسية واجتماعية، وفي المقابل غض المالكي الطرف عن عقود استخراج النفط في إقليم كردستان والتي بلغت قيمتها السنوية عدة مليارات، حتى فرغ الطاغية من أهل السنة، وشعر أن قوته تعاظمت وخصومه السياسيين مثل علاوي والنجيفي وغيرهم قد ضعف تأثيرهم وقوتهم الشعبية، استدار كعادة كل طاغية لا يطيق منافساً ولو من أقرب الحلفاء، استدار على شركائه ينقب خلفهم ويحاول استنساخ تجربة أهل السنة ضدهم. وبأسلوب التصفية المعنوية بدأ المالكي خطته نحو تحجيم دور الأكراد، وتصفية العراق للشيعة وإيران، وظهر للعلن فجأة ودون تمهيد مسبق ائتلاف يسمى "بأبناء العراق الغياري" على يد رجل قريب الصلة من منظمة بدر الشيعية الذراع العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية واسمه عباس المحمداوي، وأخذ هذا الائتلاف في تهديد الأكراد وأمهلهم مدة معينة للخروج من المناطق العربية في العراق والهجرة للمناطق الكردية وأنذرهم بالقتل لو لم يخرجوا، مما أدى لشيوع حالة من القلق والاضطراب في صفوف الأكراد، ووصل التهديد للإطلاق النار فعلياً على عدة مقار للأحزاب الكردية في المناطق العربية مثلما حدث مع مقر حزب الإتحاد الوطني الكردستاني بشمال مدينة الديوانية جنوب بغداد بـ 120كيلو متر، والذي يرأسه رئيس الجمهورية جلال الطالباني، هذا التهديد الشيعي للأكراد دفع محافظ كردستان لتوجيه نقد شديد للمالكي متهما إياه بالاستحواذ على السلطات كلها، كما اتهمه صراحة بأنه يدير البلاد بمنطق الإقطاعية الخاصة، ويستأثر بالمناصب الحيوية وكلها مثل الدفاع والداخلية والمخابرات، وأن جيش العراق المليوني كله لخدمة أغراض وأهداف المالكي، وعلى خلفية هذا التوتر العلني سافر البارزاني لأمريكا ومن هناك فجر تصريحاته الأخيرة التي كشفت عمق الصراع بين الأكراد والشيعة. مثلما فعل المالكي بأهل السنة عقب اجتماعه مع أوباما في البيت الأبيض فعل البارزاني، ولا عجب فكلهم دمى في يد صانع القرار الأمريكي، فقد خرج من اجتماعه مع أوباما ومساعده بايدن في البيت الأبيض بهجوم كاسح على المالكي ناعتاً إياه بكل نعوت الطغيان والاستبداد والديكتاتورية ومشبهاً له بصدام حسين، ومهدداً له بالعزل والإطاحة وقد استخدم في هجومه مترادفات قوية وغاضبة وذات لهجة تصعيدية وتهديدية، منذراً إياه حال عودته بحشد العراقيين ضده إذا استمر على سياساته الديكتاتورية، في تصعيد رأي فيه كثير من المحللين أنه تمهيد لإعلان كردستان الاستقلال التام عن العراق وذلك بمباركة وتوجيه أمريكي واضح، وهذا الأمر لا يمكن عزله عن سياقه الإقليمي وأحداث سوريا الملتهبة، ورغبة أمريكا في بلقنة سوريا وتقسيمها لعدة كيانات عرقية وطائفية حتى لا يستفرد أهل السنة بهذا البلد شديد الحساسية والأهمية، فكيان للنصيريين العلويين في اللاذقية من حولها، وكيان لأهل السنة في الوسط والجنوب وكيان للأكراد في الشمال، وقد بدا هذا التوجه من تصريحات البارزاني بخصوص الثورة السورية حيث انتقدها بسبب قلة الاهتمام بالأكراد، واتهمهم أيضاً بأنهم طلاب سلطة في حين الأكراد طلاب وطن. وبسبب هذه السياسات الشريرة والمستهترة لساسة العراق الذين هم عبارة عن دمى في يد الأمريكان، فإنهم يسيرون بهذا البلد العريق، بل يسيرون بالمنطقة كلها لخريطة جديدة من التحالفات والمصالح قوامها طائفي وقومي وعنصري، فالعراق سائر على درب التقسيم والتفتيت لا محالة كما خطط الأمريكان والصهاينة من قبل لهذا، ولكن الجديد في التقسيم أن موجاته الارتدادية سينتقل مداها لدول الجوار وأولها سوريا، وهذا نشهد ميلاد شرق أوسط جديد كما حلم به بوش الصغير وكوندليزا رايس وولوفوتير وكارل روف وغيرهم من شياطين البيت الأبيض من قبل، ولن يوقف هذا المخطط إلا الله - عز وجل - وحده، لأن أهل العراق لم يعد لهم وجود وطني على الحقيقة، فقد ضاع شرفاؤهم، وقتل أحرارهم، ولم يبق منهم سوى شرارهم، وهم الذي يتصارعون اليوم على جثة العراق.
المصدر: مفكرة الإسلام
أكرم البني
ياسر الزعاترة
غازي دحمان
مركز جسور للدراسات
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة