..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

غياب الدولة وأطياف الانقسام السوري

قاسم الطباع

٧ ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2815

غياب الدولة وأطياف الانقسام السوري
3.jpeg

شـــــارك المادة

يبدو المشهد السوري في ظل التصعيد الدموي للنظام السوري كئيباً من كل جوانبه. لكن من اللافت للنظر حجم التخندق من قبل الموالاة والمعارضة، وتحديداً الشّد النفسي الذي ينعكس في تفاؤلٍ لا يجد مبرره المنطقي، وهو ما لا يمكن تفسيره خارج دائرة حالة الدّفاع النفسي في وجه الآخر.


ومن اللافت أيضاً نهائية توصيف كل طرفٍ للآخر على أنه العدو، على الرغم من مقاومة الجانب العقلاني في الحراك لمثل هذه النتيجة، وإصراره على إنتاج وطنيةٍ سوريةٍ جديدةٍ أكثر حساسية للتعددية.
ينمُّ هذا المشهد عن خطرٍ كامن، فالمجتمع الأهلي مهددٌ باستكمال انقسامه الذي بدأ منذ أشهر، وإن حصل ذلك فسيتمم بناء تصور طرفي النزاع عن أن ما يجري هو على أساسٍ طائفيّ. ومن الملاحظ أن بعض الأوساط ممن لم يعتبر نفسه طرف، التحق -ولو على مستوى الخطاب- بأحد الطرفين. إنها قسمةٌ طائفيةٌ تزداد الدلائل التي ترجح اكتمالها سياسياً ونفسياً وإيديولوجياً، وغالباً ما يعني هذا إنجاز جماعاتٍ سياسيةً مكتملةً.
يمكن القول أن أهم سبب ساهم في جرِّ المشهد السوري إلى هذا الوضع هو غياب منطق الدولة. فالنظام السوري منذ اللحظة الأولى للانتفاضة قرر أنه لن يضمن التفاف قاعدته الاجتماعية حوله دون الشحن الطائفي. فكان هاجس البقاء في السلطة مهيمن على أي إمكانية للفعل العقلاني الذي غالباً ما يصدر عن الدولة باعتبارها العقل. وهناك الكثير مما يبعث على الاعتقاد أن النظام خشي في بداية الانتفاضة الشعبية من أن لا يجد أي تضامن نتيجة انكشافه طوال الزمن السابق نظام فساد ومحسوبية وإفقار لعامة الناس، بما فيهم هؤلاء الذين يدعي اليوم حمايتهم. وفي ظل غياب الدولة وهيمنة نزوع الحفاظ على السلطة هناك خشيةٌ على الحراك من محاولة تحويله من حراكٍ وطنيٍّ شعبيٍّ يطالب بالتغيير إلى صراعٍ طائفيٍّ، خاصة في اللحظة التي ترى السلطة نفسها آيلةً للسقوط فتقرر إشراك قاعدتها الاجتماعية عبر خلق ظروف تبعث في جنباتها الفزع، فتعمد السلطة إلى تنظيم قاعدتها مدعية أنها تستجيب لمطالب هذه القاعدة، وتنحت لها الإيديولوجية الملائمة، وبهذا تنقلها إلى مصاف "الطائفة السياسية"؛ وبعد ذلك تسعى لبناء "تحالف طائفي" في مواجهة خصومها الذين تعمل الذبح فيهم لإجبارهم على اعتبار ما يحصل استهداف طائفي، الأمر الذي يسهل العمل على الطائفيين بين صفوف الحراك الشعبي لتعميم تصورهم. وفقط إن نجحت السلطة في فعل ذلك يمكن لها نقل عملية الصراع من معادلة "شعب - نظام" إلى مأزق الحرب الأهلية، لتنتظر بعدها أن يؤدي سفك الدماء بين الطوائف، إلى القبول الدولي لها مجدداً طرفاً في الحل بعد أن أقرت جزءاً من الأزمة.
من المفيد اليوم للحراك، ومن أجل النجاح في التعامل مع هذا التحدي، الإقرار بأن السلطة الحاكمة في سوريا حظيت على بعض النجاح في مخططها لتقسيم المجتمع؛ وتالياً البدء في تقليب سبل إفشاله حتى يتم التمكن من تجنب الحرب الأهلية. ولعل أهم هذه السبل هي تطوير المبادرات الأهلية التي جهدت على تخميد ردات الفعل، وتوضيح التوريط الذي يعمل عليه النظام من خلال خلق آليات تلاقي وحوار وتعاون وتكافل. ومن الضروري أن ندرك أن نجاح الحراك في ضبط الغضب الناتج عن ما يقوم به النظام من ذبح، والتمسك بالطرح والسلوك الوطني الذين وفرا له التفوق الأخلاقي، لن ينهي الانقسام، لكنه سيمنع استخدامه أكثر مما يحصل فعلاً، وسيوفر الكثير من الدم الطاهر؛ وربما - كما نأمل- يقدم بعض أسس رأب الصدع الراهن بعد وصول الأزمة إلى نهايتها. النهاية التي سيكون حاسماً في تحققها قدرة المعارضة على الانتقال لمحل الدولة التي فقد النظام سبل محاكاتها من حيث اعتماد مصلحة الوطن، والعمل من موقع المسؤول عن كل المواطنين من معارضة وموالاة بغض النظر عن السلوك الراهن للأخيرين. إعادة الاعتبار لمنطق الدولة في حال تم تبنيه من قبل المعارضة، سيشكل الخطوة الأهم مرحلياً بما يحتويه من سعة حاضنة لكل الأطياف، وبما يقدمه من ضماناتٍ لكلِّ الأطياف.
ربما لازال هناك ما يستدعي التفاؤل بالوصول بالمدى المنظور للحظة وقف التدمير والبدء في بناء سوريا أخرى، ولكن من السذاجة، حتى بمقياس حجم الانقسام الأهلي الراهن، اعتبار ذلك "نصراً" بملء الفم. بدل من ذلك نقترح اعتبارها جرس بدء العمل في رأب الصدع. ومن الهام احتساب هذه المهمة من اليوم، والقيام بما يكفي من الأعمال لتسهيل النجاح فيها وتقصير فترتها. أما في اللحظة الراهنة فيبعث على الإحباط أننا لا نجد لدى المعارضة القوة الكافية لثني النظام عن غيه في زيادة الانقسام الأهلي ذي الآثار المديدة، كل ما نأمل هو أن تمتلك تصور للحد منه على الأقل.

المصدر: صباح سوريا

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع