مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 3095
شـــــارك المادة
رسائل الثورة السورية المباركة (88): قولوا: لا لمشاريع التمييع والتلميع والترقيع
ما لنا ابتُلينا -في سوريا- بهذه المبادرات السياسية التي ما نكاد نخرج من واحدة منها حتى ندخل في أخرى؟ وما لهم أولئك الذين يسمّون أنفسَهم ساسةً دوليين وخبراء عالميين لا يريدون أن يفهموا حقيقة المشكلة وحقيقة الحل؟ أو أنهم يفهمون ثم يتغابَون ويتعامَون ويتحامَون الإقدامَ على الحل الوحيد الممكن لهذه الأزمة، وهو إسقاط النظام، كل النظام، والبدء بعهد جديد؟
اعلموا -أيها الناس- أن كل مشروع سياسي هو مشروع توفيقي تلفيقي حتى يثبت العكس، وكل مشروع توفيقي تلفيقي هو تمييعٌ للمواجهة القائمة بين الشعب النظام، أو أنه تضييع لثورة الشعب، وهو تلميع للنظام أو ترقيع للنظام. لذلك فإنني أرجوكم -يا أيها الشرفاء الأحرار- أن يكون لكم جواب واحد موحّد على كل مشروع أو مبادرة من هذا النوع: "لا" لكل مشروع يقوم على إصلاح النظام، "لا" لكل مشروع يعتمد على ترقيع النظام، "لا" لكل مشروع لا يتضمن إسقاط النظام، كل النظام، من أعالي الرؤوس إلى أسافل الأقدام. * * * الذين يقدّمون تلك المشاريع المشبوهة صنفان: أطراف خارجية وأطراف داخلية. فأما الأطراف الخارجية -سواء أكانت مصنَّفة في محور الغرب أم في محور الشرق- فإنها لا تريد بنا خيراً ولا همَّ لها إلا قطع الطريق على التغيير الحقيقي الجذري الذي توشك الثورة أن تصنعه في قيادة وحكم سوريا، فهي تريد أن تنقل هذا الشعب الأبيّ الكريم العظيم من وصاية حكم عميل ارتضته وحقق لها مآربها وحفظ لها مصالحها في سالفات الأيام، إلى وصاية حكم عميل جديد ترتضيه ويحقق لها مآربها ويحفظ لها مصالحها في مُقبلات الأيام. وأما الأطراف الداخلية ففيها مَن اختار ودَعَم مشاريع التمييع المذكورة بخبث وسوء نية، وفيها من صنع ذلك بغفلة وحسن نية ظناً منه أنها الحل الأفضل للأزمة السورية. الأوّلون لا خيرَ فيهم ولا فائدة من محاورتهم، وهم يسعون إلى مآرب شخصية على حساب الشعب والوطن أو يحاولون إنقاذ النظام ليتقاسموا معه المكاسب، بئس النظرُ نظرُهم وبئسَت الخططُ التي يخططون. الآخرون لنا معهم كلمة ولنا فيهم أمل؛ منهم معارضون مخلصون ومنهم علماء صادقون، ومنهم أكوام من الناس العاديين، مثلي ومثلك أيها القارئ الكريم، وهم يتحركون مدفوعين بهاجس المحافظة على الوطن من التدخل والتفكك وحماية الشعب من الأذى والجراح. هؤلاء ما يزالون ينظرون إلى المشكلة السورية بسذاجة ويظنون أنها يمكن أن تُحَلّ حلاً جذرياً كاملاً لو أجرى النظام بعض الإصلاحات السياسية وطبّق بعض التعديلات التحسينية في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، ولذلك تراهم ما يزالون يبحثون عن "مشاريع الإصلاح"، ويتحدث المعارضون عن "الرئيس" كما يتحدث العلماء عن "إصلاح الحاكم والمحكوم" و"النصح للراعي والرعية". أي رئيس وأي حاكم وأي راعٍ يا أيها السادة الكرام؟ إنكم -عندما تردّدون هذه الكلمات- تمنحون المجرم الكبير شرعية نزعها عنه الشعب الثائر منذ أمد طويل، إنكم تجعلون القاتل المأفون حاكماً قانونياً لسوريا، وما هو بحاكم لها ولا رئيس، إنما انتزع أبوه الحكمَ من أهله بلا حق ولا قانون ثم ورثه هو عن أبيه بلا حق ولا قانون. أفيدرك هذه الحقيقةَ البديهية تلميذُ المدرسة ورجل الشارع وتغيب عن عقولٍ واعية وأذهانٍ كبار؟ إن هذا لأمرٌ غريب! * * * أيها السادة: لا يهمنا أن نبحث الآن في أصل الثورة: أكان واجباً أن تقوم في سوريا أو كان الأَولى أن لا تقوم؟ هذا السؤال مضى وقته ولم يعد لبحثه نفع ولا تترتب عليه نتيجة. ما يهم هو السؤال اللاحق: هل يجوز لهذه الثورة أن تقف؟ دعونا نتفق على هذه المسألة الجوهرية ونترك ما عداها. لم أسأل أحداً هذا السؤال إلا وقذف في وجهي الجواب بلا تردد ولا إبطاء: "معاذ الله أن تقف الثورة قبل إسقاط النظام، فإن التوقف إعدام وانتحار". الحمد لله على أن هذا التقرير الحاسم ليس له مُخالف في جمهور الثورة، فقد أجمع عقلاؤها على أن النظام سيسترد قوته -لو أن الثورة توقفت لا قدّر الله- وسينتقم من أهل سوريا انتقاماً لم تسمع بمثله أذن الزمان، انتقاماً سيجعل من هولاكو وتيمور تلامذة مبتدئين في مدرسة القسوة والإجرام. إن المشكلة ليست في جمهور الثورة، بل هي في المتخاذلين المخذّين وفي المترددين والمتخوّفين. لذلك فإنني أشعر أن معركتنا الأساسية لم تعد مع النظام، بل مع قوم منّا ما يزالون يرون أن النظام قابل للبقاء، يخاطبونه خطاب الحاكم الشرعيّ ويحثّونه على الإصلاح، ومع قوم من غيرنا ما يزالون يطرحون مشروعاً وراء مشروع لحل سياسي يتضمن عزل الرئيس وبقاء النظام مع ترقيع النظام؛ وكل ذلك خطأ كبير يرتكبه بعض الناس بحسن نية ويرتكبه بسوء نية الأكثرون، وهو لا يصنع شيئاً إلا زيادة عمر المحنة وزيادة حجم المعاناة على الناس. على الجميع أن يفهموا جوهر المسألة: لا يمكن أن نتوقف، لا يمكن أن نهادن، لا يمكن أن نقبل ببقاء النظام، لا بدّ من المضيّ إلى نهاية الشوط، لا بدّ من إسقاط النظام. هذه هي قاعدة القواعد وكل ما بعدها تَبَعٌ ونتيجةٌ لها. مهما كانت الخسائر ومهما كانت التضحيات اللازمة لإكمال الرحلة فإنها أقل -حتماً- من خسائر التوقف والاستسلام. نعم، لقد خسرنا الكثير، ولكن الذي نحن معرّضون لخسارته لو توقفنا أكبر. لقد فقدنا عشرة آلاف شهيد، ولو توقفنا فسوف نفقد خمسين. الذين اعتُقلوا وعُذّبوا مئة ألف أو مئتان، لو توقفنا فسوف يُعتقل مئات الألوف، ولن نحصي آجال اعتقالهم بالأسابيع والشهور -كما نصنع الآن- بل بالعقود، بالعشرات من السنين، وغالباً لن يخرج أحدٌ منهم ليرى ضوء الشمس مرة أخرى. وإنّ لنا في سابق تجربتنا مع هذا النظام المجرم لَعبرة، ولا ينسى الماضي إلا الحمقى وضعافُ الذاكرة، أرجو أن لا نكون واحداً من الفريقين. لو توقفنا فسوف نتذكر هذه الأيام التي نُقصَف فيها ونُعتقَل ونُغتال ونقول: يا ليت تلك الأيام تعود! والله لن يأمن أحدنا على ماله في خزنته ولا على امرأته في خِدرها، فإن يدَ العدوان الآثمة لَتمتدّ إلى الخدور وإلى الخزائن لتسطو على الأعراض وتسطو على الأموال، ولسوف يُتخطّف الآمنون من البيوت وتُستباح الحرمات في الطرقات. لقد عشنا كالعبيد نصف قرن، ولو توقفنا فسوف نعود إلى أسوأ من حياة العبيد. * * * واهمٌ مَن يظن أن التوفيق بين الطرفين ممكن. واهمٌ مَن يظن أن النظام قابل للإصلاح. واهمٌ مَن يظن أن أهل سوريا سيكونون في أمان لو قبلوا بحل وسطي… واهمٌ كل من يتعامل مع هذا النظام المجرم بمنطق التلفيق والتوفيق.
المصدر: الزلزال السوري
أحمد أبا زيد
أحمد أبازيد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة