مصطفى حميد أوغلو
تصدير المادة
المشاهدات : 2944
شـــــارك المادة
الشعب السوري هو الشعب الوحيد الذي صمد لمدة أربعة شهور دون أي دعم خارجي، ومع تباطؤ وتواطؤ وتجاهل المجتمع الدولي برمته، الرسمي والمدني، خرج وهو يدرك أنه لا يعول إلا على الله ثم قوة شبابه الذاتية وصلابة عزيمته، عاقداً العزم على نيل الحرية مهما كان الثمن غالياً، وهو يدرك اليوم أن مواقف الدول والمؤسسات المدنية والرسمية سترضخ في الأخير للأمر الواقع، لما يحققونه بثباتهم على سلمية الثورة وزيادة زخمها..
نعم قد يكون العنوان قاسياً وربما متجنياً برأي البعض، لكنها الحقيقة المرة التي يتجرعها الشعب السوري وهو يدفع ثمن الحرية غالياً من دمائه الزكية. الثورة السورية ضحت بما يقارب الألفين من خيرة شبابها، ومن أطفالها ونسائها، عدد المعتقلين والمفقودين زاد على الخمسة عشر، وعاش الآلاف من الشعب السوري لأول مرة في تاريخ بلادهم حياة الذل في مخيمات اللاجئين. ورغم كل مظاهر القتل والتشريد والتعذيب التي تجري أمام الأعين، وفي وضح النهار، ظلت المواقف الشعبية والرسمية، الحكومية منها والمدنية، دون الحد الأدنى المطلوب، صمت عربي وإسلامي مخجل، تواطؤ روسي وصيني واضح، تباطؤ يصل لحد التواطؤ من بقية الدول الأوربية والأمريكية. كتبت مقالاً بعنوان الأغلبية الصامتة خائفة أم خائنة، بينت فيه أهمية الأغلبية في حسم الموقف في كل الثورات وحركات التحرر، ثم جاء خطاب الأسد الثالث، ليراهن هو الآخر على هذه الشريحة، وقال بالحرف الواحد: إن الحياد يزيد طول الأزمة. وأعود لأقول: إن هذه المواقف الحيادية، كما يدعي أصحابها، تسهم ليس في إطالة الأزمة فقط، بل تتحمل وزر كل مواطن سوري قتل، أو تعرض للتنكيل والاعتقال والتعذيب والتشريد، وهو ينادي بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. فمن هم الذين يتحملون يحملون هذا الوزر الكبير: 1- الصامتون والمترددون والخائفون حتى الآن من الشعب السوري والعربي والمسلم، الذين يريدون الحرية من دون تضحية، والذين لم يكسروا حاجز الخوف والتردد، ومن غلَّب مصلحته الشخصية، ومركزه ومنصبه، وتجارته على المصلحة العامة، مصلحة الوطن والحرية والكرامة. 2- الدول العربية وحكامها الذين لم يفكروا يوماً بإخراج رؤوسهم ليقرؤوا حقيقة ما يدور حولهم، متذرعين بحجة عدم التدخل. ينتظرون ما يقرره البيت الأبيض، حتى يتململوا من رقادهم، وكأن الدماء التي تنزف ليست عربية ولا تعنيهم، وقد يتعدى الأمر لمساعدة النظام ودعمه مادياً ومعنوياً. 3- جامعة الدول العربية التي سارعت للتنديد بما يجري بليبيا، ولا تزال متفرجة على الدماء تنزف والتشريد والتنكيل. وعجزت عن إيفاد مندوبها لمشاركة شعب عربي أصبح لاجئاً في بلد مجاور. هذه الجامعة التي ظلت لأربعين سنة ترعى لقاءات وزراء الداخلية لإعداد الخط ضد شعوبها، كان عليها أن تغتنم الفرصة لمسح هذا العار على الأقل. 4- منظمة المؤتمر الإسلامي وقد وعدتنا بالتغير والتحرك ونفض الغبار عن الماضي، ولكن هاهي لا تزال تسمعنا جعجعة من دون طحين، ومن أراد العمل لا يعدم الوسيلة. البيانات والتنديد والشجب لم تعد مقبولة لدى الجماهير بعد اليوم. 5- الأمم المتحدة التي لم تحرك ساكناً حتى الآن سوى استهلاك الكلمات والمناداة بالإصلاح، الشعب يريد الحماية وهي تطلب من الجلاد الرأفة بالقتل. تسارع لمواقف ضد السودان وغيره، وتحشد قواها لأبسط الأمور بأماكن أخرى، لكن عندما يتعلق الأمر بدماء المسلمين، فالتأني والحكمة وعدم التسرع صفاتهم وديدنهم. 6- أمريكا والدول الغربية بمواقفها المتباطئة لدرجة التواطؤ العلني، وإعطاء الفرصة تلو الفرصة للنظام ليمعن بالقتل والتشريد ولتنكيل. 7- روسيا والصين المستنكفتان عن فهم طبيعة ونفسية الشعب العربي، وارتهنت مواقفها بالمصالح المادية البحتة الحالية، حتى هذه الناحية لم تفهمها وهاهي تحاول إصلاح مواقفها مع المجلس الانتقالي الليبي بعد أن فقدت الأمل ببقاء العقيد الفذ، ولم تعتبر من الدرس الليبي. 8- الدول الصديقة التي عول الشعب السوري عليها كثيراً، يكن لها المحبة ولقادتها الإجلال والتقدير، التي لا تزال مواقفها ضبابية ومترددة، متأثرة بنظرية المؤامرة، وتنتظر وضوح الموقف الأمريكي أيضاً، تأمل أن يصلح العطار ما أفسده الدهر، تخشى الانحياز للشعب خشية عواقب بقاء النظام، ولا تريد معاداة الثورة، فلعلها هي المنتصرة. هذا الموقف يؤلم الشعب السوري كثيراً، وهو يرى المواقف تتحدد وتقاس بموازين القوى، هاهو يعلن خيبته اليوم من هذه المواقف التي لم تشف غليله، بعد أن كان يرفع صور قادة وأعلام هذه البلاد. الشعوب تريد الدعم في الوقت الحرج، وليس بعد النصر، وشتان شتان بين الاثنين. والمحزن أن هذه الدول تعول على إرضاء الثورات ببعض المساعدات والمواقف الداعمة حينها. موقف يحتاج لكثير من الجدية والمكاشفة، والجرأة والإقدام في توضيح المواقف قبل فوات الأوان، وعدم الاكتفاء بأدوار ذر الرماد بالعيون، وليس من أنفق قبل الفتح كمن أنفق بعده. 9- المعارضة والشخصيات التي تلهث وراء المظاهر والبروز والمناصب، وتركض وراء التحزب، وتريد اختزال المعارضة في وجهة نظرها. الشعب السوري هو الشعب الوحيد الذي صمد لمدة أربعة شهور دون أي دعم خارجي، ومع تباطؤ وتواطؤ وتجاهل المجتمع الدولي برمته، الرسمي والمدني، خرج وهو يدرك أنه لا يعول إلا على الله ثم قوة شبابه الذاتية وصلابة عزيمته، عاقداً العزم على نيل الحرية مهما كان الثمن غالياً، وهو يدرك اليوم أن مواقف الدول والمؤسسات المدنية والرسمية سترضخ في الأخير للأمر الواقع، لما يحققونه بثباتهم على سلمية الثورة وزيادة زخمها وتغطيتها الإعلامية الصحيحة. المعارضة الداخلية والخارجية هي أحوج ما تكون لنبذ أي خلاف، وتأجيل أي مطامع شخصية وحسابات حزبية، عليها تنقية صفوفها من الأنفس المريضة، فالمرحلة مفصلية ولا تحتمل أي تأخر أو تباطؤ، هي صدى للثورة، فعليها أن لا تخيب آمالها، ولا يحق لها وأد الثورة بسبب حسابات خاطئة. عليها أن تكون عند ثقة الجماهير ومحط آماله وتطلعاته. الوقت يمر والقافلة تسير والثورة تحقق المكاسب يوماً بعد يوم، وعلى كل من سبق ذكره، دولاً وأفراداً، أن ينظر للمرآة ليرى نفسه، ويعيد حسابه ويحدد موقفه دون أي لبس ولا غبار عليه قبل فوات الأوان. أعود لعنواني الذي أظنه أغضب وأغاظ الكثيرين، لأتساءل هذه المرة بالعنوان الصحيح: هل من يقتل الشعب السوري هو النظام وحده؟
ياسر الزعاترة
عبد الباسط سيدا
عبد الغني محمد المصري
مركز جسور للدراسات
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة