..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

مَن يتقدَّم الصفوف؟

نور الدين قرة علي

٨ إبريل ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3311

مَن يتقدَّم الصفوف؟
5.jpeg

شـــــارك المادة

تسألني من الذي يجب عليه أن يتقدم الصفوف؟، فهذه المرحلة من مراحل الثورة تشابكت عقدها، وتعقدت تشابكاتها، والأسئلة التي تطرح اليوم في مجتمعات الكبار والصغار، والساسة والعلماء، وأصحاب القرار، أسئلة تدور في فلك الأحداث دون أن تعود بالإجابات الشافية، أو تشير إلى المخارج البينة الواضحة.


فلمَن الكلمة اليوم؟..
أرى أن الكلمة في هذه اللحظات ـ بل ينبغي أن تكون في كل اللحظات ـ لأهل المبادئ وأهل اليقينيات، يجب أن تكون لأهل المناهج الواضحات.
ونحن اليوم نرى شراسة عدو كشّر عن كل أنيابه، وأنشب في جسد الأمة كل مخالبه وأظفاره، وألزم نفسه قبل انهياره بهدم كل بناء، وقتل الأبناء قبل الأمهات والآباء، وقد وجد هو وزمرته ومن يعينه ويسانده مواجهة لم يعرف زماننا لها مثيلاً، ويضعها التاريخ في قمة ما سجله قديماً وحديثاً، مواجهة يمثلها شعب أعزل، وصدور عارية، وحرائر تهتف وهي تتقدم الرجال والشباب هاتفة الموت الموت ولا المذلة، هذا هو الذي ينبغي أن يتقدم الصف، هذه هي الواجهة الحقيقية للمواجهة الفاصلة.
نعم؛ إن الذي يحق له اليوم أن يتقدم الصف هم أهل اليقين والإيمان، الذين يستمعون إلى الصوت الإلهي في أعماقهم يتلو عليهم قول الحق، يحدد لهم سنة الابتلاء وقانون المحن؛ {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}، كما يخطّ أمام أعينهم سنة التدافع تتبدى في قلب الحدث لتكتمل بالآيات الربانية التي تفرض نفسها على الأحداث؛ {إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً}، ويستلهمون الصمود من موقف الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وهو يحفر الخندق عند اجتماع الأحزاب، فيضرب ضربته ـ التي شقت صخور الزمن المستعصية على الكثير من التجمعات ـ بعزم آماله الإيمانية، وعدم انكساره أمام الصعوبات، مبشراً بفتح المدائن وبلاد الشام، وجعل من بشائره دِرعاً يحمي رجاله من حالة الإحباط، أو نفسية الانهزام، أو وهم التراجع.
إنه الذي تحدث إلى أحد المجاهدين من أتباعه وهو يئن تحت ضربة المواجهة، ويسأل النصرة بعيداً عن مرارات اللقاء والمصابرة، فأجابه: ((قد كان من قبلكم يؤخذ بالرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون))، وهكذا قال لأحد شيوخ العرب عدي بن حاتم، وهو من أمراء القبائل المتلففين بدثار الأحلام، والمسجونين في أحلام الأوهام.
هؤلاء الذين يجب أن يتقدموا الصفوف، فالوقت لا يسمح لغيرهم أن يتمادى في مسيرته، وأن يتلاعب بأماني أمته، أو يجرب حظه في كراسي قيادته.
ويجب أن نعتذر لمجلسنا الوطني، بأن يترك المجال لهؤلاء فهم أولى بقيادة الركب، وليتفرغ سياسيو الوقت لعملية التوفيق بين المذاهب، والتقريب بين أصحاب الملل، ومحاورة الأقليات على مقاعد المستقبل، ودغدغة الشركاء بمعاني المواطنة ومدلولات المدنية والتعددية، فلا بأس أن يقوم السياسيون بهذا الدور فهذا هو مجال اختصاصهم، ولكن ليتركوا قيادة الموكب الثوري لمن يؤكد للشباب الذي يبذل الدم والروح مبادئ الرسالة وحقائق الإيمان، ويوضح لهم مفاهيم النصر والغلبة، فالمعركة واسعة المدى وكل له مفهومه عن التقدم والتأخر في ساحاتها، وكل له مصطلحاته التي يستخدمها في الانتصار والهزيمة.
وإلى شباب الثورة نقول:
لقد حققتم من الانتصارات الرائعة ما يستحق أن يحملكم الحفاظ عليها على البذل والبذل، والعطاء كل العطاء، فقد بعثتم الأمة من رقادها، وأطلقتم أسرها من قيودها، وزرعتم كلمة الحرية على أفواه الرضع من أبنائها، وتوجتم بالكرامة كل فرد يتحرك فوق تربتها وخارج حدودها.
لقد حررتم المؤمنين من وهم الطغاة المستبدين، وخرجتم بهم إلى ساحة الشرف فصاروا جميعاً من المجاهدين، واطمأنوا بأن عروش الطغاة ستنهار على يد جنود لله، فالعدو قد زرع ألغام بطشه تحت قصوره، وسيخرّ عليهم السقف بعد حين، وستكون ملاحقتهم لكم سبب غرقهم في بحر نجاتكم، كما أغرق الله جيش فرعون في البحر الذي بسط ذراعيه لنجاة المؤمنين.
فيا أهل اليقين من أهل العلم والجود والإيمان والعزم، يا قادة القلوب، يا أصفياء القوم..، اخرجوا من محاريب مصابرتكم، وتهجدات إخلاصكم، وانفحوا هؤلاء الشباب من فيض يقينكم، وتقدموا الصف، واجعلوا الساسة والعسكر وأهل المؤتمرات والمقامات من ورائكم يعملون.
فاليقين قبل السياسة، والإيمان قبل العسكرة، ووضوح الطريق إلى الله تضرعا والتجاءً قبل انتظار التحرك العربي والإقليمي والدولي سعياً وسياسة.
والله المستعان، وله كامل الطاعة والإذعان.

المصدر: شبكة الشام الإخبارية 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع