لقمان الحكيم
تصدير المادة
المشاهدات : 3948
شـــــارك المادة
في السبعينات من القرن الماضي استلم حافظ الأسد السلطة، وكان هو وجماعته من الطبقة العاملة والفلاحين (مع الاحترام الكامل للشرفاء من هذه الطبقة)، أي أنه من الطبقة الفقيرة أو المعدمة، والتي أمسكت فجأة بمقاليد الأمور والثروات، وصحيح أن الدولة حاولت تسويق مبدأ (مد رجليك حسب طول لحافك)، وصحيح أن اللحاف كان طويلاً، فالثروات الطبيعية والزراعية والسياحية كبيرة، لكن المشكلة أن الطبقة الحاكمة كانت عارية سابقاً وتشعر بالبرد الشديد، فتقاسمت اللحاف كاملاً، ولم تترك منه أي شيء للشعب. وكان الغطاء الأخلاقي -راجع مقال لي غطاء أخلاقي.. أنت كذاب- أن سورية دولة ممانعة، ودولة صمود وتصدي، وبالتالي فاللحاف يجب أن يغطي مصاريف الممانعة والصمود والتصدي، فعاش السوريون يجرون وراء رغيف الخبز ولتر الزيت، وكانوا في الثمانينات من القرن الماضي لا يعرفون ما هو الموز والأناناس والمانجو.
في التسعينات اكتشف المسؤولون في سورية أن (البقرة يمكن ذبحها مرة واحدة فقط، لكن إذا أطعمتها قليلاً فبإمكانك أن تشرب حليبها وتستفيد من بيع لحم أولادها عشرة سنوات)، فبدأ المسؤولون بإطعام الشعب قليلاً -المعذرة على تشبيه الشعب بالبقرة، ولكن هذه نظرة النظام السوري لهم وليست نظرتي الشخصية-، وبدأ البلد ينفتح قليلاً، واستفادت سورية من وقوفها إلى جانب الخليج في حرب العراق، فكسبت بعض المال والمكاسب الأخرى، وبدأ الشعب يعرف بعض الكماليات، وبدأ رغيف الخبر يتوفر. وقبل عشر سنوات جاء بشار الأسد إلى السلطة، ونظراً لأنه عاش في أوروبا، فقد اكتشف أن البقر العربي يعطي قليلاُ من الحليب، أما البقر الهولندي الأوروبي فيعطي حليباُ أفضل وأكثر، صحيح أن العناية به وطعامه يكلف أكثر، ولكن عائد (مكرر) الربح أعلى، فطبق مبدأ، دع الشعب يعمل كثيراً، ويكسب كثيراً، ثم نأخذ كل شيء عن طريق الخدمات والضرائب. فالذي حصل أن السوق انفتح، والرواتب زادت (إلى حد ما)، ولكن الطبقة الحاكمة هي التي أمسكت بعصب الاقتصاد، فأنت تعمل في شركة لمسؤول، وتشتري الأغذية من شركة لمسؤول، وتتكلم بموبايل مملوك لشركة لمسؤول، وتخدم في الجيش الذي هو عبارة عن استثمار مملوك لطبقة من المسؤولين اسمهم الحركي (ضباط)، وإذا احتجت إلى قرض فالبنك مملوك لمسؤول، وحتى إذا مرضت تدخل إلى مشفى مملوك لمسؤول، وحتى إذا مت، فأرض الدفن والرخص وغيرها مملوكة لمسؤول. وكانت النتيجة أن الضرائب المباشرة من الشعب تمثل 60% من ميزانية سورية (مدفوعات الميزانية السورية). ماذا يحصل عندما تبدأ الليرة في الانخفاض (أو الانهيار): 1- انخفاض العملة معناه ارتفاع الأسعار أي التضخم، ارتفع سعر كيلو السكر مثلاً من 30 ليرة إلى 130 ليرة حتى الآن. إذا أضفنا لذلك الحصار الاقتصادي، وارتفاع تكاليف التأمين على النقل، وارتفاع المخاطر الأمنية، فقد يصل التضخم إلى مراحل كبيرة. 2- حتى لو حاولت الدولة مقاومة التضخم، وذلك ببيع السلع بأسعار مخفضة عن طريق جهات حكومية مثل المؤسسات الاستهلاكية، فإن هذا سيؤدي إلى نزيف الاقتصاد بسبب الدعم الكبير، وإذا أضفنا إلى ذلك مخاطر الفساد الذي سيجعل أصحاب النفوذ قادرين على شراء السلع الرئيسية مثل (الأرز والسكر والبنزين والمازوت) من الدولة بالسعر المخفض المدعوم ثم بيعها للمواطنين بأضعاف السعر حسب سعر السوق السوداء. 3- كلما تسارع انهيار الليرة وزيادة التضخم وارتفاع الأسعار، سيسارع الناس لشراء الأغذية الأساسية وتخزينها، ونظراً للحصار ومخاطر النقل والتأمين على النقل وغيرها، فالبضائع أصلاً قليلة في السوق، وهذا سيسارع وتيرة التضخم وانهيار الليرة. 4- الاستمرار بدفع الرواتب بالعملة المحلية معناه انخفاض دخل المواطن وعدم القدرة على مجابهة المصاريف. 5- الاستمرار بدفع الرواتب بالعملة المحلية معناه توقف الموظفين عن العمل بسبب ضعف الرواتب، فقد تتوقف المصانع والمخابز ومحطات البنزين عن العمل. 6- الاستمرار بدفع الرواتب بالعملة المحلية معناه زيادة الفساد الإداري، المشكلة أن الشعب في النهاية يجب أن يعيش، فالموظف سيسرق ويرتشي لكي يطعم أولاده، والممرض سيسرق الأدوية لكي يطعم أولاده. 7- قد يكون الحل هو أن ترفع الدولة الرواتب، لكن رفع الرواتب المتكرر أقرار بانهيار العملة، كذلك فإن الرواتب يجب أن تدفع في النهاية، والدولة قد تعجز عن دفع الرواتب إذا وصلت إلى أرقام كبيرة. خاصة مع وجود الترهل الوظيفي في سورية حيث يصل عدد الموظفين إلى مليون وربع موظف. 8- قد لا تتمكن الدولة من دفع الرواتب التقاعدية، وحتى لو دفعتها لن تكفي قيمتها لتغطية مصاريف الحياة. 9- الدولة تشتري المحاصيل بسعر الليرة الرسمي المنخفض، ولكن المزارع يصرف على الزراعة ويشتري احتياجاته بسعر الليرة حسب السوق، وهذا معناه أنه لن يبيع المحصول للدولة بل سيبيعه في السوق، لكن المشكلة أن معظم محاصيل الفلاحين غير قابلة للبيع مباشرة في السوق مثل القمح والقطن، وقد عودت الدولة الفلاحين على شراء محاصيلهم، فإما أن تدفع الدولة للفلاح سعراً أعلى بكثير، (وهذا لن تقدر عليه الدولة، وحتى لو قدرت عليه فمعناه تضخم هائل، أو أن تدفع للفلاح بعملة أخرى، والدولة لا تملك احتياطي من العملات الأجنبية، كما أن تعامل الدولة بعملة أخرى معناه انهيارها). وهذا معناه في النهاية دمار الزراعة ودفن المحاصيل في أراضيها. 10- لن تعود هناك قيمة للشيكات، فإذا كتبت شيك اليوم بقيمة مليون ليرة، قد تصبح قيمته ألف ليرة عند تاريخ الصرف. 11- توقف القروض والتسهيلات البنكية والبيع بالتقسيط، فحتى لو كانت نسبة الفائدة 25% سنوياً، قد تنخفض قيمة الليرة أكثر من ذلك بكثير عند موعد السداد. هذا بالإضافة إلى المخاطر الأمنية المرافقة. 12- سيتأخر الناس في دفع الفواتير والضرائب، ففاتورة الهاتف بقيمة 1000 ليرة سورية اليوم، أي ما يعادل 10 دولار، ستساوي نفس المبلغ بالليرة السورية بعد شهر، ولكن قد تعادل 1 دولار أمريكي. 13- الديون على الحكومة السورية هي بالدولار، ويجب على سورية دفع الديون وخدمة الديون بالدولار، ونظراً لانخفاض قيمة الليرة، فهذا معناه أن الدولة يجب أن تدفع ديونها أو خدمة ديونها بالدولار وهو ما لا تمتلكه، ولن تجد طريقة للحصول على الدولار من الأسواق الخارجية لأنه لا أحد يقبل الليرة مهما كان السعر مغرياً، وحتى لو عرضت الدولة شراء الدولار مقابل ألف ليرة سورية -عشرة أضعاف القيمة الحالية- فلن يشتري أحد الليرة لأنه لا يضمن مستقبلها، فالمضاربون ينتهزون الفرص إذا كان هناك مستقبل لهذه الفرص. وهذا معناه توقف الدولة عن دفع الديون وسداد خدمة الديون، وتوقف الجهات المقرضة عن إقراض سورية، وهذا يؤدي إلى تراكم الديون وزيادتها، وهذا أمر له انعكاس مستقبلي. مثال واقعي: واجهت يوغسلافيا حصار وانهيار اقتصادي، ونظراً لتشابه مواصفات يوغسلافيا وسورية -حسب المقال السابق: 10 نقاط تحكم انهيار الليرة السورية-، ونظراً لأن هناك من لا يصدق أن بعض العملات يمكن أن تنهار بشكل خرافي، فهذا ما حصل للدينار اليوغسلافي. في 13 /11 /1993م كان سعر المارك الماني يساوي مليون دينار يوغسلافي. 23 /11 /1993م (مارك = 7 مليون دينار)، 1/12/1993م (مارك = 37 مليون دينار)، 1 /12 /1993م (مارك = 800 مليون دينار)، 15 /12 /1993م (مارك = 3700 مليون دينار)، 29/12/1993م (مارك =950000 مليون دينار)، استمر الانهيار حتى وصل إلى 17 /1 /1994م (مارك= 1 وأمامها 12 صفر دينار). يعني أن من كان يملك في 13 /11 /1993م مليون دينار، أصبح بعدها بشهرين يملك دينار واحد. في المقال القادم، سنوضح إلى أي نوع ينتمي الاقتصاد السوري حالياً، ومن هم المستفيدين والمتضررين من انهيار الليرة السورية، وهذا يشمل نصائح للتحول من الضرر إلى الاستفادة، فمن تعب سنوات لجمع مبلغ من المال، يستحق المساعدة والنصح حتى لا يرى ماله يتبخر أمامه. والله أعلم.
المصدر: المختصر، نقلاً، زمان الوصل
محمود جبار
نجوى شبلي
عبد الكريم بكار
محمد حسن عدلان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة