..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

هل يتعلم الإسلاميون في سوريا من أخطاء نظرائهم في مصر؟

وائل مرزا

٨ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3020

هل يتعلم الإسلاميون في سوريا من أخطاء نظرائهم في مصر؟
99.jpeg

شـــــارك المادة

منذ سنوات قليلة، وعندما تصاعد الحديث عن خلافات داخل جماعة الإخوان المسلمين في مصر تجاه إحدى القضايا الداخلية، نفى القيادي عصام العريان إمكانية «حدوث تصدعات وانشقاقات وشروخ في الجسد الإخواني»، وبرّرَ ذلك بعدة أسباب كان أولها: «أن الإخوان ليست مجرد حزب سياسي أو قوة سياسية؛ بل هي أكبر من ذلك، فهي دعوة وفكرة ورسالة ربانية».


قد تساعد مثل هذه الآراء المتجذرة في الجماعة على فهم الأزمة التي تعيشها مصر حالياً بسبب محاولة سيطرة الإخوان على جميع مؤسسات الدولة. وهي محاولة لا ندّعي نحن حصولها فقط، وإنما يتحدث عنها وينتقدها كثيرٌ من مؤيديهم، بل ومن أعضائهم من الداخل على مختلف المستويات.
فالضغط النفسي والفكري الذي يُولد من القناعة بأن الجماعة هي «رسالة ربانية» لا يمكن أن يسمح لأصحابه بتقزيم دلالات مثل ذلك المعنى الشمولي واختزالها إلى رؤية واقعية كان يجب أن تفرضها كل المعطيات السياسية والاجتماعية والفكرية.
قد يمكن لفردٍ ملتزمٍ دينياً النظرَ إلى نفسه على أنه يعيش وفق رسالة ربانية. لكنه لا يقول لنفسه إنه هو بحدّ ذاته رسالةٌ ربانية! هذا إذا امتلك حداً أدنى من العقلانية والتواضع. لكن المفارقة تظهر حين ننتقل من الفرد إلى المجموعة. ففي حين أن (الأنا) الفردية لا تملك القدرة على ادّعاء التماهي الشامل مع كلمة السماء، يمكن لـ (الأنا) الجماعية أن تُعبّر عن ذلك التماهي بلسان الحال وإن لم يكن بلسان المقال دائماً. نحن لا نتحدث هنا عن النيات وإنما عن شعورٍ راسخٍ في اللاوعي وفي أعماق الثقافة الشخصية للأنا الجماعية الإخوانية، وهو شعورٌ يُمكن استقراؤه من ممارسات وأدبيات الجماعة على مدى تاريخها الطويل. فالغالبية لا تزال تعيش منذ عقود على فكرة طرحها الإمام المؤسس مؤكدةً أن الجماعة هي «دعوة سلفية.. وهي حقيقةٌ صوفية.. وهم هيئةٌ سياسية.. وهم جماعةٌ رياضية.. وهم رابطةٌ علمية وثقافية.. وهم شركةٌ اقتصادية.. كما أنهم فكرةٌ اجتماعية..»!
كانت الثقافة الإخوانية تحرص دائماً على الحركة في فضاءٍ واسع جداً لا تتضح فيه الحدود، ولا تنضبط في إطاره أهدافٌ معيّنة يمكن قياسها بأي درجةٍ من الدقة. خاصةً حين يتعلق الأمر بحقل السياسة وممارستها.
وبسبب اضطهاد كثيرٍ من الحكومات للجماعة من جهة، وتعاطف الجماهير العربية مع مَن يتحدث باسم الإسلام من جهةٍ أخرى، تبلور لديها تصورٌ بصوابية ثقافتها الخاصة، وتحديداً عند تنزيل تلك الثقافة على العمل السياسي.
من هنا يمكن تفسير ظاهرة الاستعجال لدى الإخوان ولدى الإسلاميين بشكلٍ عام فيما يتعلق بتحويل رصيدهم، حقيقياً كان أو مُبالغاً فيه إلى قرارات وممارسةٍ سياسية. ومن هنا، نفهم استعجالهم في مصر لـ (قطف) ثمار ذلك الرصيد دونما إدراكٍ لقدرتهم الحقيقية على التعامل مع المشكلات الهائلة التي تعاني منها بلادهم. وأكثر من هذا، لطبيعة (المحرقة) التي يسعون بأرجلهم إليها.
لا يتعلق الأمر بقراءة الغيب، وإنما بقراءةٍ منهجية تؤكد عدة أمور؛ يتمثل أولها: في استحالة قدرة أي فصيلٍ سياسي أو اجتماعي على أن يتعامل مع تلك المشكلات، وأن يجد لها الحلول نظرياً وعملياً في إطار نظامٍ ديمقراطي.
قد يكون ممكناً لحزبٍ أو فئةٍ ادّعاء القدرة على السيطرة وفرض ما يرونه من سياسات في إطار نظامٍ ديكتاتوري كما كان عليه الحال قبل الثورة. ومن الطبيعي ألا تحلّ تلك السياسات المشكلات وألا يهتمّ المسيطرون بالنتائج أصلاً.
لكن هذا لم يعد ممكناً في مرحلةٍ يُفترض أن تتعدد فيها مصادر الرؤية والتحليل للمشكلات وحلولها، وأن تتعاضد فيها القدرات والجهود والإمكانات للتعامل معها. سيما وأن كثيراً من المعطيات تؤكد افتقار الإسلاميين (الحركيين) المدقع للفكر السياسي بكل ما فيه من مجالات معقّدة ومتداخلة وكثيرة، وافتقارهم لكوادر بشرية مطلوبة في مواقع لا حصر لها في الدولة بجميع مكوناتها، وتتطلب كثيراً من التدريب والإحاطة والأهلية النظرية والعملية. قد يكفي هنا التفكير في المفارقة الكبيرة بين ممارسة الإسلاميين في مصر وفي تونس في كثيرٍ من المجالات.
لكن الأهم يتمثل في السؤال الأكبر: هل يتعلّم الإسلاميون السوريون، بجميع أطيافهم، من أخطاء تجربة نظرائهم في مصر تحديداً؟ هل يمكن لهم (عملياً) تجاوز ثقافتهم التاريخية التي تؤكد تماهيهم مع مقتضيات شعورهم بأنهم (رسالةٌ ربانية)؟ ورغم أهمية التصريحات والبيانات في هذا المقام، فإن الممارسات العملية هي وحدها التي تجيب وستجيب عن ذلك السؤال الكبير.
تنبع أهمية السؤال والإجابة عليه من ضرورة صياغة وتقديم خطابٍ وممارسات سياسية تنسجم مع طبيعة المرحلة الراهنة للثورة؛ حيث ظهرت بوضوحٍ أكبر (الروح) الإسلامية فيها، خاصة من حيث شعاراتها ورموزها ومرتكزاتها النفسية والعملية الحالية وتلك المطلوبة للاستمرار والنصر.
ونظراً لطبيعة سوريا مجتمعاً ودولة في الحاضر والمستقبل؛ فإن هناك حاجةً عمليةً ماسةً لضبطٍ دقيق لكثيرٍ من المفاهيم والطروحات، ولبناء الممارسات السياسية عليها. لا مناص هنا من وجود مراجعاتٍ حقيقيةٍ وعميقة على المستويين النظري والعملي تتجاوز الاستجابة الآنية لضرورات المرحلة.. والظرف الراهن لا يُعفينا من المسؤولية وإنما يؤكّدُ ضرورتها المُلحّة؛ لأن هذه العملية وحدها، ووحدها فقط، يمكن أن تساعد الثورة والمجتمع والدولة (القادمة) على امتلاك توازناتٍ اجتماعية وسياسية حساسة يجب توفّرها لحمايتها جميعاً من العنف والحروب الأهلية وأي شكلٍ من أشكال الفوضى.

المصدر: أخبار الثورة السورية 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع